مسار إعادة الرسملة: المصارف قطعت نصف الطريق وأكثر… ماذا عن المودعين؟

مدة القراءة 5 د

في نهاية الشهر الحالي، تنتهي المهلة الممنوحة للمصارف اللبنانيّة، لتحقيق متطلبات إعادة الرسملة وفقًا للمعايير التي حددها مصرف لبنان، والتي تنصّ على زيادة الرساميل المصرفيّة بنسبة 20%، وتكوين سيولة جاهزة في المصارف المراسلة بنسبة 3% من إجمالي الودائع الموجودة لدى كل مصرف. مصادر من داخل مصرف لبنان تشير لـ”أساس”، إلى أنّ المصارف اللبنانيّة حاولت طوال الفترة الماضية تمديد هذه المهلة، بالاستناد إلى القانون الذي مدّد تعليق المُهل، لكنّ مصرف لبنان قرر بعد دراسة المسألة، رفض هذه الطلبات، معتبرًا أنّ مبدأ تعليق المُهل المنصوص عنه في القانون، لا ينطبق على السقف الزمني المحدّد لإنجاز الزيادة المطلوبة في الرساميل. فهمت المصارف أنّ مصرف لبنان جِدّي هذه المرّة في المهلة المحدّدة لها لتطبيق التعميمات، خصوصًا أنّ سلامة مدّد سابقًا هذه المهلة، بعدما تأخرت المصارف في تطبيق شروطه، وأيّ تمديد إضافي سيعني حرق هدف المسار بأسره.

الشرط الأوّل، والمتعلّق بزيادة الرساميل بنسبة 20%، كان الجزء الأسهل بالنسبة للقطاع المصرفي، خصوصًا أنّ المصرف المركزي منح المصارف تسهيلات عديدة لتمكينها من تحقيق هذه الزيادة. فالمساهمون تمكنوا بفضل هذه التسهيلات من تحقيق نسبة كبيرة من الزيادة المطلوبة في الرساميل المطلوبة، من خلال تقديم عقارات بنصف المطلوبات بدل السيولة النقديّة. كما تمكنوا من تأمين الجزء الآخر من هذه الرساميل، عبر تحويل ودائعهم داخل النظام المصرفي نفسه إلى أسهم ورساميل، بدل تأمين هذه السيولة بالدولارات الطازجة من الخارج. مع العلم أنّ تعميمات المصرف المركزي سمحت أيضًا للمصارف بتكوين جزء من الزيادة المطلوبة في الرساميل، عبر إعادة تخمين العقارات المملوكة أساسًا من المصارف.

مصادر من داخل مصرف لبنان تشير لـ”أساس”، إلى أنّ المصارف اللبنانيّة حاولت طوال الفترة الماضية تمديد هذه المهلة، بالاستناد إلى القانون الذي مدّد تعليق المُهل، لكنّ مصرف لبنان قرر بعد دراسة المسألة، رفض هذه الطلبات

الجزء الأصعب من مسار إعادة الرسملة، كان الشرط المتعلّق بتكوين سيولة جاهزة في المصارف المراسلة، بنسبة 3% من الودائع بالعملات الأجنبيّة، إذ إنّ هذا الشرط يستلزم توفير هذه السيولة بالدولارات الطازجة، سواء من خلال تقديمات مباشرة من المساهمين، أو عبر بيع موجودات أو أصول مصرفيّة في الخارج. أوّل المصارف التي تمكنت من توفير السيولة المطلوبة للامتثال لهذا الشرط، كانا “بنك لبنان والمهجر” و”بنك عودة”، بعد إجراء صفقات بيع لفروعهما المصرفيّة في الخارج. ومع نجاح أكبر مصرفين لبنانيين في تأمين السيولة المطلوبة، شعرت باقي المصارف الأصغر حجمًا بضغط مضاعَف للامتثال لهذا الجانب من تعميمات مصرف لبنان.

بحسب المصادر نفسها، باتت الغالبيّة الساحقة من المصارف اللبنانيّة الكبيرة والمتوسّطة الحجم، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مستوى السيولة الذي تحتاجه في المصارف المراسلة، بحسب تعميمات مصرف لبنان. وهذه المصارف تشمل مثلًا: “بنك بيبلوس وبنك الإعتماد اللبناني، وبنك بيروت وبنك البحر المتوسّط، وبنك الموارد وغيرها”. علمًا أنّ تقدّم المصارف في عملية الحصول على هذه السيولة المطلوبة، ما يزال حتّى اللحظة موضوع متابعة يوميّة من قِبل لجنة الرقابة على المصارف، من خلال مراسلات يوميّة تقارِن هذا التقدّم بالخطة التي وضعها سابقًا كل مصرف لتأمين السيولة المطلوبة.

بعد انتهاء المهلة في نهاية الشهر، تخطط لجنة الرقابة على المصارف للبدء بتتبّع وضع المصارف التي على وشك تحقيق السيولة المطلوبة منها في الخارج، من ًدون أن تتمكن من ذلك. أما الهدف فهو إعطاؤها – بشكل ضمني وغير رسمي – مهلة إضافيّة قصيرة جدًّا لإنجاز المسألة، وتخطّي الاستحقاق، ما يعني أنّ لبنان لن يشهد خلال الأسابيع التي ستلي انتهاء المهلة، مجزرة مصرفيّة مفاجئة، نتيجة عدم امتثال بعض المصارف لشروط إعادة الرسملة. وفي المقابل، سيكون على المصارف التي تجاوزت المهلة، تحمّل غرامات معيّنة وفقًا لتقدير الهيئة المصرفيّة العليا التي تملك هذه الصلاحيّة.

بحسب المصادر نفسها، باتت الغالبيّة الساحقة من المصارف اللبنانيّة الكبيرة والمتوسّطة الحجم، قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مستوى السيولة الذي تحتاجه في المصارف المراسلة

على المدى الطويل، ثمة خيارات عديدة للتعامل، مع وضع المصارف القليلة التي مازالت بعيدة عن تحقيق الزيادات في الرساميل، أو الأموال المطلوبة في المصارف المراسلة. وبحسب مصادر مصرفيّة متابِعة للخطوات الأخيرة لدى المصرف المركزي، خيارات متنوّعة، من بينها مثلًا الدخول في عمليّة شراء أدوات استثماريّة في المصارف نفسها، وهو ما يسمح لها بتكوّن السيولة المطلوبة لزيادة الرساميل، كما تسمح هذه الخطوة لمصرف لبنان بامتلاك حق التدخّل في إدارة المصرف، وتوجيه عملياته في المستقبل، وصولًا إلى مرحلة فرض دخوله في عمليات دمج أو استحواذ إذا لزم الأمر. وفي كل الحالات، تشدد المصادر على أنّ مسألة الودائع غير معنيّة بكل هذا المسار، أي أنّ وضع المودعين وعلاقتهم بمصارفهم لن تتأثر خلال المرحلة المقبلة بكل هذه التطورات.

إقرأ أيضاً: إستحقاق شباط: مجزرة مصارف… أو التأجيل مجدداً؟

في المقابل، تشير مصادر مصرف لبنان إلى أنّ الخطوة التالية بعد إنجاز عمليّة إعادة الرسملة، هي الدخول في مسار جديد لتنظيم علاقة المودعين بالمصارف، وحلّ أزمتهم، من دون أن تعطي هذه المصادر تفاصيل أكثر عن هذا المسار. لكنّ الكثير من المتابعين يشيرون إلى أنّ هذا النوع من المسارات، يصعب الدخول فيه من دون تكامله مع خطة حكوميّة أوسع، تحدد المقاربات الرسميّة التي سيتم اعتمادها لتوزيع الخسائر الناتجة عن الانهيار المالي، ومنها تلك التي سترتبط بإعادة جدولة ديون الدولة بالليرة وبالدولار الأميركي، خصوصًا أنّ حجم هذه الخسائر وطبيعتها أكبر من أن يتم التعامل معه بخطط مصرف لبنان وحده.

أين الخطة الحكومية – عفوًا – أين الحكومة؟

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…