صرّافو الفئة “أ”: أهداف محتملة للعقوبات الأميركية

مدة القراءة 6 د

هل تكون الأيام المقبلة حُبلى بالمفاجآت ومثقلة بنُذُر الشؤم على بعض الصرّافين؟

ما كان يكفي هؤلاء كُره الناس لهم والتحقيقات التي تتهم بعضهم بالتلاعب بالدولارات المدعومة. فقد زاد شأنهم تعقيداً اليوم وباتت أزمتهم عابرة للحدود بعد تواتر معلومات عن عمليات تقصّي معلومات حول عدد منهم تقوم بها الخزينة الاميركية.

فقد كشفت مصادر خاصة بموقع “أساس”، أنّ الخزينة الأميركية تقوم بعمليات تحقيق وجمع بيانات عن مجموعة من صرّافي الفئة “أ”، بناءً على شكوك تحوم حول بعضهم. ولا يُستبعد أن تتوجّه الخزينة صوب إدراج عدد منهم على لوائح العقوبات الأميركية، من دون أن يتّضح تحت أيّ قانون تحديداً، ومتى سيكون توقيت إدراجهم، خصوصاً في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن التي يبدو أنّها في هذه المرحلة منكبّة على تحضير الملفات وانتظار الفرص.

ولم يُعرف إن كانت هذه التحقيقات تخصّ علاقة هؤلاء الصرّافين بتهريب الأموال إلى سوريا أو بتمويل عمليات شراء البضائع المهرّبة إلى الداخل السوري أو لعلاقات مفترضة بينهم وبين جماعات نظام بشار الأسد. كما لم يُعرف إن كانت هذه التحقيقات، وبالتالي العقوبات، ستكون بموجب “قانون قيصر” الذي يخصّ سوريا ونظام الأسد، أو بموجب قانون “ماغنيتسكي” الذي يخصّ الفساد أو غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب لعلاقة هؤلاء الصرافين بـ”حزب الله” وبمنظومته المالية.

كشفت مصادر خاصة بموقع “أساس”، أنّ الخزينة الأميركية تقوم بعمليات تحقيق وجمع بيانات عن مجموعة من صرّافي الفئة “أ”، بناءً على شكوك تحوم حول بعضهم

لكنّ أسماء شركات الصيرفة التي تهتم الخزينة بمعرفة تفاصيلها وبالتدقيق في بياناتها، تعطي أماكن انتشارها وانتشار بعض فروعها جغرافياً، إشارات إلى أنّ تدقيق الخزينة يستهدف علاقاتها بـ”حزب الله”. وهذا الأمر يعيدنا من جديد، مثل كلّ مرّة، إلى مشروع القانون الذي تقدّم به النائب الأميركي الجمهوري جو ويلسون إلى الكونغرس، والذي لم يبصر النور بعد لكنّ تبدو مفاعيله حاضرة في كل تحركات الخزينة الأميركية.

من المعروف أن صرافي الفئة “أ” يُسمح لهم قانوناً بشحن الأموال من الخارج إلى لبنان وبالعكس، كما يحق لهم تحويل الأموال النقدية بالوسائل الالكترونية أو بموجب نظام الحوالة.

وللتذكير فإن المشروع الأميركي The Hezbollah Money Laundering Prevention يرمي إلى معاقبة الكيانات المتعاملة مع “حزب الله” جغرافياً في لبنان. ما يعني أنّه إذا كان هناك مصرف أو شركة تملك أكثر من فرع وثمة احتمال لتعامل أحد الفروع مع “حزب الله” يمكن معاقبة هذا الفرع تحديداً دون سواه… وهذا قد يفرض، في حال إقراره، خارطة جديدة لانتشار الشركات والمصارف وما يشبهها على الأراضي اللبنانية.

كذلك لا بدّ للتذكير في هذا الصدد أيضاً، بأنّ الخزينة الأميركية قد سبق لها أن أدرجت أكثر من شركة صيرفة لبنانية على لوائح العقوبات، إذ اتهمت في العام 2013 شركة “رميتي” للصيرفة التي تملك فروعاً في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب بـ”تسهيل عمليات واسعة لغسل الأموال وتجارة المخدرات بين الأعوام 2008 و2011.

وبحسب ما تقول الخزينة فإن شركة رميتي “حصلت على ودائع نقدية كبيرة، وقامت بجمع عملات نقدية بالجملة، وإصدار شيكات، وتسهيل تحويلات برقية عبر الحدود نيابة عن مبيّضي أموال معروفين ومشتبه بهم، وتجّار مخدرات، وشركات تابعة لحزب الله”.

كما اتهمت الخزينة شركة حلاوي للصيرفة بـ”تسهيل المعاملات لشبكة من الأفراد والشركات التي تقوم بغسل الأموال من خلال شراء وبيع السيارات المستعملة في الولايات المتحدة لتصديرها إلى غرب إفريقيا”.

من المعروف أن صرافي الفئة “أ” يُسمح لهم قانوناً بشحن الأموال من الخارج إلى لبنان وبالعكس، كما يحق لهم تحويل الأموال النقدية بالوسائل الالكترونية أو بموجب نظام الحوالة

الخزينة كشفت في حينه أنّه مع بداية العام 2012 “شاركت شركة حلاوي بإدارتها وموظفيها الرئيسيين، في ترتيب تحويلات دفترية متعددة بلغ مجموعها أكثر من 4 ملايين دولار نيابة عن إحدى شبكات غسيل الأموال”. كما خططت لنقل “ما قيمته 224 مليون دولار من عقود شحن المركبات وقطعة سيارات من شركات مملوكة من شركة حلاوي في دولة بنين أفريقية، ونقلت عائدات مبيعات السيارات نقداً من كوتونو عاصمة بنين إلى بيروت بواسطة النقل الجوي وتم إيداعها مباشرة في مكاتبه للصرافة، ما سمح بإيداع كميات نقدية كبيرة دون الحاجة إلى وثائق تثبت من أين نشأت الأموال”. وقامت شركة حلاوي بـ”غسل أموال تهريب المخدرات لمسؤول بارز في حزب الله”، مذكّرة بأن الشركة “تُستخدم بشكل روتيني من قبل شركاء حزب الله كوسيلة لتحويل الأموال غير المشروعة”، وكلّ ذلك بحسب قرار الخزينة الأميركية المذكور أعلاه.

وفي العام 2019 أدرجت الخزينة أيضاً شركة “شمس للصيرفة” ومركزها شتورة، على لوائح العقوبات بتصنيفها شركة “تابعة لـ”حزب الله” وتقوم بـ”غسيل الأموال ونقل عشرات الملايين من الدولارات شهريًا من عائدات المخدرات وتسهيل تحركات الأموال لحزب الله”، متهمة إياها بـ”نقل الأموال من وإلى أستراليا وكولومبيا وإيطاليا ولبنان وهولندا وإسبانيا وفنزويلا وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة وبتحويل عشرات الملايين من الدولارات شهريًا لتجار المخدرات المعينين”. وذكّرت الخزينة في قرارها، أنّ شركة شمس تعمل “بموجب ترخيص وإشراف مصرف لبنان”، وأكد التزامها بـ”العمل مع مصرف لبنان للقضاء على وصول مهربي المخدرات وغاسلي الأموال والجماعات الإرهابية مثل حزب الله إلى النظام المالي اللبناني”.

في العام 2019 أدرجت الخزينة أيضاً شركة “شمس للصيرفة” ومركزها شتورة، على لوائح العقوبات بتصنيفها شركة “تابعة لـ”حزب الله” وتقوم بـ”غسيل الأموال ونقل عشرات الملايين من الدولارات شهريًا من عائدات المخدرات وتسهيل تحركات الأموال لحزب الله”

اللافت في هذا الأمر أنّ هذه الأسماء ما نزال نسمع عنها أو نرى محلات صيرفة تحمل هذه الأسماء في مناطق لبنانية محدّدة، أو أنّ بعضها لا يزال موجوداً على لوائح الصرافين المرخّصين من مصرف لبنان.

إقرأ أيضاً: الدولار: المواطنون كانوا أذكى من الصرّافين هذه المرّة..

بعد التدقيق في الأسماء، يظهر أنّ ثمة من أُقفل أبوابه بالفعل، وثمة من استمرّ في العمل، وثمة من تمكّن ربّما من الحصول على تراخيص جديدة بأسماء أخرى مختلفة تخصّ شقيق أو ابن أو والد… إلخ، أو انتقل إلى العمل تحت أسماء مختلفة كلياً.

مصادر في مصرف لبنان أكّدت لـ”أساس” أن المصرف “يقوم بما هو مطلوب منه إدارياً” من خلال شطب اسم الجهة المعاقبة وسحب الرخصة منها، لكنّ مهمة التأكد من الإقفال تقع على عاتق الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية تحديداً، لأنّ المصرف المركزي ليس من وظيفته ملاحقة المخالفين على الأرض، مذكّرة أن العديد من اللوائح باسم الصرافين غير الشرعيين (غير المرخصّين) كانت تُرسل إلى الأجهزة الأمنية من دون أن تُحرّك الأخيرة ساكناً.

الأرجح بسبب الخوف من قوى الأمر الواقع التي ابتلعت الدولة، فانقلبت الأدوار وبات الدولة دويلةً، فيما الدويلة صارت هي الدولة!

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…