على وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ الذي تعيشه البلاد، زادت معدلات السرقة في لبنان، وباتت الأخبار المرتبطة بالسرقة ترافق يوميات اللبنانيين. إذ ارتفعت معدّلاتها إلى ما يزيد عن 57% مقارنةً بالوقت نفسه من العام 2019، بحسب أرقام قوى الأمن الداخلي. وهذا في مؤشرٍ اجتماعيّ خطير يبشّر بانفجارٍ أمني معيشي أصبح أقرب إلينا من تشكيل الحكومة أو ربما من زيارة الرئيس المكلف المقبلة إلى قصر بعبدا مجدّداً.
السرقة الموصوفة
ارتفعت نسبة السرقات الموصوفة (بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات وغيرها) من1.610 في العام 2019 إلى 2.534 سرقة في العام 2020، وكان الارتفاع ظاهراً في آخر ثلاثة أشهر من العام 2020. فبينما سجّلت 105 حوادث سرقة موصوفة في تشرين الأول 2019 سجّلت 202 حادثة في الشهر نفسه من 2020، وارتفعت من 125 في تشرين الثاني 2019 إلى 198 من الشهر نفسه في 2020، ومن 171 في كانون الأول 2019 إلى 282 في الشهر نفسه من العام المنصرم. والفارق كبير أيضاً ما بين بداية 2020 ونهايته، ويتجاوز 110 سرقات زائدة بحسب المعدل الشهري. (جدول مفصّل بالأشهر مرفق)
حوادث النشل
واللافت انخفاض أعداد حوادث النشل من 678 في 2019 إلى 503 في 2020. لكن يُلاحظ ارتفاع المعدل الشهري لحوادث النشل في آخر ثلاثة أشهر من 2020 مقارنة بالفترة نفسها من 2019. فسجّلت في تشرين الأول 2019 نحو 36 حادثة، وسجلت في الشهر نفسه من 2020 نحو 74 حادثة. وتقاربت في تشرين الثاني بين 64 في 2019 و50 في 2020، وعادت لترتفع في كانون الأول من 39 في 2019 إلى 56 في 2020 ، وزادت بالمجمل بين الكانونين من العام 2020 ما يقارب الضعف، وارتفعت من 27 إلى 56 حادثة نشل شهرية في نهاية العام. (جدول مفصّل بالأشهر مرفق)
ارتفعت نسبة السرقات الموصوفة (بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات وغيرها) من1.610 في العام 2019 إلى 2.534 سرقة في العام 2020، وكان الارتفاع ظاهراً في آخر ثلاثة أشهر من العام 2020
ماذا تعني هذه الأرقام من المنظور الاجتماعي؟
يتخوّف الدكتور زهير حطب، الباحث المتخصّص في علم اجتماع الأسرة، من هذه الأرقام، ويؤكّد لـ”أساس” إنّها نسبة “ملفتة للنظر وضاغطة” لاسيما أنها تمثّل فقط نسبة عدد السرقات التي تمكّنت القوى الأمنية من ضبطها أو تمّ التبليغ عنها: “وما خفي كان أعظم”. وبرأيه هي تعبير عن أزمة اجتماعية: “فكما هناك مؤشرات لأزمة لبنان السياسية والأمنية هذه أزمة اجتماعية تطلّ برأسها بمؤشرات تسمى الخروج عن القانون والتعدّي على حقوق الغير، ليستطيع أصحاب فئة الفقر المدقع أن يغطّوا احتياجاتهم المعيشية التي تساعدهم بالاستمرار على الحياة”.
خلال 2019 كان العاملون لا يزال في إمكانهم تأمين مداخيل معقولة لإيجاد ظروف معيشيّة مقبولة، وفي نهاية العام بدأ التدهور والانهيار الاقتصادي مع توقّف المصارف عن دفع أموال المودعين، بالإضافة إلى ارتفاع معدّل أسعار السلع على الأقل إلى النصف، مع ارتفاع سعر صرف الدولار. وهذا أدّى إلى ارتفاع نسبة المواطنين القابعين تحت خطّ الفقر، بحسب بيانات الأمم المتحدة: “وهذا بالطبع دفع بعض الأشخاص من الفئات الفقيرة والمحتاجة إلى اعتماد أساليب، أبسطها عملياً النشل، ةالسرقة والتهديد والابتزار. وهي أساليب يلجأ إليها أصحاب الحاجات السريعة وبعض الفقراء الذين لا أمل لهم بمصادر دخل بديلة أو مصادر معونة أو مساعدة أو اقتراض”، يضيف حطب مفسرّاً جوانب الأزمة.
هذه أزمة اجتماعية تطلّ برأسها بمؤشرات تسمى الخروج عن القانون والتعدّي على حقوق الغير، ليستطيع أصحاب فئة الفقر المدقع أن يغطّوا احتياجاتهم المعيشية التي تساعدهم بالاستمرار على الحياة
مؤشرات خطيرة
لكنّ الأسوأ من هذه الأرقام ما يجب أن نتوقّعه في الآتي من الأيام، أي دلالات هذه الأرقام على مستقبلنا: إذ كلما زاد هذا الضغط ومع استمرار تحوّل الآلاف من طبقات وسطى” إلى “فقيرة” وفئات “تحت خطّ الفقر”، برأي الباحث حطب: “سنشهد تفاقم حوادث السرقة وزيادة المحاولات التي نشهدها يوميّاً. وقد بدأنا نرى حالات سرقات بأمّ العين، وأنا شهدت 3 محاولات مختلفة للسرقة خلال يومين، ومن المحتّم أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية سيؤدي إلى زيادة في الانحدار تحت خطّ الفقر وسيزيد من معاداة الناس للحصول على ما يكفي حاجاتهم”.
فالمساعدات التي وصلت إلى بعض اللبنانيين بعد انفجار بيروت بدأت تتقلّص، تلك التي كانت تصل إلى مجموعة لا بأس بها من الناس من متضررين وغيرهم. وتوقّع حطب خلال شهر إلى شهرين، مع إضافة ضغوطات كورونا والإقفال العام ونتائجه على الوضع المعيشي، أن تتضاعف نسب السرقة: “ونخشى أن تتجاوز نسبة ارتفاع معدلات السرقات 80 و90 % خلال أشهر، وربما تصل إلى أربعة أضعاف في منتصف آذار المقبل، لأنّنا متجهون نحو اشتداد هذه الأزمة يوماً بعد يوم وزيادة عدد ضحاياها”.
إقرأ أيضاً: 2020 عام القتل والسلب: لا “مجرمين جددٌ”.. ولا سرقة للسيارات
ويلفت الباحث المتخّصص في علم اجتماع الأسرة إلى المؤشرات الكثيرة التي تدلّ على حالة الهلع والخوف التي يعيشها المقيمون في لبنان بسبب حوادث السرقة والظرف المعيشي: “يومياً هناك أخبار وتحذيرات تصل إلى هواتفنا عبر واتساب وغيره تحذّر من السرقات وتخبرنا عنها، وهناك حالة هلع حقيقية لدى الناس الذين يحجز بعضهم نفسه في المنزل ليس فقط بسبب كورونا بل خوفاً من حوادث مشابهة”. ويلفت أيضاً إلى اختلاف أنواع السرقات: “نشهد سرقة مواد غذائية وخضروات، وما توفّر في صندوق بائع متجول” ما يعني أنّنا وصلنا إلى وقت بدأ فيه (المعتّر يسرق المعتّر) وهذا مؤشّر آخر على اشتداد الأزمة وخطورتها”.
ويشدّد حطب على ضرورة التعاضد الاجتماعي والإنساني، وتخصيص جمعيات المجتمع المدني جزءاً من نشاطاتها لمساعدة حالات الفقر المدقع التي تشكّل بيئات حاضنة لأعمال كهذه: “لأنّ من يسرق لا يسرق بداعي المغامرة بل بداعي الفقر. أما السياسيون الذين أقفلوا آذانهم عن كل المناشدات السابقة، فسيجدون أنفسهم مضطرين ليسمعوها في المرحلة المقبلة، وربما بالقوّة”. ويقصد حطب هنا اشتداد الأزمة المعيشية وتحوّلها إلى أزمة أمنية في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
فهل سيسمع أهل القرار ويتحسّسون خطورة هذه الأرقام قبل انفجار الوضع الأمني المعيشي؟