يتصاعد الحديث عن حاجة لبنان لوضعه تحت الوصاية الدولية، خصوصاً بعد فشل المنظومة السياسية في تشكيل حكومة، ومواجهة التحدّيات المفروضة، وآخرها زلزال 4 آب بعد تفجير مرفأ بيروت. لكنّها تبدو بعيدة بحسب الخبراء. إذا يجمع الخبير في العلاقات الدولية وأستاذ العلوم السياسية في الجامعتين اللبنانية والأنطونية الدكتور نبيل الخوري، والمحاضر في الجامعات الفرنسية ورئيس “المرصد اللبناني للعلاقات الدولية الاستراتيجية”، الدكتور وليد عربيد، على أنّها شبه مستحيلة.
فما هي الوصاية الدولية؟ وكيف يمكن أن تتحقّق؟ وهل طرحها اليوم يستند إلى معطيات صلبة؟
الدكتور الخوري يرى أنّها “ليست بهذه السهولة، ولم يحن وقتها بعد في لبنان”، شارحاً الأسباب في حديث لـ”أساس”: “فرض الوصاية يعني أنّ البلد بات غير قادر على حكم نفسه بنفسه، وأنّ مؤسساته الدستورية غير فاعلة، وأنّه غير ملتزم بقرارات مجلس الأمن الدولية الصادرة في حقّه (1559 و1701). وفي لبنان نتجه إلى الوصاية في حال حصل اجماع في الأمم المتحدة على ذلك”.
ويشرح قانونياً أنّ “طرحها يحتاج إلى شروط معيّنة. لأنّ الانتداب الذي هو نظام وصاية كان قبل قيام الأمم المتحدة، أي في زمن عصبة الأمم. وبعدها حلّت الأمم المتحدة محلّ عصبة الأمم عام 1945، واستبدل مصطلح أو مفهوم الانتداب بمفهوم “نظام الوصاية الدولي”.
أما عن آلياتها: “فيتضمّن ميثاق الأمم المتحدة فصلين يضبطان العمل بمبدأ الوصاية الدولية، وهما الفصل 12 الذي خـُصّص لـ”نظام الوصاية الدولي” (المواد من 75 إلى 85)، والفصل 13 الذي يتعلّق بـ”مجلس الوصاية” (المواد من 86 إلى 91).
ويُلزم الميثاقُ “الدولة القائمة على إدارة الإقليم المشمول بالوصاية بأن تعترف بأنّ مصالح هذا الإقليم مقدّمة على غيرها عند التعارض، وبضرورة مراعاة الطموحات السياسية لكل إقليم حسب مراحل تنميته وتقدّمه، وبأن تنقل إلى الأمم المتحدة معلومات عن الأوضاع في الإقليم ليتسنّى لها رصد التقدّم المحرز باتجاه تقرير المصير في الإقليم. كما يوضح “اتفاق الوصاية” الموّقع بين إقليم الوصاية و”السلطة القائمة بالإدارة”، الشروطَ التي يدار بمقتضاها الإقليم، ويجوز أن تكون هذه السلطة دولة أو أكثر أو هيئة الأمم المتحدة ذاتها”.
طرحها يحتاج إلى شروط معيّنة. لأنّ الانتداب الذي هو نظام وصاية كان قبل قيام الأمم المتحدة، أي في زمن عصبة الأمم. وبعدها حلّت الأمم المتحدة محلّ عصبة الأمم عام 1945، واستبدل مصطلح أو مفهوم الانتداب بمفهوم “نظام الوصاية الدولي
كما تنصّ المادة 78 من الميثاق على أنّ نظام الوصاية لا يطبّق على الأقاليم التي أصبحت أعضاء بالأمم المتحدة، إذ أنّ العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب أن تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة. أما المادة 77 من ميثاق الأمم المتحدة، فتنص على أنّ نظام الوصاية يطبّق على ثلاث فئات من الاقاليم:
1- الأقاليم الموضوعة تحت انتداب نصّت عليه عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى.
2- الأقاليم المقتطعة من “دول الأعداء” نتيجة الحرب العالمية الثانية.
3- الأقاليم التي تضعها تحت الوصاية بمحض اختيارها دول مسؤولة عن إدارتها.
يؤكّد الخوري أنّ “الوصاية يمكن أن تكون اختيارية أو بقرار تصدره الأمم المتحدة، وتحت إشرافها، بانتظار استفتاء تقرير المصير، أو بانتظار أن تشرف على إعادة بناء الدولة. إلا أنّ وضع لبنان تحت الوصاية الدولية يحتاج إلى إجراءات طويلة جداً. في الوقت الحالي، ما يحدث في لبنان هو عبارة عن “تدويل” أي أنّه غير خاضع لوصاية دولية، إنّما خاضع لنوع من المراقبة. لكنّ العامل الذي طرأ حالياً هو إفلاس الدولة وانهيار المالية العامة. وإذا انهار أكثر واكثر، ستصبح الدولة غير قادرة على تلبية حاجات السكان، وغير قادرة على دفع مستحقّات الجيش وقوى والأمن، وبالتالي بإمكان الأمم المتحدة أن تضع يدها وتستطيع أن تفعل “شراك جماعي” أيّ تكلّف وتفوّض دولة واحدة (مثلاً هناك الحديث عن دور محتمل للفرنسيين في هذا الصدد).
الوصاية يمكن أن تكون اختيارية أو بقرار تصدره الأمم المتحدة، وتحت إشرافها، بانتظار استفتاء تقرير المصير، أو بانتظار أن تشرف على إعادة بناء الدولة
الدكتور الخوري يعتبر أن فكرة الوصاية قد تكون حلاً مؤقتاً لأزمة لبنان: “بالمطلق، فشلت الدولة في لبنان لأنّها دولة مافيات وعصابات. لكن هل ستترك هذه العصابات والمافيات دولة تتولّى الوصاية على البلد؟ ليس بالسهولة يستطيع أحد فرض الوصاية. هناك هيبة للدولة، والتدخل بالشؤون الداخلية للدول ممنوع إلا إذا طلبت الحكومة ذلك أو إذا لم تعد دولة لبنان عضو في الأمم المتحدة”.
إقرأ أيضاً: قطب في 8 آذار لـ”أساس”: الوصاية الدولية آتية من العجز الأمني والسياسي
الدكتور وليد عربيد يستخفّ بالكلام حول الوصاية الدولية: “هذا مجرّد كلام، في الوقت الحاضر علينا البحث في كيفية بناء نظام سياسي في لبنان ينقلنا من الجمهورية الثانية إلى الثالثة، يجمع اللبنانيين ولا يفرّقهم بالكونتونات أو بالفيدراليات. فالوصاية قد يؤيّدها الناس لكنّها تضرب السيادة اللبنانية”.
ويقول لـ”أساس” إنّ “الكلام اليوم ليس حول الوصاية بل حول تأسيس نظام سياسي يُرضي جميع الطوائف، وهو نظام المواطنة، الذي يرتكز على الديموقراطية الحقيقة بين اللبنانيين، ويرتكز على وقف تدخّلات إسرائيل في الشأن الداخلي اللبناني في الجنوب اللبناني أو غيره. هناك من يقول إنّ القرار 1701 إذا تم تطبيقه يحلّ الأزمة لكنّ هذا غير الصحيح. فالتطبيق يكون بايجاد حلول شاملة لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً المسألة الفلسطينية، حتّى يعود لبنان إلى الاستقرار والراحة وهذا ما اقترحته المبادرة الفرنسية. كلّ ذلك يضع لبنان في الوقت الحاضر بعيداً كل البعد عن قبوله بوصاية تم تجربتها، إن كانت فرنسية أو سورية”.