كيندا من السجن: في الفوضى.. الضحية الأولى هي كرامةُ الإنسان

2020-12-21

كيندا من السجن: في الفوضى.. الضحية الأولى هي كرامةُ الإنسان


قبل يومين من صدور قرار المحكمة العسكرية بسجنها ثلاث سنوات بتهمة التعامل مع العدو، ودخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتعامل مع جواسيس العدو الإسرائيلي والمتعاملين لمصلحته، سطّرت كيندا الخطيب رسالة من السجن، محفوفة بمشاعر مختلطة من الأمل واليأس، والغضب والحزن.

لم تكن كيندا متأكّدة من نوع الحكم الذي سيصدر بحقّها، مع أنّها اعتبرته اتّهاماً سخيفاً، وأنّ هدفه إشاحة الأنظار عن ثورة الشباب في 17 تشرين 2019.

كتبت كيندا رسالتها باللغة الإنكليزية، وقد حصل “أساس” على هذه الرسالة، التي توضح كيف أنّها تشعر بالوحدة والأسى، وانعدام الثقة بأحد، وهذه ترجمتها العربية:

“لا أعلم ما قد يحدث آخر هذا الأسبوع. كنتُ متفائلة دائماً، لكن مع مرور الوقت، شعرتُ بالمرارة والوحدة والحزن.

كنتُ إنسانة واقعية، لكن الآن وعندما أنظر إلى حياتي السابقة، أدركُ أنّ الذاكرة تشبه النهر الجاري بعكس التيار.

ذكرياتي مليئة بالتقلّبات المفاجئة. صورُ التجارب ما زالت قادرة على حبس الهواء عنّا، من خلال التفاصيل الصغيرة أو حتّى الأصوات العابرة. رائحة الخبز تنبعث في خلاياي، وتذكّرني يوم كنتُ أمشي بحريّة في المقهى، وهذا يعذّبني أكثر من فكرة الموت أو الوحدة التي أشعر بها الآن.

في هذه الثورة والفوضى، الضحية الأولى هي كرامة الإنسان. اعتقالي سيُظهِر قدرة المحكمة العسكرية، وسيصرف الانتباه عن الفساد، وعن الجيل الشاب المُطالِب بحقيقة الانفجار. في زمن السلم، لن يقبل أحدٌ مثل هذه الأوهام كدليل عليّ

أشعر بقلبي الآن وكأنّه مدينة أشباح تسكنها الانفعالات، والحماسة، والوحدة، والخزي، والفخر، والخيانة، والحزن في آنٍ معاً. لا أستطيع التخلص منها حتّى وأنا أشعر بالحزن على نفسي، وأبكي بصمت. 

أتيتُ إلى الحياة في زمن غير مناسب، ولا يمكن فعل شيء لإصلاح ذلك. لا أدري إن كان المستقبل سيذكرني، لكن إن فعل، فأتمنّى ألا أكون ضحية في نظره لأنّني قرّرتُ أن أكون ما حلمتُ به دوماً.

لقد بزغ فجر اليوم للتوّ، ويمكنني سماع صوت العصافير، وصوت حاملة المفاتيح.. بقيةُ السجينات نائمات، بعضهنّ خائف وبعضهنّ استسلم لمصيره. نمتُ حتّى شعاع الشمس الأوّل، هذا الشعاع الذي لم يدخل زنزانتي.

لا أعلم لماذا جعلتني الحياة أمُرّ بالكثير من الأشياء في وقت قصير جداً.

هل تجرّب ما إذا كان بإمكاني تحمّل هذا الوقت الصعب؟

لِتَرى مِمّا صُنِعت؟

لإعطائي خبرة؟

لكن كان هناك طرقٌ أخرى لتحقيق ذلك. لم يكن هناك حاجة لإغراقي في ظلام روحيّ، أو جَعلي أعْبُرُ هذه الغابة المليئة بالذئاب والحيوانات دون يدٍ واحدة تُرشدني.

إذا سارت الأمور كما آمل، فلن تتلقّوا هذه الرسالة أبداً. ولكن إذا كنتُ مخطئة، فليس لديّ أمل كبيرٌ بالاحتفاظ بهذه الصفحات التي استهلكت آخر أسبوع من حياتي على الأرض.

لسوء الحظ، ليس لديّ أيّ شخص آخر لأثق به. نعلم جميعاً أنّني لن أُقتلُ بسبب ادّعاء التجسّس السخيف، لكن لأنّني قرّرتُ أن أكون ما كنتُ أحلم به دائماً: حلمٌ اسمه لبنان.

لا أعلم حتى إذا ما كان المستقبل سيذكر اسمي أو قضيتي. لكن ما أنا متأكّدة منه أنّ هذا العار سيقع على رأس هذا البلد بسبب اتهامي.

أتيتُ إلى الحياة في زمن غير مناسب، ولا يمكن فعل شيء لإصلاح ذلك. لا أدري إن كان المستقبل سيذكرني، لكن إن فعل، فأتمنّى ألا أكون ضحية في نظره لأنّني قرّرتُ أن أكون ما حلمتُ به دوماً

في هذه الثورة والفوضى، الضحية الأولى هي كرامة الإنسان. اعتقالي سيُظهِر قدرة المحكمة العسكرية، وسيصرف الانتباه عن الفساد، وعن الجيل الشاب المُطالِب بحقيقة الانفجار. في زمن السلم، لن يقبل أحدٌ مثل هذه الأوهام كدليل عليّ.

في حالة الفوضى، كلّ ما يحتاجُهُ القاضي هو اعتقالي.

جسدياً لا أزالُ أتنفّس، لكنّ روحي ميتة. يقولون إنّ الحياة ليست بهذا التعقيد، لكنّها كذلك. المشكلة أنني قرّرتُ أن أحقّق حلمي. لكنّ ثمن تحقيق الأحلام باهظٌ.

إقرأ أيضاً: نعم.. كيندا الخطيب أخطأت

أشعر أنّني أغرق في حفرة حالكة. واجهتُ القسوة وندوبها. ليست عيناي اللتان تبكيان. دموعي تسيلُ من نقطة عميقة ومظلمة في قلبي. تخبرني قصة لم أدركها تماماً. كنتُ أبحرُ في ظلامٍ دامس.

رغم أنّني سجينة، إلا أنّ روحي تحلّق عالياً. الجميع يخوض معركة لا تنتهي ليعرف من سيكون الناجِي في هذه المعركة الدموية، بينما لم أعد أحتاج أن أصارعَ بعد الآن. أنا أنتظر فقط حكم أناسٍ لم أقابلهم يوماً، ليقرّروا من أكون.

ستظهر الحقيقة يوماً إن وجدوني مذنبة. وعندها، سيكون عاراً يلاحقهم هم وذريتهم وبلادهم”.

 

12/12/2020

مرفق نص الرسالة:

 

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…