موسم الهجرة الخليجية من مطار رفيق الحريري

مدة القراءة 8 د


يبدو أنّ مطار رفيق الحريري الدولي مصيره لن يختلف عن مصير مرفأ بيروت. لن تكون نيترات الأمونيوم وسيلة لتوقّف المطار عن الخدمة، لكنّ مخاطر “تهديد السلامة العامة” هذه المرة، ستكون الحجّة خلف مقاطعة المرفق الحيوي الوحيد المتبقّي للعاصمة، وتحوّله إلى “مطار محظور” أو “صحراء” خالية من شركات الطيران العالمية على غرار مطاري دمشق وطهران، فيما السبب هو: “حزب الله”.

مصادر رسمية في مطار رفيق الحريري الدولي كشفت لموقع “أساس” أنّ العديد من شركات الشحن الخليجية بدأت تباعاً بتخفيض رحلاتها المخصّصة للشحن، من وإلى بيروت، خصوصاً قبيل تطبيع دولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل.

هذا المعطى إذا ربطناه بالتصريحات الإسرائيلية عن الجهود المشتركة مع دول الخليج لدفع الأمم المتحدة صوب تصنيف الحزب “منظمة إرهابية”، وبتحذير منظمة “شورات حدين” الإسرائيلي، مؤخراً، شركات الطيران الدولية، من خطورة تقديم خدمات إلى مطار رفيق الحريري الدولي، باعتبار ذلك “مساعدة” للحزب في ارتكاب “جرائم حرب”، تكتمل الصورة ويصبح مصير المطار المنتظر معروفاً، ولا يُستبعد أن ينسحب الأمر على رحلات الركاب مستقبلاً أيضاً.

تقول المصادر التي ترفض الكشف عن نفسها، إنّ جهاتٍ في “شركة الطيران الكويتي” باحت لأحد المسؤولين في المطار بأنّ “تخفيضَ عدد رحلات الشحن سيسلك طريقه في المستقبل القريب”، وذلك على خلفية قرار “تخفيف شراء البضائع من لبنان بنسبة كبيرة ربما قد تصل إلى نحو 60 أو 70%”. هذا التخفيض سيؤثّر حكماً في تجارة مئات الأطنان التي تتوجّه إلى الكويت شهرياً، وتأتي بالدولارات “الفريش” من الخارج إلى لبنان. وعليه، لم يُعرف بعد إن كان خفض عدد الرحلات سيتسبّب بوقف التجارة أو العكس، لكن النتيجة واحدة وكارثية على لبنان وعلى اقتصاده الذي تتهدّده أخطار كثيرة وعلى رأسها “حزب الله”.

المصدر نفسه يؤكد أنّ “شركة الطيران القطري” كانت تسيّر 3 طائرات شحن يومياً بين بيروت والدوحة، لكنّها تقلصت اليوم إلى رحلتين أو ما أقصاه 3 رحلات في الأسبوع الواحد، من دون تقديم أيّ تبرير واضح وصريح.

يؤكد المصدر أنّ هذه الاجراءات “لا علاقة لها أبداً بجائحة كورونا، لأنّ في ذروة الأزمة، قبل أشهر، وفي حمأة إقفال المطارات بوجه الركاب، لم تنقطع طائرات الشحن عن بيروت، وكانت تعمل على نقل البضائع كالمعتاد (أغلبها خضار وفواكهة ومواد غذائية وأغنام)”.

أما “شركة طيران الإمارات”، وبحسب المصدر، فإنّها لا تخصّص طائرات شحن تحطّ في بيروت. ويقتصر نقل بعض البضائع على المساحات التي تسمح بها طائرات الركاب العادية. يضيف المصدر أنّ “خدمة الشحن أوقفتها دولة الامارات منذ سنوات، على غرار خطوط المملكة العربية السعودية، التي تُعدّ من أكثر المتشدّدين في هذا المجال، وهي الدولة الوحيدة التي “لا تنقل قشّة من لبنان حتى ضمن طائرات الركاب الخاصة بها”، وهذا يعني أنّ الشركات الخليجية ربما تتجه لتحذو الحذو السعودي، الذي بات ينظر إلى لبنان، و”حزب الله” تحديداً، كمصدر خطر اجتماعي وليس سياسياً أو أمنياً فحسب، متهماً إياه بالتسبّب بحرف الشباب السعودي فكرياً من خلال المخدّرات (راجع اتهام المستشار بالديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله بن محمد المطلق “حزب الله” بتهريب المخدرات إلى المملكة قبل يومين، إذ دعا في برنامجه الأسبوعي استديو الجمعة على إذاعة نداء الإسلام إلى: “حماية الشباب من الانحرافات التي يزينها لهم دعاة الشر والضلال من خطورة آفة المخدرات التي يقوم بتهريبها إلى بلادنا أعداؤنا من حزب الله أو الميليشات الحوثية”).

تقول المصادر التي ترفض الكشف عن نفسها، إنّ جهاتٍ في “شركة الطيران الكويتي” باحت لأحد المسؤولين في المطار بأنّ “تخفيضَ عدد رحلات الشحن سيسلك طريقه في المستقبل القريب”، وذلك على خلفية قرار “تخفيف شراء البضائع من لبنان بنسبة كبيرة ربما قد تصل إلى نحو 60 أو 70%”

في المقابل، ينفي مدير مطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن، في اتصال مع “أساس”، تقلّص عدد الرحلات الخليجية بشكل عام إلى مطار بيروت. نسأله عن الرحلات المخصصة للشحن، فيقول إنّ السبب يعود إلى “الفوضى التي خلّفها فيروس كورونا في المطارات”، عازياً الأمر إلى “عدم قدرة الشركات على القيام بإجراءات الـHandling في بعض الأحيان” وإلى “إقفال بعض المطارات”، مبيّناً أن هذه الأسباب “جعلت جداول رحلات الشحن غير ثابتة في أغلب الأحيان”.

هذا بخلاف ما تؤكده المصادر الخاصة بـ”أساس” من أنّ فيروس كورونا لا علاقة له بتقليص الرحلات، وإنما لأسباب تتعلّق بقرارات سياسية مسبقة تخصّ الانسحاب التدريجي من لبنان، أكان اقتصادياً أو سياسياً، خصوصاً مع الكلام الذي يُنقل بالتواتر عن عدم رغبة الإمارات بتعيين سفير جديد بدلاً عن الدكتور حمد الشامسي الذي عيّن في القاهرة، فيما يقال أنّ السفير السعودي وليد البخاري في إجازة مفتوحة في المملكة.

ويضاف إلى ما سبق ذكره أعلاه، كلام نائب المدير العام للشؤون الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإسرائيلية يهوشوع زرقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” قبل أيام، الذي كشف أنّ جهوداً مشتركة تُبذل مع دولتي الإمارات والبحرين من أجل تصنيف حزب الله مجموعة إرهابية من قِبل الدول التي لم تفعل ذلك بعد، موضحاً أنّ الهدف النهائي من هذا التحرّك هو “حضّ الأمم المتحدة على تصنيف الحزب جماعة إرهابية”.

ولم تقتصر الجهود الإسرائيلية على هذا الحدّ، بل إنّها هدّدت شركات طيران دولية كبرى بمواجهة إجراءات قانونية لمنع سفرها إلى مطار رفيق الحريري الدولي، بعد أن أرسلت لها منظمة “شورات حدين” الإسرائيلية المتخصّصة بمحاربة تمويل النشاطات الإرهابية، قبل أيام، “مذكرات تحذيرية غير مسبوقة”، تطالبها بوقف تقديم جميع الخدمات إلى مطار رفيق الحريري الدولي بحجّة تورّطها بشكل غير مباشر في  مساعدة “حزب الله” على ارتكاب ما أسمته “جرائم حرب”.

المنظمة أًرسلت بالمضمون المذكور أعلاه، رسائل إلى 15 شركة، بما فيها الخطوط الجوية الفرنسية، والخطوط الجوية البريطانية، وشركة “أليطاليا” الإيطالية، و”لوفتهانزا” الألمانية، لتحذيرهم من أنّ المطار في بيروت أصبح “مرتعاً” لنشاط “حزب الله” ، كما أنّه يقع بالقرب من نشاط إرهابي مكثّف ومعروف، من قبل “المجموعة الإرهابية الشيعية المدعومة من إيران”.

جهود مشتركة تُبذل مع دولتي الإمارات والبحرين من أجل “تصنيف حزب الله مجموعة إرهابية من قِبل الدول التي لم تفعل ذلك بعد”، موضحاً أنّ الهدف النهائي من هذا التحرّك هو “حضّ الأمم المتحدة على تصنيف الحزب جماعة إرهابية”

الرسائل حذّرت من أنّ الخطوط الجوية التي تحطّ وتطير من مطار رفيق الحريري الدولي، لا تعرّض ركابها وطواقمها للخطر فحسب، وإنّما توفّر “عن علم” للحزب، ما اعتبرته “دروعاً بشرية”. وبالتالي تسمح له بارتكاب أنشطة إرهابية خلف كواليس المدنيين وبحمايتهم. وذكرت الرسائل أنّ هذا الأمر “يُعرّض شركات الطيران وشركات التأمين لدعاوى قضائية محتملة واتهامات جنائية بمساعدة حزب الله”، كما حذّرت المؤسسة الاسرائيلية، شركات الطيران من أنّ استمرار الرحلات الجوية إلى المطار اللبناني “سيشكّل جريمة حرب بموجب القانون الدولي”.

هذا كله يشي بأن مطار رفيق الحريري الدولي تحت المراقبة الغربية والعربية المكثّفة، خصوصاً بعد بدء تفعيل عجلة العقوبات المتنوّعة مؤخراً، أكان بموجب قوانين “أوفاك” أو “ماغنيتسكي” أو “قيصر”. فبحسب مصدر خاصة بـ”أساس”، فإنّ الطيران السوري المحظور بموجب قانون “قيصر”، لم يعد موجوداً على نظام الأوروبي المعروف باسم Amadeus.

إقرأ أيضاً: موظف في المطار: لا أريد أن أموت منفجراً

هذا النظام يختصّ بتشغيل خدمات الـ check-in للركاب وتحضير الـ load sheets للطائرات، وتملكه شركة أوروبية مقرّها إسبانيا، وأسّستها 4 شركات طيران من أجل تقديم هذه الخدمات لها ولنظيراتها، بواسطة النظام المذكور. من بين الشركات الأربع المؤسسة، شركتان وجّهت لهما المنظمة الإسرائيلية الأسبوع الفائت التحذيرات المذكورة أعلاه، وهما Air France الفرنسية وLufthansa الألمانية.

بحسب المصدر، فإنّ الشركة اللبنانية في مطار رفيق الحريري الدولي (MEAG) التي تقوم بإجراءات خدمات الـHandling بموجب Amadeus، طُلب منها التوقف عن ذلك بعد أن سحبته الشركة الأم في إسبانيا من الطيران السوري، وهذا بدوره مؤشر إضافي إلى أنّ ما يجري في مطار رفيق الحريري الدولي بخدماته ومشغليه وزائريه، لا يُغضّ الطرف عنه، وإنما يُراكَم إلى حين إطلاق الصافرة الخاصّة بتسديد الفاتورة، التي قد نُفاجأ يوماً أنّ تفاصيلها كلها مُدوّنة ولم تفتها فائتة… فكله “واردٌ في التقرير”.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…