في آخر زيارة قام بها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، أبدى رأياً أمام محدّثيه من المجتمع المدني بدا محيّراً لدى من استمع إليه. ولم يسترسل الديبلوماسي الأميركي في شرح مضمون رأيه الذي بدا وكأنه “نصيحة”. لكنّ العجلة التي طبعت الحوار تركت الأمر عالقاً بين احتمالين: إما أنّ المسؤول الأميركي كان يمزح، وإما أنه جاد. لكن أيّاً كان الاحتمال الأقرب إلى الصواب، فإنّ شينكر قال كلمته ومشى إلى بلاده التي هي على موعد مع انتخابات رئاسية نادرة المثال من حيث دقّتها في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية.
إقرأ أيضاً: خصم حزب الله المرشح لخلافة بومبيو
في معلومات لـ”أساس” من مصادر اللقاء الذي جمع مساعد وزير الخارجية الأميركي مع شخصيات من المجتمع المدني أنّه دعا هؤلاء إلى التفكير بإرسال وفد إلى واشنطن للاتصال بمرشّح الرئاسة الأميركية الديموقراطي السيناتور جو بايدن، تحسّباً لاحتمال أن يكون الأخير هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة، وليس الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يخوض السباق للفوز بولاية ثانية.
ما كان اقتراح شينكر ليثير التساؤل، لو لم يكن صاحبه ينتمي إلى فريق الجمهوريين عندما وصل إلى الخارجية الأميركية من خارج المؤسسة، لينضم إلى الفريق الذي يطلق عليه اسم “الصقور”، ويجسّد بعمق توجّهات الرئيس دونالد ترامب، وعلى رأس هذا الفريق وزير الخارجية مايك بومبيو. فهل يعقل، كما علّق صاحب المعلومات المشار إليها، أن يقترح الديبلوماسي المحسوب على الفريق الجمهوري في الخارجية الأميركية على مضيفيه اللبنانيين أن يتّصلوا بالمنافس الديموقراطي للرئيس الأميركي الحالي، وكأن في ذلك إشارة إلى احتمال ألّا يفوز ترامب في الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني الحالي؟
في معلومات لـ”أساس” من مصادر اللقاء الذي جمع مساعد وزير الخارجية الأميركي مع شخصيات من المجتمع المدني أنّه دعا هؤلاء إلى التفكير بإرسال وفد إلى واشنطن للاتصال بمرشّح الرئاسة الأميركية الديموقراطي السيناتور جو بايدن، تحسّباً لاحتمال أن يكون الأخير هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة
في التدقيق بما ورد على لسان الديبلوماسي الأميركي، يقول لـ”أساس” سفير لبناني سابق في واشنطن فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ هناك احتمالين وراء اقتراح شينكر: الأوّل، هو أن يكون الأخير منتمياً إلى إحدى المجموعات من الحزب الجمهوري التي تحارب الرئيس ترامب انطلاقاً من أنّ الاخير خرج عن مسار الحزب الذي بلغ ذروة نجاحه في عهد الرئيس رونالد ريغان حين كان الرئيس الجمهوري لولايتين متتالتين بدءاً من العام 1981 ولغاية العام 1989. وفي عهده، انهار الاتحاد السوفياتي، الندّ الوحيد للولايات المتحدة على مستوى زعامة العالم.
أما الاحتمال الثاني، كما يقول السفير السابق، هو أن يكون مساعد وزير الخارجية الأميركية، قد اقترح ما اقترحه، في إطار الاستدراج لجسّ نبض محاوريه ومعرفة اتجاهات تفكيرهم. لكنّ السفير اللبناني السابق يستبعد هذا الاحتمال لأسباب لا تبرّر هذا السلوك.
أياً كان الأمر بالنسبة لدور شينكر في الخارجية الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية في بلاده، فإنّ ذلك لن يغيّر شيئاً في سياسة بلاده الخارجية التي يرسمها من سيكون مقيماً في البيت الأبيض في السنوات الأربع المقبلة
ما يوسّع دائرة الاهتمام بالفريق الأميركي الذي يواكب مباشرة التطوّرات في لبنان، وفي مقدّمهم شينكر، هو أنّ التغيير آتٍ على الإدارة الأميركية، ليس على مستوى رأس الهرم، أي الرئيس المقبل بعد الانتخابات الرئاسية في الثالث من الشهر الجاري، وإنما على مستوى الطاقم الذي سيكون منفّذاً للسياسة الخارجية الأميركية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما ورد على موقع “أساس”، في مقال الزميل إبراهيم ريحان في 30 تشرين الأوّل الماضي تحت عنوان “خصم حزب الله المرشح لخلافة بومبيو”، الذي جاء فيه أنّ ريتشارد غرينل أحد أبرز صقور إدارة الرئيس دونالد ترامب، مرشّح لأن يتولّى منصب وزير الخارجية في حال أعيد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
آخر إطلالة للديبلوماسي الأميركي على المسرح اللبناني عندما واكب في الرابع عشر من الشهر الماضي انطلاقة المفاوضات غير المباشرة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وهي مفاوضات رأى فيها كثيرون نجاحاً لإدارة الرئيس ترامب تضاف إلى نجاحات ديبلوماسية أخرى في المنطقة.
فهل غادر شينكر لبنان نهائياً؟
ليس من جواب لدى الأوساط التي نقلت الحوار بين الديبلوماسي الأميركي وبين محاوريه اللبنانيين قبل نحو أسبوعيّن. لكن، أياً كان الأمر بالنسبة لدور شينكر في الخارجية الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية في بلاده، فإنّ ذلك لن يغيّر شيئاً في سياسة بلاده الخارجية التي يرسمها من سيكون مقيماً في البيت الأبيض في السنوات الأربع المقبلة.