الراسينغ: نادي الأشرفية ومحيطها… يعاند التاريخ

مدة القراءة 8 د


في منطقة الجميّزة القديمة في قلب العاصمة يقع نادي “الراسينغ”. وبين النادي والمنطقة علاقة توطّدت على مر السنين. فالراسينغ انطلق من قلب بيروت إلى كلّ لبنان، في المرحلة الأولى، ثم إلى دول عربية وآسيوية وأوروبية وأفريقية مختلفة ليمثّل بلده فيستحقّ الفريق عن جدارة لقب “سندباد الكرة اللبنانية”.

إقرأ أيضاً: الرياضي (3/3): فراغ الأزمة المالية والكورونا… وشاكر يدعو للصمود

رائحة البطولات والألقاب تنبعث من أثاث النادي، وكلّ ما هو داخله يعود بك إلى أيام لا تنسى من ذاكرة الكرة اللبنانية.. هنا درع “رحلة الوفاق” بين الراسينغ والنجمة إلى أفريقيا عام 1977، وهناك درع تقديرية من رئيس الجمهورية شارل حلو، ووسام آخر من الرئيس سليمان فرنجية. وعلى الحائط، صور رائعة تشير إلى أزهى فترات الكرة اللبنانية في الستينات والسبعينات وأبطالها التاريخيين أمثال كميل قرداحي، وجوزف أبو مراد، ويوسف الغول، ويوسف يموت، وإلياس جورج، وسميح شاتيلا، ومحيى الدين عيتاني “تابيللو”، وفيليب الشايب، وسمير العدو، وبسام همدر، وكلود كوبا، وطوني جريج، وغيرهم من نجوم “أيام العزّ”.

وقد ورث الرئيس الحالي لنادي الراسينغ غابي فرنيني تركة ثقيلة عن سلفه جورج فرح، فالمهمّة صعبة وشاقة، وهدفها العودة بـ”سندباد الكرة اللبنانية” إلى الأضواء بعد موسم كارثي انتهى بهبوط “القلعة البيضاء”، وأحد أعرق الأندية البيروتية واللبنانية إلى “دوري المظاليم”، أي إلى الدرجة الثانية.

كان للراسينغ علاقات مميّزة وفريدة مع مختلف الأندية اللبنانية، وعلى رأسها نادي النجمة بطل لبنان

في حديثه لـ”أساس”، كشف فرنيني أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان الداعم الأول لمسيرة الفريق، وقد عرف النادي بعد استشهاده صعوبات مالية جمّة رغم الجهود التي قام بها “أهل الخير”، ومن بينهم الوزير ميشال فرعون من أجل تأمين الاستقرار المالي والإداري والفني، وقد استمرّ في تأمين ميزانية النادي طوال 15 سنة، أبقته على الخارطة الكروية.

وللراسينغ ماضٍ عريق، إذ فاز بلقب الدوري اللبناني 3 مرات مواسم 1955 – 1956 و1964 – 1965 و1969 – 1970. لكنّ الغيوم السود تلوح في أفق “القلعة البيضاء” هذه الأيام، ويتساءل جمهور الراسينغ: هل سيعود نادينا إلى دوري الأضواء ومتى؟ ما هو مستقبل الفريق؟

رئيس النادي غابي فرنيني يجيب عبر “أساس” فيقول إنّ “سقوط الفريق إلى دوري المظاليم كان صدمة. لكننا نسعى إلى تحويلها صدمةً إيجابيةً من خلال بناء منظومة كروية ناجحة تعتمد بشكل أساسي على اللاعبين الشباب والمواهب الكروية القادرة على استعادة أمجاد الراسينغ”.

ويعتبر فرنيني أنّ “النادي لديه معاناة مادية كباقي الأندية اللبنانية” حيث كشف بأنّ “الاتفاق مع جميع الأطراف المعنية لدى تولّيه رئاسة النادي، كان بدعم الراسينغ من قبل مؤسسات وأفراد تربطهم صداقة بالنادي، وذلك من أجل الحفاظ على استمرارية الفريق”.

واعتبر فرنيني أنّ توليه لرئاسة النادي فخر له، مؤكداً بأنه يطمح لوضع حجر الأساس لنادٍ مؤسساتي بكلّ معنى الكلمة. وذلك من خلال تحصين النادي عبر تأسيس مقرّ ثابت بدأ العمل داخله في منطقة الجميزة.

واعتبر فرنيني بأنّ نقطة ضعف الفريق، ربما تكون في عدم انتمائه إلى أيّ حزب سياسي بحيث تحظى الأندية الأخرى بدعم المرجعيات السياسية. لكنّ ذلك في “الوقت نفسه يجب أن يشكّل نقطة قوّة لأننا نادٍ وطني بكلّ معنى الكلمة ينتمي للبنان وجمهوره من كلّ لبنان”.

وعلى صعيد ملعب النادي، أكّد فرنيني بأنّ الفريق سيعمل على اعتماد ملعب مجمّع الرئيس فؤاد شهاب في جونية كمقرّ له في مبارياته المقبلة في الموسم الجديد.

 

سندباد الكرة اللبنانية

يعتبر نائب الرئيس الأوّل للنادي جورج ابو مراد بأنّ الفريق الذهبي للنادي هو الذي أحرز بطولة الدوري اللبناني موسم 1969-1970 حين قاده الفريق المدرب الروماني أيوان بوغدان.

واعتبر أبو مراد في حديثه لـ”أساس” بأنّ المنافسة الشرسة بين النجمة والراسينغ كانت عصب الكرة اللبنانية، وكانت تشكّل حدثاً كبيراً في الستينات والسبعينات.

كشف فرنيني أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان الداعم الأول لمسيرة الفريق

وعن سرّ تسمية النادي يقول: “سنة 1934 اجتمع حفنة من شباب الأشرفية من قاطني منطقة الجميزة، واتفقوا على إنشاء نادٍ أو مكان يجتمعون به لمناقشة امور الرياضة، وأمور عامة. ولشدّة تعلّقهم بفريق الراسينغ الباريسي اتفقوا على أن يطلق هذا الاسم على ناديهم.

ولعب الفريق في الدرجة الثانية لمدّة خمس سنوات، وكان دائماً “الحصان الأسود”، فعانده الحظ مراراً إلى أن ابتسم له سنة 1940. وصعد للمرة الأولى في تاريخه إلى دوري الأضواء.

وفي عام 1953، أراد المؤسسون أن يحوّلوا النادي إلى مؤسسة رياضية بكلّ ما للكلمة من معنى، فانتخبوا هيئة إدارية جديدة على رأسها رجل الأعمال ألبير خير الذي وضع كلّ إمكاناته المادية بتصرّف النادي، وكان أول الغيث استقدام عدد كبير من لاعبي نادي الانتصار الشياح، بينهم جوزيف أبو مراد إضافة لاستقدام لاعب النهضة سعيد حيدر. وتوّج خطواته باستقدام مدرب يوغوسلافي بروتشيش.

 

ظاهرة أبو مراد

يعتبر جوزيف أبو مراد صفحة مشرقة في تاريخ الكرة اللبنانية في الخمسينات والستينات، وهو الذي شغل جميع المناصب الإدارية في نادي الراسينغ؟  وصاحب التسديدات التي توصف بأنّها “قذائف صاروخية” وتفتقد الملاعب أمثاله هذه الأيام؟

ومن المباريات التي لا تنسى، تلك التي سجّل فيها جوزف هدف الفوز التاريخي أمام فريق أنرجيا الروماني عام 1957 في مناسبة افتتاح المدينة الرياضية. أما أجمل أهدافه، فسجّلها في مرمى الكويت في المدينة الرياضية أيضاً.

 

رحلة العمر إلى الصين الشعبية

في الستينات، سجّل الراسينغ أطول رحلة قام بها فريق محلي، وكانت إلى الصين الشعبية، ودامت أكثر من 40 يوماً، أدّت إلى تفجير خلافات حادة بين النادي والاتحاد اللبناني، إذ منع الأخير النادي الأبيض من مزاولة نشاطاته لمدّة سنة وحلّ  تواقيع لاعبيه. لكنّ تدخل العقلاء منع تنفيذ القرار بكامله، علماً بأنه جاء على خلفية كون الصين الشعبية بلداً شيوعياً.

وفي الرحلة المذكورة، سجّل النادي نتائج مشرفة وبارزة، وتكلّلت أكثرية مبارياته بالنجاح، وهي 8 في أربع مدن كبرى بالصين، إضافة إلى مباراتين في هونغ كونغ.

 

رحلة الوفاق الوطني

كان للراسينغ علاقات مميّزة وفريدة مع مختلف الأندية اللبنانية، وعلى رأسها نادي النجمة بطل لبنان. وبحكم الصداقة الشخصية بين رئيس النادي جوزف أبو مراد آنذاك، ورئيس النجمة عمر غندور، قرّرا إقامة رحلة ضمّت لاعبي الفريقين، واستمرت أسبوعين، لعب في خلالها التفاهم خمس مباريات في أفريقيا، خسر واحدة وتعادل في اثنتين وفاز مرتين.

كان الراسينغ أنشأ 12 فريقاً على مستوى لبنان خلال فترة السبعينات والثمانينات حيث كان الهدف هو خلق أجيال تدرّ النجوم

الأولى كانت ضد بطل أبيدجان وخسرها التفاهم (صفر-2)، وفاز في الثانية على منتخب السنغال (2-1) سجّلهما طوني جريح، وحسن شاتيلا. المباراة الثالثة ضد منتخب ليبيريا، فاز فيها التفاهم (1-صفر) بهدف لحسن شاتيلا. والمباراة الاخيرة كانت ضد فريق من ساحل العاج، وانتهت بالتعادل السلبي.

 

الصمود في الحرب

بعد اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينات، استمر الراسينغ بإقامة المباريات الودّية والمعسكرات. فاستضاف الفريق الأبيض منتخب البرازيل للناشئين عام 1978، وفاز عليه بهدف دون ردّ على ملعب بلدية برج حمود. بالإضافة إلى المشاركة في كأس كوريا الجنوبية لموسمين حيث كان يستضيف الأندية الأشهر على صعيد الكرة الاسيوية.

وكان الراسينغ أنشأ 12 فريقاً على مستوى لبنان خلال فترة السبعينات والثمانينات حيث كان الهدف هو خلق أجيال تدرّ النجوم على الفريق الأساسي. وتألف التجمع من 12 نادياً هي: الراسينغ جونية، وراسينغ الكهرباء الذوق، وراسينغ الدورة، وراسينغ الروضة، وراسينغ سدّ البوشرية، وراسينغ جسر الباشا، وراسينغ عين سعادة، وراسينغ البوشرية، وراسينغ النبعة، وراسينغ بينو عكار، وراسينغ حارة حريك، وراسينغ الحازمية.

الراسينغ، بحسب محبّيه، تجاوز الحواجز المصطنعة في عزّ الحرب اللبنانية وخصوصاً عام 1983 خلال “حرب الجبل”، فتوجّه إلى المنطقة الغربية، ولعب بمواجهة الصفاء وتعادل 1 – 1، ومن ثَمّ لعب ضد النجمة وفاز 3-0.

 

فترة التسعينات

خلال فترة التسعينات سعى الراسينغ إلى استعادة بعض اللاعبين المعارين إلى الأندية ومن ثَمّ تمّ تكوين فريق منافس.

وخلال سنة 1994، تولّى رئاسة النادي ناجي عازار، فشكّل فريقاً قوياً ومنافساً على الألقاب، وكان مزعجاً ومنافساً بشكل كبير لنادي الأنصار في عزّه.

وبعد تولّي جو كوبلي رئاسة النادي، حصلت بعض الأخطاء، وسقط الفريق إلى دوري الدرجة الثانية. فعُيّن الدكتور عاطف مجدلاني رئيساً للنادي حيث كان الهدف العودة إلى دوري الأضواء، وذلك بدعم من الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

عقب هذه الفترة، تولّى رئاسة النادي رفيق عرموني الذي كان يسعى إلى لمّ شمل النادي مع تولّي جورج فرح أمانة السر. ومن ثَمّ تولّى الأخير رئاسة النادي، فكانت أفضل فتراته في عصر تدريب المدرب ليبور بالا للفريق موسم 2013-2014 قبل أن ينحو الفريق خطاً انحدارياً أودى به إلى الدرجة الثانية في الموسم الماضي… بانتظار نهضة الفريق الأبيض، الذي يعرف دوماً كيف ينهض من تحت ركام أزماته.

مواضيع ذات صلة

بعد 100 عام: الشيعة “يعودون”… إلى سايكس بيكو

في 1982، حين سقط بشير الجميّل في وسط الأشرفية التي دافع عنها، اكتشف المسيحيون أنّ العمق الإسرائيلي “كذبة” وأنّ لبنان وطنهم النهائي. وفي 2005 حين…

حرّية حركة إسرائيل بدأت: قصف قرى الجنوب خلال الهدنة

في الرابع عشر من هذا الشهر (تشرين الثاني) نشر “أساس” مسوّدة الاتّفاق الذي أصبح أمراً واقعاً منذ أيام، لوقف الأعمال العدائية ضمن مهلة 60 يوماً،…

لودريان في بيروت: رئاسة و1701 واستقرار

أُدرِجت زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان في خانة الأكثر الأهمّية سياسياً والأشدّ حزماً رئاسياً، ولو أنّها في نفس إطار مهمّته الأساسية، فمحورها…

اختبار اليوم الأوّل: الرّئاسة تضغط!

لم يعد مضمون اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الـ13 و”ألغامه” مُهمّاً بقدر الحاضنة الميدانية – السياسية التي ستواكب تنفيذه منذ دخوله حيّز التطبيق فجر الأربعاء،…