عالج الفقيه الدستوري العلاّمة حسن الرفاعي إشكالية موقع نائب رئيس الحكومة فوضع النقاط على الحروف بالتأكيد على أنّ “هذا الموقع غير موجود في الدستور والقانون، وأكثر الحكومات لحظت هذا المركز وصدرت مراسيم في بعض الحقب كانت تحمل توقيع نائب رئيس الحكومة بصفته رئيساً بالوكالة لمجلس الوزراء. وبعض نواب رئيس الحكومة كانوا من غير الطائفة الأرثوذكسية، فبموجب المرسوم رقم 3230 تاريخ 29 آب 1979 عُهد إلى السيد ناظم القادري، وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية، مهمّات رئيس مجلس الوزراء بالوكالة طيلة فترة غياب الرئيس الأصيل في كوبا لحضور مؤتمر عدم الانحياز”.
إقرأ أيضاً: نائب رئيس الحكومة بين الدستور والعرف (1/2)
وبحسب الرفاعي في حوارٍ مع “أساس”، فإنّ “المتعارف عليه أنّ الدساتير المكتوبة لا يمكن أن تأتي مفصّلة شاملة جميع أحكام الحكم. لذا استقرّ الرأي على جواز تكملة النصوص بأعرافٍ استمرارُها يعطيها قوّة النصّ المكتوب. بناءً على هذا المفهوم، أصبح مركز نائب رئيس الوزراء عُرفاً متّبَعاً في لبنان فراح يُلحظ في جميع مراسيم تشكيل الوزارات وأن يكون أرثوذكسياً”.
هذا الموقع غير موجود في الدستور والقانون
ولفت الرفاعي إلى أنّ معاهدة “الأخوة والتنسيق والتعاون” بين لبنان وسوريا لحظت مركز نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني عضواً في المجلس الأعلى اللبناني السوري. لكنّ إدراج نائب رئيس الحكومة عضواً في المجلس الأعلى لهذه المعاهدة لا يمنح صاحبه أيّ قيمة زائدة عن الصفة المعطاة له في العُرف اللبناني، وأغلب الظنّ أنّه وَرَدَ للتوازن مع منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية العربية السورية”.
يقول الرفاعي إنّه “إذا كُلِّف نائب رئيس مجلس الوزراء، بموجب مرسوم، بالوكالة عن رئيس الحكومة، فالوكيل يقوم بصلاحيّات الأصيل عدا حقّ الاستقالة. وقد استقرّ الفقهُ والاجتهاد والعُرفُ على ذلك ولا حاجة إلى نصِّ عنه في مرسوم التكليف. ولا يمكن أن يُبدّل الوضع الراهن إلا من خلال تعديل الدستور”.
ويوضح أنّ مراسيم تشكيل الحكومات تدخل في عداد “الأعمال الحكومية”، فإذا “نصّ مرسومٌ على تكليف نائب رئيس مجلس الوزراء مهمّات رئيس هذا المجلس بالوكالة، فلا يعني ذلك أنّ النائب هو حكماً وكيل، فالوكالة عملٌ منفصلٌ كلّياً عن نيابة الرئاسة وغير ملازمٍ لها”.
والدساتير، بحسب الرفاعي “والأعراف الفرنسية لا تلحظ وظيفة نائب رئيس مجلس الوزراء. كما أنّ ممارسة الوكالة، في السلطة التنفيذية عامة، وفي رئاسة الحكومة، يجب أن تكون لمدّة قصيرة، فمهمّات رئيس مجلس الوزراء لها شأنٌ كبير في دستورنا الحاليّ، لذا وجب أن يكون حضورُه شبه دائم، إن لم يكن دائماً ومستمرّاً. فعند غيابه لظرفٍ شخصيّ طارئ يُعلِمُ رئيس الجمهورية. أمّا غيابه لأمرٍ يتعلّق بسياسة الدولة، فلا يجوز أن يتمّ إلاّ بقرارٍ مسبق من مجلس الوزراء، يحدِّدُ بدقّة المهمّة الموجبة للغياب.. وبما أنّ منصب نائب رئيس الوزراء لم يُنصّ عنه في الدستور، لذا لا يُعطى بصفته هذه، أيّ مهمّة سوى بعض الميزات البروتوكوليّة المعروفة”.
أنّ معاهدة “الأخوة والتنسيق والتعاون” بين لبنان وسوريا لحظت مركز نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني عضواً في المجلس الأعلى اللبناني السوري. لكنّ إدراج نائب رئيس الحكومة عضواً في المجلس الأعلى لهذه المعاهدة لا يمنح صاحبه أيّ قيمة زائدة عن الصفة المعطاة له في العُرف اللبناني
يطرح الرفاعي الحلّ لهذه الإشكالية بـ”تسمية أحد الوزراء (صاحب حقيبة أو وزير دولة)، ثم عندما يتمّ توزيع الوكالات لمن يحلّ محلّ الوزير الغائب، يتمّ تعيينه نائباً لرئيس الحكومة بالوكالة، فيكون وزيراً ذا صفة في مجلس الوزراء ومكلّفاً بنيابة الرئاسة التي تسري بغياب الأصيل وبوجوده لا مكان للبديل”.
ويخلص الرفاعي إلى وضع النّقاط على الحروف بالقول: “لا وجود لمنصب نائب رئيس الوزراء في الدستور، وبوجود الأصيل ليس له أيّ دور، وبالتالي لا مكان له في السراي الحكومي، ولا يصحّ تعيين نائب رئيس للحكومة بصفة خاصة منفردة عند صدور مرسوم تشكيل الحكومة. بل يجب أن يكون بالوكالة عن الرئيس، أي بغيابه. أما في وجوده فليس له سوى اللقب كوزير يحمل حقيبة، أو وزير دولة، مكلّف بنيابة رئيس الحكومة، قد يُعهد له ببعض المهام”.
ما تقدّم يستدعي “توقّف وزيرة الدفاع عن الجلوس في السراي الحكومي بذريعة أنّها تحمل لقب نائب رئيس مجلس الوزراء. وإن كان قد حصل في الماضي تنازلٌ بتقديم مكتب للّواء أبو جمرا، فلا يجوز أن يستمرّ بعد أن اتّضح أنّ العين واليد هي على مركز رئيس الحكومة وصلاحياته”.
ويختم العلامة الدكتور الرفاعي بالدعوة إلى “إنهاء المسايرات على حساب الدستور، تلك التي يقوم بها رئيس الحكومة حسان دياب، المتغاضي والمتساهل والشريك في تسليم جزء من صلاحيات الرئاسة الثالثة المؤتمن عليها إلى أصحاب الانقلاب الدستوري لتمكينهم من بناء أعرافٍ لا يمكن أن تستقيم”.