مصرف لبنان يمنع وكالات السفر من دفع المستحقات الدولارية لشركات الطيران العالمية، وبالتالي لـ “الاتحاد الدولي للنقل الجويّ” “إياتا”، فيعرّض قطاع السياحة والسفر في لبنان إلى الخطر، عبر الضغط على المقاصّة الخاصة بالـ”إياتا” للامتناع عن تحويل ما يترتب عليها من أموال الاتحاد، إلى خارج لبنان.
فما هو أصل الحكاية؟
حطّت بورصة الدولار المتهاوية أخيراً في مطار رفيق الحريري الدولي، وأقلعت معها رحلات المخاوف على مصير واجهة لبنان وطيرانه. هذا القطاع الذي طالما أنشدنا الشعر تغنّياً بمكانته العالمية، وصل “موس” الأزمات إليه، فتتوالى الصفحات السوداء في دفتر حساب لبنان الدولي، وكأنّ بلد “الصُوصو ونقطة” سياسياً ومالياً وحتّى صحياً، لا ينقصه إلا عزلٌ جوي يزيد طين خضّاته بلّة.
إقرأ أيضاً: النواب: “رغم الكورونا بدنا نبوّس”النواب: “رغم الكورونا بدنا نبوّس”
بعد تهديد الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” بوضع لبنان على القائمة السوداء للدول التي تمتنع عن تحويل الأموال، بات وارداً العزل الجوي للبنان على شاكلة الدول التي تحتضن الحروب، وارداً. ولم تهدأ بعد ردود الفعل على تهديد نائب رئيس “إياتا” لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط محمد علي البكري “غير المباشر”، الذي أكد أنّ “إيرادات الشركات غير اللبنانية ما زالت تُحوّل إلى خارج البلاد التي تعاني من أزمة مالية شديدة، لكن الأمر أصبح صعباً. آمل ألاّ تضطر “إياتا” إلى وضع لبنان على القائمة السوداء للدول التي تمنع تحويل الأموال”. وذلك في إطار حديثه عن الخسائر التي تكبدتها شركات الطيران في الشرق الأوسط، وتقدّر بـ100 مليون دولار وبنحو 1.5 مليار دولار هذا العام لشركات الطيران العالمية بسبب انتشار فيروس كورونا.
عزل لبنان جوياً أو وضعه على اللائحة السوداء، في حال حصوله، تأتي خطورته من انعكاساته المباشرة وقدرته على ضرب قطاع الطيران في لبنان عبر عدم قدرة مكاتب السياحة والسفر على إصدار أيّ تذكرة سفر، وبالتالي شبه توقّف الرحلات الجوية.
يستبعد مصدر معنيّ في مطار بيروت حصول ذلك: “لن يكونوا قاسين علينا لهذه الدرجة”. مطّلعون على الأزمة التي تعاني منها الشركات بسبب عدم قدرتها على تحويل الأموال إلى الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” بسبب القيود المفروضة على القطاع المصرفي اللبناني وعلى تحويل العملة الصعبة إلى الخارج بشكل مجمل. ورأى المصدر في حديثه لـ”أساس” أنّ “هذه المشكلة ستُحل قريباً ولن نصل لعزل لبنان جوياً لأن الجميع يعي أهمية النقل الجوي لاقتصاد لبنان وصورته”. وكشف بأنّ الاتصالات بدأت لإيجاد “تخريجة تقينا شرّ لائحة سوداء جديدة في ظل الظروف القاتمة التي يعيشها لبنان على مستوياتٍ عديدة”.
المشكلة الأساسية، ليست في كورونا وليس في انخفاض أعداد الرحلات، بحسب المصدر، بل في أزمة صعوبة تحويل الدولارات الى الخارج، فشركات السفر لا تستطيع تحويل الاستحقاقات اللازمة للاتحاد. ورأى في تصريح بكري، بالرغم من قساوته، جرس إنذار، لا اكثر، وكأنه يهزّ العصى للمعنيين في لبنان للتنّبه للمشكلة التي تدفعه للتلخلف عن دفع المستحقات للاتحاد.
التفاؤل نفسه لا ينعكس على رئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود، الذي يرى أن المشكلة تتجه نحو التفاقم، فمكاتب السياحة والسفر يتوجب عليها الدفع بالدولار للاتحاد، بغض النظر عن المشاكل المالية التي يعانيها البلد وعن سعر الصرف وسعر السوق السوداء وكل هذه التفاصيل: “منذ 20 سنة ونحن نبيع تذاكر سفر في السوق اللبناني، وكنا نشكّل 85 % من مبيع شركات الطيران في لبنان، وكانت هناك شبه شراكة بيننا وبين الشركات، أما اليوم فتراجع عملنا بين 80 و90 %”.
طالب المصرف المركزي الشركات العالمية بفتح حسابات مالية في لبنان، لكنّ معظمها رفضت هذا الخيار، وهناك 5 شركات انسحبت
ولم تنجح كل محاولات توحيد المبيع على الدولار، فالشركات الأجنبية بالتأكيد تحتاج مستحقاتها بالعملة الصعبة، بينما مع تعويم الأزمة استمرت شركات لبنانية بالبيع بالليرة وعلى صرف السعر الرسمي وهذا ما أدى إلى “خبصة” في “الميدل إيست” قبل أسابيع، ما أدّى لعودتها إلى بيع التذاكر بالليرة “فعاودنا الاتفاق مع هذه الشركات على إيقاف المبيع والاكتفاء بتقديم خدمات تتميّة لإعادة إنعاش عمل المكاتب”، يقول عبود.
لكنّ تفاقم أزمة الدولار أدى لعدم قدرة الـ”city bank”، الذي هو بمثابة مقاصّة للـ”اياتا” ويقوم بتوزيع الأموال التي تجنيها المكاتب من بيع التذاكر على الشركات، وهي العملية التي تحصل كل 15 يوماً. ويشير عبود إلى أنّ مكاتب السفر دفعت في شهري كانون الثاني وشباط 2020 إلى”city bank” ما بين 50 و60 مليون دولار. لكن هذا البنك، وبتعليمات من المصرف المركزي، لم يحوّل الأموال الشركات وبالتالي إلى الاتحاد.
“وحتّى الساعة لا أحد يملك الإجابة حول كيف ومتى يمكن تحويل هذه الأموال”. وطالب المصرف المركزي الشركات العالمية بفتح حسابات مالية في لبنان، لكنّ معظمها رفضت هذا الخيار، وهناك 5 شركات انسحبت (يرفض هنا عبود ذكر أسماء هذه الشركات)، وهكذا ما عاد باستطاعة المكاتب إصدار تذاكر باسمها.
وكشف عبود أنّ هناك وفداً من الـ”اياتا” سيزور لبنان الأسبوع المقبل، ويلتقي حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة، للبحث في الحلول التي لا يبدو حتى الساعة أنّها ستكون على طاولة المباحثات. ويتخوّف هنا عبود ليس فقط من انسحاب الشركات وتدمير نظام تصدير التذاكر القائم في لبنان وتحويله إلى سوريا وعراق ثانية في هذا الإطار، بل من الطامة الكبرى التي ستلحق بمكاتب السفر في لبنان في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، والمتمثّلة بإقفال المكاتب، أي 600 وكالة سياحة وسفر تعيل 6000 عائلة ويعقّب هنا: “نحن أصلاً بسبب الأزمة بدأنا بتقليص عدد الموظفين، ومنحهم نصف راتب بنصف دوام، فكيف هو الوضع في حال انسحاب الشركات؟” يختم عبود والتشاؤم يخيّم على حديثه.
فهل تخرج كافة شركات الطيران من السوق اللبنانية، يقفز قطاع السياحة والسفر هو الآخر قفزةً في المجهول، ويتم تسريح الآلاف من العاملين، في عزّ زحمة الأوبئة المالية والسياسية التي تضرب لبنان؟ إن الأسبوع المقبل لناظره قريب.