خوجة يعترف (2/3): نصرالله قال لي إن رفيق الحريري وقّع وثيقة إعدامه

مدة القراءة 6 د


يقرّ الوزير والسفير السعودي السابق عبد العزيز خوجة في فصل “سفارة لبنان”من كتابه “التجربة” الذي سيصدر قريباً بأنه وحلفاء المملكة اللبنانيين كانوا يعتقدون بأن “حزب الله” ليس إيرانياً تمامًا، ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسلسلة الأحداث التي تلت “اكتشفنا أن حزب الله ليس حليفاً لإيران في لبنان، بل هو إيران نفسها”.

إقرأ أيضاً: خوجة يعترف (1/3): نصرالله “أقنعني” بالمحكمة الدولية

ويسرد خوجة في الكتاب انطباعات حسن نصرالله عن سياسيين لبنانيين كما كشفها له الأمين العام للحزب، وبعضها مفاجئ. وينقل عن نصرالله أيضاً قوله له إنّ الرئيس الحريري “وقّع وثيقة إعدامه عندما أمر بنزع سلاح المقاومة سنة 1993”.
هنا بعض مختارات من كتاب “التجرِبة”:

***
من أصعب اللحظات التي مرّت بي خلال عملي سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في لبنان، حين ورود معلومات عن اعتزام “حزب الله” احتلال السرايا (قصر رئيس الوزراء ومقر الحكومة) بتوجيه من إيران بعد حرب تموز، خلال الاعتصام في الوسط التجاري الذي أراد إسقاط الحكومة. كانت المعلومات التي بلغتني تؤكد هذا التوجه، فتحدثت مع الرئيس نبيه بري وأبلغته بصورة حاسمة أن احتلال السرايا خط أحمر، وأنني مستعد للوقوف شخصياً أمام باب السرايا ليكون اقتحامها على جثتي. أجابني قائلاً: “روق… روق”، وذلك بلهجة الطمأنة. أخبرت الملك عبدالله والأمير سعود بما فعلت فأيداني في موقفي، واتصل الملك عبدالله بالرئيس فؤاد السنيورة وطمأنه وأبدى له تأييده الكامل.

***
للقاء نصرلله كنت أركب في سيارة مظللة بالكامل، تذهب السيارة إلى كاراج تحت بناية في الضاحية الجنوبية، وهناك أغيّر السيارة، ثم نتجه إلى كاراج بناية ثانية، وأغير السيارة مجددا، واتجه إلى البناية موقع الموعد، أنزل في كاراجها تحت الأرض ثم استقل المصعد إلى الدور الذي سألتقي فيه نصرالله.

كنا نعتقد، وكذلك حلفاؤنا اللبنانيون، أن “حزب الله” ليس إيرانياً تمامًا، بل له بعد لبناني وعربي يجعلنا نقف معاً وجميعا على أرضية مشتركة أياً تكن مساحتها، لكن بعد اغتيال الرئيس الحريري وحرب تموز وأحداث أيار بالذات اكتشفنا أن “حزب الله” ليس حليفاً لإيران في لبنان، بل هو إيران نفسها، وربما كان أسوأ ما في إيران، لأنه موكل بالسيطرة على لبنان والتسلط على إرادته وأهله، وموكل بخلخلة المجتمعات العربية وتدميرها.

لفتُّ نظر نصرالله إلى أن الناس في العالمين العربي والإسلامي – بما في ذلك الشعب الإيراني- يتطلعون للتعلم في الغرب، وللعلاج في الغرب، ولاقتناء منتجات الغرب من أجل الجودة والرفاهية

وللتاريخ، قبل انكشاف دور الحزب في اغتيال الرئيس الحريري، رتّبتُ زيارات إلى المملكة لمسؤولين في “حزب الله”، منهم نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وأسمَعَتهم المملكة كلاماً واضحاً: لا أحد يريد إحراق لبنان، لا أحد يريد إلغاء الآخر، سلموا سلاحكم إلى للدولة وانخرطوا في الحياة السياسية بشكل طبيعي – تحرسه صناديق الاقتراع – وأنتم تقدمون الهوية اللبنانية والعربية على الإنتماء الإيراني.
لكننا لم نجد استجابة.
وفي أحد لقاءاتي مع حسن نصر الله سألته: “ما الذي يجمعكم مع السوريين، وخصوصا أن حافظ الأسد إذا التقى أي شخص يتحدث لمدة ساعتين عن بني أمية وأمجادهم ويقول إنكم أعداء لهم؟”. فكان رد نصر الله أن “لا شيء يجمعنا بالسوريين سوى شيء واحد، فالبحر من غربنا ومن الجنوب إسرائيل، ومن الشرق سورية، وأي دعم من إيران لا يمكن أن يصل إلينا إلا عبر سورية، ولهذا نحن لا نحتك بهم رغم أننا نحاول دائما أن نكون معهم”.
وبعد الاشتباكات العنيفة التي حدثت في الحرب الأهلية بين “الحزب” و”حركة أمل” وطلب رئيس الحركة نبيه بري التدخل، تبلغ اللواء غازي كنعان بأن عليه التحدث مع نصر الله، الذي رفض – كما قال لي – وقف الاشتباكات، بحجة أنه لا يمكن أن يكون هناك حزبان شيعيان، فنصحه كنعان بأن يوقف الاشتباك، ومن جديد رد نصر الله أنه يقدّر الرئيس حافظ الأسد، لكنه لن يوقفها. وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات جاء أفراد من “الحزب” وقالوا إن هناك شاحنة جاءت وتحمل رسالة من كنعان وبري، وعندما فتحنا صندوق الشاحنة وجدنا 30 جثة تقريباً من المقاتلين من حزبنا. وهنا أوقفت الاشتباكات، قال نصرالله.

وفي لقاء آخر قال لي: “إنكم أيها العرب جربتم الإنكليز والفرنسيين والأميركيين فلماذا لا تجربون اتباع إيران؟”، فأجبته: “المملكة لم تخضع للاستعمار مثل سائر دول المنطقة، وهي عاصمة الإسلام وعاصمة الاقتصاد والنفط وعضو في “مجموعة العشرين”، والمفترض أن
الضعيف هو من يتبع القوي وبالتالي على إيران أن تكون تابعة للسعودية”.

وقد لفتُّ نظر نصرالله إلى أن الناس في العالمين العربي والإسلامي – بما في ذلك الشعب الإيراني- يتطلعون للتعلم في الغرب، وللعلاج في الغرب، ولاقتناء منتجات الغرب من أجل الجودة والرفاهية، لكن لا أحد يفكر في التعلم في طهران أو العلاج فيها أو اقتناء منتجاتها باستثناء أهل الميليشيات.

لمدة طويلة كنت أجتمع مع حسن نصرالله بالساعات، ولم أطلب منه طلباً إلا أجابه. في انتخابات 2005، تحالف “الحزب” مع وليد جنبلاط وسعد الحريري و”القوات اللبنانية” في دائرة بعبدا – عاليه (…) والطريف في هذه الدائرة، أنه رغم التحالف المعلن بين الأفرقاء، تأخر إعلان اللائحة، ويعود ذلك إلى أن السيدة ستريدا جعجع كان المفترض أن تحضر الاحتفال بإعلانها في الضاحية، ولا أعرف هل كانت هذه فكرتها أو فكرة حلفائها، لكن حسن نصرالله قال للحريري وجنبلاط إنه بحاجة إلى وقت كي يشاور رفاقه في الحزب، وبعد ذلك بيومين قال نصرالله لهما: “لا أستطيع استقبال ستريدا في الضاحية”.

لقاءاتي الطويلة ونصرالله أتاحت لي معرفة بعض آرائه في الشخصيات اللبنانية:
علاقته مع رفيق الحريري ظاهرها الصداقة والود، وباطنها الحذر والتوجس، قال لي بالحرف: “رفيق الحريري وقّع وثيقة إعدامه حين أمر بنزع سلاح المقاومة سنة 1993، ومن حسن الحظ أن قائد الجيش وقتها إميل لحود لم يتجاوب معه”.
علاقته الحقيقية بوليد جنبلاط يمكن اختصارها بهذه الجملة: “بيضة القبان التي لا يمكن الوثوق بها، لذلك يجب أن يظلّ مخنوقاً على الدوام”.
علاقته بالرئيس نبيه بري أيضا يمكن اختصارها في كلامه: “لا يمكن أن أستغني عن نبيه بري، لكنني – أيضا – لا يمكن أن أنسى أنّه خلال الحرب الأهلية أرسل إليّ شاحنة معبأة بجثث رجالي”.

مواضيع ذات صلة