مسعود سرعلي
ما إن يصلك خبر محاولة فتح الطريق في ساحة الشهداء في وسط بيروت، حتى تتكاثر الأسئلة والهواجس. لكنك تتيقن في النهاية أنها ساحة الحرية، التي لم تتغير منذ عقود ولن تتغير بعد سنوات. تتعثر ثم تنهض من جديد. لكن هذا العام بدا مغايراً على صعيد الساحات، إذ أصبح في ذهن اللبنانيات واللبنانيين ساحة جديدة، يسألون عنها دوماً: إنها ساحة النور في طرابلس.
مع انتشار خبر فتح الساحات، بعد مرور مئة يوم على ثورة 17 تشرين، دبّ الخوف في صفوف المنتفضين، ومنهم من راح يسأل عن هذه الساحة المعروفة أيضا بساحة عبد الحميد كرامي، بالتزامن مع انتشار العديد من الفيديوهات التي تظهر أن الساحة بدأت تخلو من مرتاديها، فيما أثار فيديو لإزالة بعض الدعائم الحديدية الذعر.
إقرأ أيضاً: شهيد طرابلس: رصاص وجرثومة غريبة
وفي حين تبين لاحقاً أنّ صاحبها أراد استرجاعها فقط، بدا واضحاً خلال الفترة الأخيرة وجود تململ لدى أصحاب المصالح في الساحة ومحيطها بسبب إقفالها، لكنهم يلقون اللوم على السلطة التي لم تحقق أياً من مطالب الناس منذ بدء الاعتصامات.
محمد شوك، المسؤول عن مجموعة “حراس المدينة” التي سطع نجمها منذ اليوم الأول للثورة، يقول لـ”أساس” إنّ “اقتراحات عدّة انتشرت بين الناس وعلى وسائل التواصل الإجتماعي لفتح الساحة نهاراً وإغلاقها ليلاً، لكنّ هذه “الاقتراحات رفضتها مجموعات الثورة”، وأرجعت السبب إلى “عدم القدرة على فتح الساحة وإغلاقها ببلوكات الباطون وغيرها، ثم نقلها بشكل يومي”.
ويضيف شوك، المعروف بين سكان طرابلس بـ”أبو محمود”، أنّ “البلدية لا تتكلم معنا في هذا الموضوع، وهي داعمة للثورة منذ اليوم الأول”، مؤكداً أنّ فتح الساحة “يعني إعدام الثورة، لأنها مرتبطة برمزية ساحة النور، وعندما تُفتح هذه الساحة ستفتح كل الساحات”.
حركة الثوّار في ساحة النور انخفضت وتيرتها مقارنة بالسابق، والسبب وفق “شوك” يعود إلى أسباب عدة، أبرزها توقف إضرابات المدارس، وانتهاء حالة الإضراب العام، التي فرضتها الاحتجاجات في المصارف والإدارات العامة في المدينة لفترة طويلة.
عدد المحال والمؤسسات التجارية في الساحة ليس “كبيراً” كما يتخيل المرء، فغالبيتها تعود إلى مصارف مقرّها الساحة
وتشير المعلومات الميدانية إلى وجود محاولات من جانب بعض الأمنيين، للتفاوض مع المعتصمين في الساحة، تمهيداً لفتحها في النهار وفي الأيام التي تشهد تحركات “خفيفة”.
إلا أن المحاولات مع ناشطين ميدانيين كلها باءت بالفشل: “لن نفتح الساحة”، كان جواب المجموعات.
يوضح أحدهم أنّ هذه المحاولات ليست جديدة، بل تعود إلى أكثر من شهر، عندما “سُئلنا من جانب الأمنيين عن الوسيلة المناسبة لفتح ساحة النور، فكان الردّ أنه لا مجال لفتحها أبداً”.
الثوار، استناداً إلى الناشط الذي التقيناه، قالوا للضباط الأمنيين: “لن تُفتح الساحة إلا على جثثنا. نحن لا نتواجه مع القوى الأمنية، لكننا مستعدون لحماية الثورة وتلقي الضربات إلى حين انسحاب آخر ثائر من الساحة”.
عدد المحال والمؤسسات التجارية في الساحة ليس “كبيراً” كما يتخيل المرء، فغالبيتها تعود إلى مصارف مقرّها الساحة، ولذلك فإن “الحلّ سيكون بفتح هذه المؤسسات على اختلافها نهاراً، أما الوصول إليها فسيكون سيراً على الأقدام، بسبب وجود استحالة لوجستية بفتح الساحة نهاراً وإغلاقها ليلاً”، كما يقول عضو بلدية طرابلس شادي نشابة.
ويشير إلى وجود نية لتنظيم الأكشاك التي فتحت داخل الساحة بشكل عشوائي، لافتاً إلى أنّ البلدية “تدرس كيفية معالجة الموضوع، لكن الأمر لا علاقة له بالثورة، بل هو بحث عن حلّ لا يؤذي الناس المتضرّرة أصلاً من الوضع الاقتصادي”.
يؤكد نشابة أنّ لا قرار رسمياً من البلدية بفتح الساحة، بل “على العكس، فهي شاركت في نشاطات داخلها”، نافياً حتّى بحث الأمر داخل المجلس البلدي.
وعن تصريحات بعض أعضاء البلدية عن فتح الساحة جزئياً، يقول نشابة إنها “آراء شخصية بُنيت على مواقف بعض الناس”، كاشفاً عن “وجود تمنٍّ من جانب محافظ طرابلس رمزي نهرا بفتح الساحة، لكنّ التواصل مقطوع أصلاً بينه وبين البلدية”. بالإضافة إلى أن هذا التمني قوبل بالرفض من قبل الثائرين المستمرين بمعركة مفتوحة مع المحافظ “حتى إقالته”، على حد قول بعضهم.
تستكمل جولتك في ساحة النور، تمرّ على الخيم وتشاهدها تكبر أكثر فأكثر، وتزداد فيها النشاطات، فتتيقن أنّ القضية في طرابلس ليست مجرّد ثورة. إنّها أسلوب حياة هنا. أسلوب لن يتوقف ما لم تتوقف هذه الحياة البائسة التي يعيشها أغلبية أبناء الفيحاء.
لكن ذلك لا يعني أنّ محاولات “إعدام” الساحة لن تتكرر. الأكيد أن الهدف ما يزال فضّ ساحة النور لأنها باتت تعني الكثير للطرابلسيين وكل اللبنانيين، والأكيد أيضاً أنّ من كان “ساكتاً” لفترة طويلة، إنتفض اليوم محوّلاً حياته إلى ثورة لن تهدأ.