قبل أيام، كشفت “الدولية للمعلومات” أن عدداً من المواطنين غادر الأراضي اللبنانية كالعادة، لكن جزءاً قياسياً منهم هذه السنة لم يعد. هذا الأمر يفترض بديهياً أن هؤلاء إما يملكون جنسيات أخرى وهم على الأرجح أقلية، أو هم طلاب جامعات يقصدون دولاً غربية في سبيل العلم، أو غادروا بهدف البقاء في الخارج من أجل اللجوء، وهو السبب الأكثر ترجيحاً.
تقول “الدولية للمعلومات” منذ منتصف كانون الثاني وحتى منتصف تشرين الثاني من العام الحالي، وصل عدد اللبنانيين الذين غادروا الأراضي اللبنانية ولم يعودوا إلى 61,924 لبنانياً مقارنة بــ 41,766 لبنانياً خلال الفترة ذاتها من العام 2018. أي بزيادة 20,158 أو ما نسبته 42%، وهم ليسوا طلاباً طبعاً وإنما أناس كفروا بالوطن وقرروا الرحيل.
دول كثيرة مثل كندا وألمانيا واستراليا وسويد والنرويج ما زالت تقفل أبواب الهجرة بوجه اللبنانيين، لكنها تسهّل الأمر للسوريين والعراقيين باعتبار أن هاتين الدولين تشهدان صدامات مسلحة وأعمال تخريب وإرهاب، بعكس الثورة “البيضاء” التي يشهدها لبنان، حتى اللحظة أقله. تظاهرات عامرة بالأغاني الفنية والأناشيد الثورية ومشهديات راقصة في أغلب الساحات، يتخللها قليل من الشغب والمواجهات المتفرقة مع القوى الأمينة حين يلجأ المتظاهرون إلى التصعيد من خلال قطع الطرقات. في المحصلة يحافظ المشهد العام على الكثير من الهدوء، ويبدو أن ذلك يحول دون منح اللبنانيين حق اللجوء بحجة المشاكل الأمنية أو ما يشبهها من ظروف قاهرة. وهذا ما يعني بدوره أنّ هذه الأعداد التي تهاجر ستبقى أوضاعها معلقة في الدول التي قصدتها.
الهدوء يحول دون منح اللبنانيين حق اللجوء بحجة المشاكل الأمنية أو ما يشبهها من ظروف قاهرة
عدد كبير من اللبنانيين في كندا ينتظرون حصولهم على حق اللجوء، ولا يبدو أن السلطات الكندية تتساهل معهم في ذلك. سامي، وهو اسم مستعار بالطبع، لبناني فقد عمله بمجال الحراسة بواحدة من المؤسسات التابعة لأحد السياسيين اللبنانيين، سافر قبل 4 سنوات إلى مدينة مونتريال بواسطة سمة سياحية، لزيارة شقيقته. تقدم خلال وجوده هناك بطلب لجوء بحجة تعرضه إلى تهديد من “ميليشيا حزب الله”. لم تقتنع السلطات الكندية بذلك لكنها سمحت له بالبقاء طوال مدة صلاحية الفيزا (أربع سنوات) وأعطته الإذن بالعمل والقيادة لكنها لم تمنحه حق اللجوء طوال تلك المدة. ورفضت طلبه الثاني قبل أسابيع من دون أي اعتبار للوضع السياسي السائد في لبنان، أو للتظاهرات الحاصلة.
محمد، اسم مستعار أيضاً، هو لبناني آخر أرسل عائلته إلى كندا قبل أيام بغرض زيارة ابنه البكر المقيم هناك، وهو ينوي اللحاق بالعائلة قبل نهاية هذا الشهر ليتقدم بطلب لجوء أيضاً تحت حجج تتعلّق باندلاع الثورة و”التهديد الأمني”، لكن لا نتائج مضمونة حول قبول طلبه. يقول محمد: “سأجرّب حظي فلا أملك ما أخسره بعد أن فقدت عملي قبل نحو شهر بفعل الأزمة”.
أما ماجدة التي ترفض الكشف عن كامل شخصيتها حرصاً على نجاح ما تخطط له، فتحضّر جوازات السفر لتسافر برفقة أولادها الأربعة إلى واحدة من الدول الأوروبية، على أن يبقى زوجها في لبنان لضرورات عمله. تخطط ماجدة للتقدم بطلب لجوء في دولة أوروبية أخرى، بخلاف تلك التي ستقصدها بغرض “السياحة”. الحجة ستكون “اختفاء” زوجها خلال التظاهرات، ولا شيء مضمون أيضاً. تراهن ماجدة على “ضربة الحظ” حسبما تقول، وعلى قدرة أقربائها هناك على احتضانها.
صحيفة “الكومبس” الالكترونية السويدية الناطقة باللغة العربية، نقلت في تقرير نشرته أمس، عن عدد كبير من اللاجئين اللبنانيين أن “مصلحة الهجرة السويدية ترفض طلبات لجوء هؤلاء على الرغم مما يقدمونه من أسباب ووثائق وإثباتات يعتبرونها كافية في الحصول على حق الإقامة”، عارضة حالات عدد منهم بالأسماء والصور.
ضعف الدولة أفقد اللبنانيين الأمل بتحسن الأوضاع
نقلت الصحيفة أيضاً، عن محامي متخصص في قضايا اللجوء والهجرة، أنّ تقييم مصلحة الهجرة لقضايا اللاجئين اللبنانيين “سيّء جداً”، لأن الاحتجاجات المستمرة في لبنان “لم تؤدّ إلى سقوط قتلى، أو وقوع إصابات خطيرة على غرار ما يجري في بعض الدول العربية الأخرى”. يكشف هذا المحامي أيضاً أن وسائل الإعلام العالمية لم تنفك تنقل مشاهد رقص اللبنانيين وتناولهم وجبات الطعام خلال المظاهرات، وهذا “أعطى انطباعاً مفاده أن اللبنانيين خرجوا احتجاجاً على الأوضاع الجارية في بلادهم بصورة لا ترقى إلى مستوى الأزمات السياسية التي تمثل خطراً على حياتهم”.
ما سبق ذكره هو نماذج عن لبنانيين أوصلهم ضعف الدولة وفقدهم الأمل بتحسن الأوضاع، إلى هذا الدرك من الذلّ. يفرّ اللبنانيون من وطنهم لأسباب إنسانية أو أمنية راكضين وراء طلب اللجوء أو الهجرة غير المتوفرتين حتى اللحظة في دول غربية كثيرة. فالغرب ينتظر الدم على ما يبدو ليستأنف العمل بقوانينه الخاصة باللجوء وبالهجرة.