كانت مؤشّرات الاستقرار والازدهار في المنطقة وفي العالم تراوح من دخل الفرد وصولاً إلى العدالة الاجتماعية، لكن بعد وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، بات الشماغ السعوديّ أحد أهمّ هذه المؤشّرات بلا منازع. فكلّما رأينا دولة تدخلها السعوديّة، ندرك أنّها سلكت سُلّم النهوض ودرب الخلاص.
ليس عابراً ولا عاديّاً أن تعود الرياض إلى دمشق بهذا الزخم الكبير بعد غياب طويل. فالصورة الاستثنائية في منتدى الاستثمار المشترك تجاوزت الحدث بحدّ ذاته، وصارت العنوان السياسي العريض الذي يتصدّى لكلّ الأوهام التي تقوم على أفكار التقسيم أو الانفصال، أو إدخال سوريا في طبقات مركّبة من الفشل والتخبّط والانهيار. فالاحتضان السعوديّ الواسع وغير المسبوق هو الوصفة السحريّة ليس لازدهار اقتصاديّ وحسب، بل لاستقرار متجذّر ومستدام.
وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان وجّه على نحو عاجل بتأسيس مجلس أعمال مشترك بين البلدين، على أن تكون عضويّة ورئاسة هذا المجلس على أعلى المستويات، وهذا تماماً ما تُرجم في دمشق. إذ شهد المنتدى حضور أكثر من 20 جهة حكومية، إلى جانب أكثر من 100 شركة رائدة من القطاع الخاصّ، منها شركات دولية لها استثمارات ممتدّة عبر القارّات، وهذه الشركات بصدد دخول السوق السوريّة في مجالات حيويّة عدّة.
دخولٌ من الباب العريض
أهميّة هذا التحوّل الكبير أنّه يأتي ردّاً عمليّاً ومباشراً على الأحداث الأمنيّة المتنقّلة التي بدأت في الساحل السوري، ثمّ انتقلت إلى قلب دمشق مع تفجير كنيسة مار إلياس، ووصلت أخيراً إلى منطقة السويداء وجبل العرب. وهذه الأحداث كلّها تصبّ في خانة واحدة، وهي إضعاف النظام الوليد، وتبديد قدرته على الحكم، وإدخال سوريا برمّتها في مرحلة الفوضى الشاملة عبر تسعير الاشتباكات الأهليّة بين المكوّنات المذهبية والطائفية والقومية والعرقية، تمهيداً للخراب الكبير.
اليوم، وبعد خلع النظام البائد وهروب قادته، تعود سوريا تدريجياً إلى مكانها الطبيعي، قلباً نابضاً للعرب والعروبة
المملكة كان لها رأي مختلف. قالت إنّ سلامة سوريا تعني سلامة العرب أجمعين. وإنّ استقرارها وازدهارها ووحدة أراضيها هي المقدّمة الفعليّة لاستقرار المنطقة برمّتها. ولذلك كان دخولها على خطّ الأزمة من الباب العريض، حيث تحوّل الاهتمام السعودي من المواكبة والمتابعة إلى الاحتضان الكامل، وذلك بعد قطيعة طويلة استمرّت لعقدين كاملين.
عام 2005، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حاولت القيادة السعودية احتضان سوريا وإعادتها إلى مكانها الطبيعي، لكنّ تعنّت النظام السابق ورئيسه أودى بالعلاقات إلى ما يشبه القطيعة الكاملة، ثمّ حاولت المملكة وصل ما انقطع عبر مباحثات السين سين، حرصاً على سوريا وعلى دورها وحضورها، لتعود وتصطدم مجدّداً بالمناورة والمراوغة والكذب. وهذا ما دفعها مراراً للابتعاد، على الرغم من المحاولات المستمرّة قبل الثورة وبعدها، التي اصطدمت جميعها بذهنيّة نافرة ومنفّرة، لامست حدود انتقال سوريا من خانة الشقيق والصديق، إلى ميادين العداوة والتآمر.

اليوم، وبعد خلع النظام البائد وهروب قادته، تعود سوريا تدريجياً إلى مكانها الطبيعي، قلباً نابضاً للعرب والعروبة، وامتداداً للاستقرار والحكمة والهدوء، ودولةً طبيعيةً في جغرافيتها وفي ديمغرافيتها وفي محيطها. وهذا تماماً ما تحرص عليه المملكة وتدعمه وتسانده، انطلاقاً من إدراكها لأهمّية سوريا في معادلات المنطقة، ومن رغبتها العميقة بخلاصها وخلاص شعبها بعد عقود طويلة من العبث والجنون.
دمشق سبقتنا إلى الطمأنينة
مع تصدير الثورة الإيرانية إلى عواصم وحواضر العرب، عمّ الخراب ودخلت المنطقة برمّتها في تخبّط وانهيار متدحرج. خرجت الرياض وأخواتها من بيروت ومن دمشق ومن بغداد ومن صنعاء، وحلّ مكانها شذّاذ الآفاق الذين حوّلوا هذه العواصم من أيقونات إلى خردة، تحت شعارات واهية ما أنتجت سوى المزيد من الموت والكراهية وحمّامات الدم.
دخلت سوريا رسميّاً مرحلة الاستقرار الطويل برعاية واحتضان سعوديَّين كبيرين. هذا هو العنوان الرئيسي والوحيد
عودة الرياض إلى هذه العواصم هو الوجه المقابل لتلك الظلمة التي أدخلت فيها عنوة على مدى عقود، وعودة السعوديّين بزيّهم وشماغهم ومشاريعهم وحرصهم ومحبّتهم هو دليل صحّة ودليل عافية. فحين يدخلون بلداً أو عاصمة، فإنّما يبلورون صورة ملوّنة عن مستقبل مشرق، وحين يغيب طيفهم، ينبعث القلق، ويعمّ الظلام.
ما عادت المملكة لاعباً عاديّاً، ولا دولةً تبحث عن بناء نفوذ ناعم أو خشن. بل صارت صنو الاستقرار. كلّما حطّت في بلد رفعته إلى مصافّ البلاد المحترمة. وكلّما ابتعدت ساورتنا المخاوف والشكوك. هكذا هي حالنا في بيروت المنهكة التي تنتظر ربيعها. وهكذا هو الحال في دمشق التي سبقتنا إلى الطمأنينة.
إقرأ أيضاً: إنزال سعوديّ اقتصاديّ – سياسيّ في دمشق
دخلت سوريا رسميّاً مرحلة الاستقرار الطويل برعاية واحتضان سعوديَّين كبيرين. هذا هو العنوان الرئيسي والوحيد، وكلّ ما دون ذلك وهمٌ أو سرابٌ وحسب.
لمتابعة الكاتب على X:
