كيف لمجرم حرب أن يُمنح جائزة سلام؟

مدة القراءة 5 د

قدّم رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلباً رسمياً باسم حكومته إلى لجنة جائزة نوبل للسلام يطلب فيه منح الجائزة هذا العام إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتباهى في تقديم نسخة عن هذا الطلب إلى الرئيس ترامب نفسه.

 

في هذا الطلب إشكاليّات عدّة، خصوصاً أنّ نتنياهو أعلن أنّه قدّم الطلب ليس فقط باسم اسرائيل، بل باسم اليهود في العالم جميعاً:

1- نتنياهو متّهم أمام القضاء الإسرائيلي بسوء الأمانة والرشوة والتزوير والكذب. وتقول الدراسات الإحصائيّة التي نُشرت في الإعلام الإسرائيلي إنّ 70 في المئة من الإسرائيليين يعارضون استمراره على رأس الحكومة. ولذلك يتهرّب من المحاكمة بالتوغّل في الحرب.

2- دانت منظّمات يهوديّة في العديد من الدول سياسة نتنياهو التي تميّزت بجرائم ضدّ الإنسانية في غزّة والضفّة الغربية، ورفع حاخامات يهود في أوروبا والولايات المتّحدة أصواتهم عالياً ضدّ الجرائم التي ارتكبتها قوّاته ولا تزال. ولذلك لا يتمتّع بالصدقيّة ليتحدّث باسم يهود العالم ولا حتّى باسم الإسرائيليين جميعاً.

هذا من حيث الشكل، وأمّا من حيث الجوهر فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يحقّ لمتّهم أو لمرتكب جريمة الإبادة الجماعية في غزّة، قتلاً وتدميراً وتجويعاً وتهجيراً، الذي أدانته المجتمعات المختلفة في العالم، وقامت التظاهرات المستنكِرة لجرائمه الوحشيّة ضدّ الإنسانية في الولايات المتّحدة وبريطانيا وأوروبا، وفي العديد من الدول الأخرى في آسيا وإفريقيا… هل يحقّ لمتّهم بارتكاب هذه الجرائم ضدّ الإنسانية أن يرشّح شخصاً ما للحصول على جائزة نوبل للسلام؟

هل يصحّ ترشيح رئيس دولة (دونالد ترامب) كان شريكاً لنتنياهو في ارتكاب جرائمه ضدّ الإنسانية في غزّة من خلال مدّه بالذخيرة والسلاح والتغطية السياسية في الأمم المتّحدة (الفيتو الأميركي لتعطيل أيّ مشروع بالإدانة)، ومن خلال المشاركة في عمليّاته العسكرية المدمّرة (قصف إيران مثلاً)؟

قدّم رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلباً رسمياً باسم حكومته إلى لجنة جائزة نوبل للسلام يطلب فيه منح الجائزة هذا العام إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب

أين قيمة الجائزة؟

من هنا السؤال: ماذا يبقى من قيمة معنوية لجائزة نوبل للسلام إذا مُنحت فعلاً بناء على طلب رئيس حكومة متّهم أو مُدان عالميّاً بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية إلى رئيس متّهم بتغطية هذه الجرائم والمساعدة على ارتكابها؟

لو أنّ العالِم السويدي ألفرد نوبل يُبعث حيّاً من قبره لمزّق الطلب الذي تقدّم به نتنياهو إلى لجنة الجائزة.

تقدّم مؤسّسة “نوبل” جوائز تقديرية في الطبّ والعلوم والآداب. وتبني اللجان المتخصّصة قراراتها بتسمية الفائز والفائزين على قواعد علميّة وفنّية دقيقة. وحدها جائزة نوبل للسلام يقوم القرار بشأنها على قواعد أخلاقية وإنسانية. فأين نتنياهو وحتّى ترامب من هذه القواعد؟

من المعروف أنّ نتنياهو مطلوب أمام المحكمة الدولية لاتّهامه بأنّه مجرم حرب. فبأيّ منطق يمنح هذا المتّهم نفسه شرعيّة ترشيح رئيس دولة كبرى كالولايات المتّحدة للحصول على جائزة ترمز إلى السلام بين الشعوب والدول؟

تفرض هذه الأسئلة ذاتها (أمام) على اللجنة الخاصّة بالنظر في طلبات الترشيح. وهذه مهمّة دقيقة حتّى في الظروف العاديّة بما في ذلك جوائز العلوم والآداب.

هناك سوابق حول هذا الموضوع، فقد تعرّضت لجنة الآداب الإنسانية مثلاً لحملات انتقاد واسعة النطاق عندما منحت الجائزة إلى الشاعر الفرنسي (المغمور) “سولي برودوم” (وهو شاعر لا يزال مغموراً حتّى اليوم) وحجبتها عن أدباء عالميّين كبار كانوا يستحقّونها أمثال “ليو تولستوي” (الأديب الروسيّ الكبير) أو “مارسال بروست” أو “فرجينيا وولف”، وهم من أبرز أدباء العالم.

التّقوقع الأوروبيّ والأميركيّ

تقوقعت الجائزة التي يُفترض أن تكون عالمية، أوروبيّاً وأميركيّاً، فمن بين 120 فائزاً، كانت حصّة الولايات المتّحدة وأوروبا وحدهما أكثر من مئة. وحصل أدباء العالم كلّه على البقيّة الباقية!

تبيّن هذه الخلفيّة أنّ هناك ميلاً أو تحيّزاً إلى الغرب الأوروبي – الأميركي. وأكثر ما يكون هذا التحيّز واضحاً في جائزة السلام.

في هذا الطلب إشكاليّات عدّة، خصوصاً أنّ نتنياهو أعلن أنّه قدّم الطلب ليس فقط باسم اسرائيل، بل باسم اليهود في العالم جميعاً

من هنا، ليس مفاجئاً أن توافق اللجنة على منح الجائزة هذا العام للرئيس الأميركي ترامب، لكنّ المفاجأة أن تقبل طلب الترشيح من الرئيس الإسرائيلي نتنياهو!

لقد سبق أن مُنحت جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. مع ذلك حمل الجائزة من استوكهولم إلى واشنطن، وفي اليوم التالي أرسل إلى أفغانستان وحدات عسكرية جديدة لقتال الأفغان… وقد اضطرّت هذه القوّات إلى الانسحاب في عهد خلَفه الرئيس جو بايدن بطريقة مذلّة تذكّر بما حدث للقوّات الأميركية في فيتنام أثناء الانسحاب المهين أيضاً.

إقرأ أيضاً: الدّين في صناعة شرق أوسط جديد

تشرشل: جائزة الأدب وليس السّلام

عندما منحت لجنة مؤسّسة نوبل جائزتها إلى الرئيس البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، لم تفعل ذلك تقديراً لدوره في الحرب العالمية الثانية، لكنّها منحته الجائزة لكتاب (من عدّة أجزاء) يروي فيه قصّة الحرب وخلفيّاتها. وكانت جائزة نوبل للآداب وليس للسلام، خلافاً لما اعتقد الكثيرون خطأ.

تتمتّع جائزة نوبل للسلام بشيء من القداسة الإنسانية. ولكن عندما يتقاذفها نتنياهو وترامب تفقد هذه القداسة.

مواضيع ذات صلة

من يستدرج لبنان للعداء مع سوريا؟

تعاملت دول جوار سوريا مع تحوّلاتها بشكل متفاوت. لكنّها أجادت التموضع بدقّة ووضوح وثبات. بقي لبنان منذ ذلك الحدث قبل عام، منقسماً، متصدّعاً على المستوى…

الأزمة السّوريّة داخل السّجون اللّبنانيّة تتصاعد

بعد أسابيع على زيارة نائب رئيس الحكومة طارق متري لدمشق، ولقاء رئيس الحكومة نوّاف سلام بالرئيس السوريّ أحمد الشرع على هامش منتدى الدوحة، زار الأربعاء…

سيمون كرم يخلُف نعيم قاسم

لا يختلف اثنان على أنّ تعيين سيمون كرم، الدبلوماسيّ/المدنيّ، على رأس لجنة “الميكانيزم” المكلَّفة بالتفاوض مع إسرائيل، أوقف تدحرج “الحرب الشاملة” التي كانت إسرائيل تهدّد…

تكامل خليجيّ مُتصاعد… ورسائل وازنة لثلاثة جيران

لم تكن القمّة الخليجيّة الأخيرة عاديّة أو استثنائيّة. يُمكن القول إنّها بينهما، توقيتاً ومضموناً. تبني دول مجلس التعاون الستّ (السعوديّة والإمارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين)…