لقاء جنيف: بداية المسار السّياسيّ؟

مدة القراءة 5 د

بدأت العمليّات العسكرية بمبادرة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، وحرصت أميركا على تبرئة نفسها منها. وعلى الرغم من عدم صدقيّة مزاعم إسرائيل أنّها قامت بالعملية دون انتظار ضوء أميركي، إلا أنّ حرباً على هذا المستوى لا بدّ أن تتطلّب تدخّلاً أميركيّاً مباشراً، إن لم يكن من بداياتها المبكرة ففي مرحلةٍ متأخّرة.

 

 

في الأسبوع الأوّل الذي انقضى، أظهرت العمليّات العسكرية المتبادلة مساراً يشبه على نحوٍ ما مسار الحرب على غزّة، منذ قرّرت إسرائيل دخولها بكامل طاقاتها العسكرية، واتّخذت الإدارة الأميركية حينها موقفاً مزدوجاً، إذ وافقت على أهداف الحرب وقدّمت كلّ ما يلزم لتحقيقها، وبالمقابل دعمت بل وشاركت في جهود الوساطة إلى جانب مصر وقطر.

غير أنّ الموقف الأساسيّ كان التفاوض مع “حماس” تحت النار، وقد جرى تمويه هذا الموقف بتصريحاتٍ واقتراحاتٍ ومبادراتٍ لوقف النار فشلت جميعها.

سقطت الإدارة الديمقراطية فورثت الإدارة الجمهوريّة موقفها الأساسي مع تعديلاتٍ خاليةٍ من التمويه، إذ واصلت علاقتها بالوساطة، لكنّها تبنّت قولاً وفعلاً منطق التفاوض تحت النار، وما تزال ماضيةً فيه حتّى يومنا هذا.

بدأت العمليّات العسكرية بمبادرة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي، وحرصت أميركا على تبرئة نفسها منها

عوامل ضغط

في الأسبوع الثاني، دخل الاتّحاد الأوروبي على خطّ الحرب واقترح أقطابه لقاءً في جنيف مع الإيرانيّين. وعلى الرغم من تفاوت النبرة في التعبير عن المواقف تجاه إسرائيل، إلّا أنّ ما يتعيّن على الإيرانيين الانتباه له هو الإجماع الأوروبي المتبلور في الموقف من المشروع النووي الإيراني، ومفاده عدم السماح لإيران بإنتاج قنبلة نووية، لا سيما مع ظهور موقف ألماني مباشر يتبنّى الحرب الإسرائيلية من خلال تصريحات مستشارها ميرتس، الذي قال صراحةً إنّ إسرائيل تؤدّي الدور القذر بالنيابة عنّا، ومع رفع القيود عن توريد أسلحة لإسرائيل.

قاعدة المثلّث الأوروبي الإسرائيلي الأميركي جسّدها التصريح الأخير للرئيس ترامب بأنّ الموقف من التدخّل المباشر أو عدمه سوف يُتّخذ خلال الأسبوعين المقبلين، وهذا يُفهم منه أنّ الرئيس الأميركي الذي طلب قبل أيّامٍ قليلةٍ إخلاء طهران من سكّانها في إيحاءٍ مباشرٍ بضربها، يمنح للجهد الأوروبي مساحةً ووقتاً لتحقيق الأهداف المشتركة، وأساسها تفكيك المشروع النووي الإيراني، من دون إزالة التدخّل العسكري المباشر عن الطاولة بما هو عامل ضغطٍ أكثر منه عملاً حتميّ التنفيذ حتّى الآن.

ليست إسرائيل سعيدة بالدخول الأوروبي على الخطّ، حتّى لو كان متّفِقاً مع أهداف الحرب المحدّدة أوروبيّاً بتفكيك المشروعين النووي والبالستي، فهي تعمل على توريط الجميع، وعلى رأسهم أميركا، في ما هو أبعد من ذلك بكثير، ويصل حدّ الإطاحة بالنظام الإيراني وتدمير مرتكزات القوّة الإيرانية، بحيث لا تقوم لها قائمة إلى ما لا نهاية.

في الأسبوع الثاني يعقد لقاء جنيف المقترح، الذي يُفترض أن يجسّد بداية الجهد السياسي المترافق مع الحرب التي تدخل فيها إيران الجريحة اختباراً مصيريّاً، وهي داخل شبكة قوىً أميركية أطلسية إسرائيلية… إسرائيل تضرب بطاقتها القصوى، وأميركا تهدّد بقدراتها العملاقة من خلف الباب، وأوروبا الناعمة صاحبة اللغة المغلّفة بالتوازن تؤدّي دور الشريك في الهدف والوسيط في الوسائل.

ليست إسرائيل سعيدة بالدخول الأوروبي على الخطّ، حتّى لو كان متّفِقاً مع أهداف الحرب المحدّدة أوروبيّاً بتفكيك المشروعين النووي والبالستي

إعادة إيران إلى حدودها

إيران مدعوّة إلى التفاوض من داخل هذه الشبكة، وحين نشبت الحرب، كانت حدود المناورة الإيرانية فيها ضيّقة للغاية، إن لم تكن معدومة، وقدرات توسيع مساحات وأدوات القتال، كتهديدها بضرب القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة، ربّما تكون خسائرها وفق الحسابات الواقعية أفدح من مزاياها، وهو ما يحتّم على القيادة الإيرانية أن تكون أكثر واقعية في قراراتها وخياراتها، وأن تحسب جيّداً ما لديها من قدراتٍ دفاعيةٍ وهجومية، ليس مقارنة مع ما تملكه إسرائيل وحسب، بل ومع أميركا، إضافةً إلى ما يمكن أن يتطوّر إليه موقف دول الناتو سياسيّاً وعسكريّاً.

يحمل اقتراح لقاء الجمعة في جنيف احتمال فرصة لإيران، ليس لمواصلة مشروعها النووي، وإنّما لمواصلة بقائها كياناً مهمّاً وفعّالاً في معادلة القوى الإقليمية والدولية، لكن داخل حدودها. والعالم، سواءٌ مَن يحاربها منه أو يتربّص بها أو ينتظر نتائج الحرب عليها، لا يُجمع فقط على تفكيك مشروعها النووي، وبما في ذلك أقرب أصدقائها، بل يُجمع بالمقابل، وهذا لمصلحتها، على أهمّيتها دولةً وشعباً وموقعاً وإمكانات، لكن خارج نطاق الحكايات القديمة كالقوّة النووية والأذرع واتّساع النفوذ الإمبراطوري الذي ثبت عمليّاً أنّه أكبر بكثير من قدراتها وتطلّعاتها.

إقرأ أيضاً: هل يدمّر نتنياهو النّوويّ بالنّوويّ؟

إيران القويّة والمعافاة داخل حدودها أقوى ألف مرّة من إيران المتمدّدة خارج الحدود بل وخارج المنطقة، فهل يجد أولو الأمر فيها معادلةً توفّر ذلك؟

هذا ما ستظهر مقدّماته في الجمعة الثانية، جمعة بعد اجتماع جنيف وما سيليه من تطوّرات.

مواضيع ذات صلة

مجلس السّلام في غزّة: يمنع انفجاراً… ولا يُحرِّر

لا شيء يشبه غزّة حين تُستعاد في اللغة. هي ليست مساحة على الخريطة بقدر ما هي ذاكرة تتنفّس، وجرح يرفض أن يندمل، وبرقٌ يتردّد في…

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…