عون – سلام: نهاية 50 عاماً من الوصاية

مدة القراءة 5 د

انتصرت سوريا فتغيّر لبنان. تساعد هذه العبارة التي تتألّف من أربع كلمات في فهم ما يجري في لبنان. بدءاً بانتخاب رئيس للجمهوريّة هو العماد جوزف عون، الذي لم يكن مرشّح “الحزب” وإيران كما كانت حال ميشال عون… وصولاً إلى حصول نوّاف سلام على أكثرية نيابية في الاستشارات الملزمة التي أجراها رئيس الجمهوريّة.

كلمة السرّ في لبنان هي “سوريا”. تحرّرت سوريا فتحرّر لبنان. توجد أبعاد عدّة للتغيير السوري الذي يمكن وضعه في مستوى التغيير الذي حصل في العراق في عام 2003. وهو تغيير غيّر التوازن في المنطقة كلّها بعدما سلّمت أميركا بلداً محوريّاً اسمه العراق على صحن من فضّة إلى إيران.

 

 

توجد حاجة إلى بعض الوقت قبل أن يستوعب “الحزب” الواقعين اللبناني والسوري الجديدين ومعنى استعادة الأكثريّة السنّية الحكم في سوريا بعد انقطاع طويل وانعكاس ذلك على لبنان وعلى اللبنانيين والحياة السياسيّة في البلد.

كلمة السرّ في لبنان هي “سوريا”. تحرّرت سوريا فتحرّر لبنان

أمضى لبنان ثلاثة عقود تحت الوصاية السورية المباشرة وعقدين تحت الوصاية الإيرانيّة غير المباشرة، وهي وصاية مارسها “الحزب” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

استمرّ انقطاع السنّة عن حكم سوريا منذ 23 شباط 1966 تاريخ الانقلاب الذي نفّذه الضبّاط العلويون الثلاثة محمّد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد تمهيداً لاحتكار حافظ الأسد السلطة في 16 تشرين الثاني 1970. في شباط 1971، قرّر حافظ الأسد أن يكون أوّل رئيس علوي للجمهورية العربيّة السوريّة. جرؤ على اتّخاذ هذه الخطوة بعد تردّد استمرّ أسابيع عدّة جال خلالها في معظم أنحاء سوريا وحرص على الصلاة في مساجد أهل السنّة.

انتصرت سوريا فتغيّر لبنان. تساعد هذه العبارة التي تتألّف من أربع كلمات في فهم ما يجري في لبنان

محمّد رعد.. وكلمة من الماضي

تحرّرت سوريا من الحكم العلويّ الذي تحوّل مع مرور السنوات وخلافة بشّار الأسد لوالده إلى تابع مباشر لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”. الطبيعي أن يظهر لبنان تحرّره ما إن تطرح مجموعة من النواب والناشطين السياسيين اسم نوّاف سلام ليكون رئيساً لمجلس الوزراء بعد أربعة أيّام من انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة. هذا لا يعني أنّ نجيب ميقاتي لم يُظلم. من الضروري إعطاء الرجل حقّه، لا لشيء إلّا لأنّه كان الوحيد القادر، على رأس حكومة مستقيلة تصرِّف الأعمال، على تمرير إحدى أخطر المراحل في تاريخ لبنان. بل ربّما مرّر المرحلة الأخطر في تاريخ البلد الصغير الذي وجد نفسه في حرب تدميريّة مع إسرائيل لا ناقة له فيها ولا جمل. كانت تلك الحرب حرباً كارثيّة قرّرت “الجمهوريّة الإسلاميّة” افتعالها “إسناداً لغزّة” عن طريق فتح جبهة جنوب لبنان لأسباب خاصّة بها لا أكثر… من دون استشارة أحد.

يبدو أنّ “الحزب” يرفض بشدّة التعاطي مع الواقع. هذا ما يفسّر الكلمة، التي تنتمي إلى الماضي، التي تلاها في قصر بعبدا النائب محمّد رعد رئيس الكتلة النيابية لـ”الحزب”. تكشف الكلمة عجزاً، ليس بعده عجز، عن فهم ما حدث في سوريا ولبنان وانعكاساته. يرفض رعد استيعاب أنّ عهد الوصاية السوريّة بات من الماضي. كذلك عهد الوصاية الإيرانيّة المباشرة الذي بدأ في اليوم الذي اغتيل فيه رفيق الحريري في بيروت يوم الرابع عشر من شباط 2005، أي قبل عشرين عاماً…

تحرّرت سوريا من الحكم العلويّ الذي تحوّل مع مرور السنوات وخلافة بشّار الأسد لوالده إلى تابع مباشر لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”

“الحزب” يرفض أن يقرأ

في ضوء ما حدث في سوريا وبغضّ النظر عن نجاح التجربة السوريّة الجديدة أو فشلها، لا عودة لإيران إلى هذا البلد ولا عودة لها إلى لبنان. لن يعود العلويون إلى حكم سوريا ولن تعود سوريا لاعباً في لبنان. حيث ورّطت الفلسطينيين، في عهد حافظ الأسد، في حروب داخلية لبنانيّة عادت عليهم وعلى اللبنانيين بالمآسي. لم يكن من هدف لهذه الحروب التي افتعلها الأسد الأب غير الوصول إلى يوم يحصل فيه على ضوء أخضر أميركي، عبر هنري كيسنجر، وإسرائيلي يسمح له بدخول لبنان عسكرياً بغية وضع اليد على قواعد “مقاتلي منظّمة التحرير الفلسطينيّة” والسيطرة على هؤلاء.

يرفض “الحزب” أخذ العلم بأنّ لبنان تغيّر وأنّ في أساس التغيير الحدث التاريخي الذي شهدته سوريا. يعود السوريون إلى سوريا ويعود اللبنانيون إلى لبنان. تعود ثقافة الحياة إلى البلدين. المنطقة كلّها تتغيّر في ضوء فشل الحروب التي شنّتها “الجمهوريّة الإسلاميّة” على هامش “طوفان الأقصى”. ما لم يفهمه “الحزب”، على وجه التحديد، أن لا مفرّ من إعادة نظر في العمق في مقاربته للوضع اللبناني. يكون ذلك من زاوية التغيير السوري والعلاقة المختلفة بين البلدين الجارين بعيداً عن ذهنية حلف الأقلّيات التي تحكّمت بسلوك حافظ الأسد منذ كان وزيراً للدفاع قبل تسلّمه السلطة في أواخر عام 1970. اعتقد الرجل أنّ في استطاعته، حكم سوريا ولبنان عبر الأجهزة الأمنيّة التي صنعها وعبر السجون التي أنشأها في مختلف أنحاء سوريا… وعبر مجازر مثل مجزرة حماة في شباط 1982.

انتهى الأمر بحافظ الأسد أن حوّل سوريا إلى سجن كبير يرمز إليه سجن صيدنايا، وقبل ذلك سجن تدمر. أراد أن يجعل من لبنان الشيء نفسه. تحرّرت سوريا وخرجت من السجن الكبير. تحرّر لبنان أيضاً. ذلك هو المعنى العميق لانتخاب جوزف عون رئيساً للجمهوريّة واختيار نوّاف سلام لتشكيل حكومة جديدة.

إقرأ أيضاً: إلى محمد رعد: نخلعُ جُرحَنا ونمسحُ القهرَ عن وجهِكَ

ينجح نوّاف سلام أم لا ينجح؟

ليست تلك المسألة.

المسألة متعلّقة بأنّ وجوده في رئاسة الحكومة يرمز إلى تغيير كبير، بل انقلاب، على الصعيد الإقليمي.

فهل يستفيد لبنان من ذلك أم لا؟

هل ينتصر لبنان على نصف قرن من الوصاية السوريّة والإيرانيّة، وصاية وُلد “الحزب”، بكلّ ما يمثّله من ارتباط بثقافة الموت، من رحمها؟

مواضيع ذات صلة

إلى محمد رعد: نخلعُ جُرحَنا ونمسحُ القهرَ

في عيون النائب محمد رعد ما لا تشرحه كلّ لغات الأرض. أطلّ من قصر بعبدا وفي خاصرته ما يشبه الرمح أو الخنجر. حاله في ذلك…

هل تنجح أنقرة في إقصاء ورقة داعش السّوريّة؟

يريد البعض أن يضع “هيئة تحرير الشام” و”قسد” و”حزب العمّال الكردستاني” و”داعش” في سلّة تفاوض ومساومة سياسية واحدة، وعقد صفقة تعطيه ما يريد في “حكاية…

ترامب يُجبر نتنياهو.. على وقف حرب غزّة

حساب الحقل لم يكن على حساب البيدر، في تقديرات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفعليّ من صفقة التبادل. إذ…

“التّكليف” الذي يفوق طاقة الشّيعية السياسية..

كمن يتناول جرعة دواء ثقيلة وينتظر العوارض، تختبر الحياة السياسيّة تبعات انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة خلافاً لرغبة الحزب المطبق بسلاحه على الحياة السياسية…