في إطار التحوّل الشامل على جميع المستويات، الذي بدأ في الكويت عام 2024، وصل القطار إلى المحطّة الأهمّ المرتبطة بحلّ مُعضلة الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للدخل، من خلال تنويع تلك المصادر والبحث عن الاستدامة المالية بعيداً عن الارتهان التامّ لأسعار النفط المتذبذبة.
كانت البداية مع إقرار قانون يفرض ضرائب على الكيانات المتعدّدة الجنسيات اعتباراً من مطلع 2025، ويتوقّع قريباً إقرار زيادات كبيرة على رسوم الخدمات، ورفع أسعار البنزين والديزل على المقيمين من دون المواطنين.
منذ منتصف العام الماضي، تتّخذ الحكومة الكويتية قرارات كانت حتى الأمس القريب توضع في “خانة المستحيل”، بدفع من رئيس الدولة الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي كان صريحاً منذ تولّيه مقاليد الحكم في نهاية 2023 بإعلانه أنّ “الأزمات والتحدّيات والأخطار مُحيطة بنا (…) ويتعيّن علينا اليوم ونحن نمرّ بمرحلة تاريخية دقيقة مراجعة واقعنا الحالي من كلّ جوانبه، خصوصاً الجوانب الأمنيّة والاقتصادية والمعيشية”.
لم يكن أحد يتصوّر إمكانية فرض ضرائب أو إلغاء التأمين الصحّي الخاصّ للمتقاعدين (بسبب شبهات تنفيع وفساد ضخم)، أو سحب الجنسيات من أكثر من 20 ألف شخص، إمّا بسبب التزوير والغشّ، وإمّا بسبب عدم الحصول عليها بأداة قانونية غير سليمة، كما هو الحال مع قضيّة الزوجات الأجنبيّات للمواطنين الكويتيين، التي أصبحت “الترند” في الكويت حالياً.
هذا كلّه حصل خلال 2024 وغيره الكثير، في ظلّ إصرار الحكومة على فرض الانضباط الإداري، ومكافحة الفساد، ووقف الهدر، وإعلاء سيادة القانون، وإنهاء مرحلة التردّد في اتّخاذ القرارات الحاسمة.
6 أهداف
في هذا السياق يأتي “المخاض الاقتصادي الصعب”. إذ تعمل الكويت على تنفيذ خطط للإصلاح المالي والاقتصادي لتحقيق 6 أهداف أساسيّة:
1- رفع كفاءة العمل الحكومي.
2- تشجيع القطاع الخاصّ.
3- جذب الاستثمارات الأجنبيّة.
4- زيادة فرص العمل.
5- تنويع الاقتصاد.
6- تحقيق العدالة الضريبيّة.
يُعتبر سعر البنزين والديزل في الكويت أيضاً من الأرخص في العالم، إذ تحلّ الكويت في المركز السادس عالمياً في قائمة أرخص أسعار البنزين
حتّى 31/12/2024، لم تكن الشركات الكويتية تدفع ضرائب مباشرة، وإنّما نسبة بسيطة من أرباحها لا تتعدّى 4.5 في المئة، تشمل الزكاة ودعم العمالة الوطنية ومؤسّسة الكويت للتقدّم العلمي.
في كانون الأوّل الماضي، أقرّت الحكومة قانوناً (باعتبارها سلطة تشريعية في غياب مجلس الأمّة الذي تمّ حلّه في أيار 2024) فرض ضريبة قدرها 15% على الشركات الكويتية الكبرى المتعدّدة الجنسيّات، تطبيقاً لقواعد منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
تفرض هذه القواعد ضرائب على الشركات الكبرى المتعدّدة الجنسيات لا تقلّ عن 15 في المئة على أرباحها في كلّ دولة تعمل فيها، لمنع التهرّب الضريبي والتوجّه إلى دول ذات معدّلات ضريبية أقلّ.
300 كيان و800 مليون
تسري هذه الضريبة على الكيانات المتعدّدة الجنسيات “التي تزاول العمل في أكثر من دولة أو ولاية قضائية”، ولديها إيرادات سنوية تتجاوز 750 مليون يورو، ويُقدّر عددها بحوالي 300، وفق وزيرة المالية نورة الفصام، التي قالت إنّ المبالغ التقديرية المتوقّعة مع بدء تطبيق الضريبة الجديدة تصل إلى 250 مليون دينار كويتي، أي أنّ ما يعادل أكثر من 800 مليون دولار إيرادات ضريبية ستدخل إلى خزينة الدولة سنوياً.
وضعت الفصام هذه الخطوة في سياق “رؤية الكويت 2035” نحو اقتصاد أكثر تنوّعاً واستدامة ماليّة بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، قائلة: “نحن حالياً في مرحلة جديدة تهدف إلى تحقيق تنوّع ومرونة في الإيرادات، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، في ظلّ تذبذب أسعار النفط، بما يُحقّق التوازن المالي ويمنع التسرّب الضريبي”.
وصف مركز “الشال للاستشارات”، الذي يُصدر أسبوعياً تقريراً اقتصادياً (غير حكومي)، القانون الجديد بأنّه “تحصيل حاصل فرضته ظروف الأمر الواقع، لكنّه خطوة في الطريق الصحيح لأنّه بداية لإصلاح النظام الضريبي في الكويت، إذ إنّ مساهمة الضريبة في تمويل الميزانية العامة في الكويت هي الدنيا، ربّما على مستوى العالم”.
منذ منتصف العام الماضي، تتّخذ الحكومة الكويتية قرارات كانت حتى الأمس القريب توضع في “خانة المستحيل”
البنزين والدّيزل
يُعتبر سعر البنزين والديزل في الكويت أيضاً من الأرخص في العالم، إذ تحلّ الكويت في المركز السادس عالمياً في قائمة أرخص أسعار البنزين.
تشير معلومات إلى أنّ الحكومة تتّجه هذا العام لزيادة أسعار البنزين ليصل إلى سعر السوق العالمي، لكن من دون أن تشمل الزيادة جميع السكّان، بل المقيمين والزائرين فقط، في حين سيحصل المواطنون على دعم ماليّ نظير استهلاك الوقود لتجنيبهم تحمّل أيّ زيادة في الأسعار.
عند تطبيق هذا القرار، سيدفع المقيم في الكويت أو الزائر لها تقريباً 4 أضعاف سعر لتر البنزين الذي يدفعه المواطن الكويتي، علماً أنّ الكويتيين يقدّر عددهم بـ1.5 مليون نسمة، مقابل 3.3 ملايين مقيم عربي وأجنبي.
قبل البنزين، يتوقّع أن يتمّ رفع أسعار الديزل التجاري المخصّص للشركات، الذي يشكّل 60 في المئة من إجمالي المبيعات في السوق المحلّي. وهو خطوة تمهيدية أولى قبل الوصول إلى البنزين الذي يطال شرائح أكبر.
60 ملياراً
خلال أشهر قليلة، ستتضاعف رسوم الإقامة على المقيمين مع صدور اللائحة التنفيذية لقانون إقامة الأجانب الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ يوم الأحد الماضي. وتتّجه الحكومة إلى إقرار قانون “الدّين العام” الذي يسمح لها، بحسب بعض التقارير، باقتراض 20 مليار دينار (أي حوالي 60 مليار دولار)، على مدى 50 عاماً.
إقرأ أيضاً: سنة أولى مع مشعل الأحمد: انضباط مالي غير مسبوق..
ترى الحكومة أنّ هذه الخطوة أصبحت من ضرورات الإصلاح المالي، بالنظر إلى الحاجة لتوفير التمويل اللازم للإنفاق الرأسمالي الموجّه لتمويل المشاريع التنموية الكبرى، التي يتوقّع أن تتسارع وتيرتها وتتصاعد كلفتها في السنوات المقبلة.