قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف إلى يمين ياسر عرفات. الآن ثمّة رجل جديد حلّ ضيفاً مباغتاً على قائمة الكبار، وبدأت عموم الناس تتهافت نحو التقاط صورة تجمعهم به، ليس باعتباره وجه سوريا المستجدّ، بل انطلاقاً من كونه الفاتح لدمشق.
للوهلة الأولى، تظنّ أنّ من كان يتحدّث إلى وليد جنبلاط في دمشق هو الراحل نسيب لحود أو العزيز فارس سعيد، لكنّك ما تلبث أن تكتشف أنّه أحمد الشرع، أو النسخة الأكثر تحديثاً وتكثيفاً من أبي محمد الجولاني، أي الرجل نفسه الذي كان يُعطي ظهره لعدسة قناة الجزيرة، ويقول في الدين وفي الاجتماع وفي السياسة ما لا ينسجم مع واقع شديد الحساسيّة وشديد التعقيد، إن في سوريا أو في عموم المنطقة والعالم.
ببدلة رسمية داكنة، وبربطة عنق مكسوّة بألوان الفرح، وبنبرة هادئة وحضور كيّس وخطاب استثنائي في شكله، عميق في مضامينه، أراد أحمد الشرع أن يُطلّ على النافذة اللبنانية الفائقة الخصوصية بهذا الوجه المختلف. وهي إطلالة تتّخذ من الفضاء اللبناني الرحب مطيّة لبلورة صورة جديدة لهذا الرجل الذي هرول بسرعة البرق من آخر كهوف التطرّف في الشرق، إلى الكرسي التي جلس عليها معاوية بن أبي سفيان في قلب عاصمة الأمويين.
أدرك الشرع، ومن يقف خلفه وإلى يمينه، أنّ البوّابة اللبنانية هي أقصر الطرق نحو النجومية والمشروعية القصوى
أدرك الشرع، ومن يقف خلفه وإلى يمينه، أنّ البوّابة اللبنانية هي أقصر الطرق نحو النجومية والمشروعية القصوى، وأنّ المقاربة السياسية المتوازنة تجاه لبنان ستساهم في فتح أبواب العالم برمّته. وقد أدرك أيضاً أنّ أكثر من يختزل القضية اللبنانية المتشعّبة، بمضامينها السياسية والاجتماعية وحتى الأقلّوية، هو وليد جنبلاط وخصوصيّته وهواجسه وجبله ودروزه وزعامته العابرة للجبل. ويبقى أن يُضاف إلى الملحمة التراجيدية في مشهدية قصر الشعب اسمَيْ بشير الجميّل ورفيق الحريري، ليتحوّل الاجتماع من لقاء تأسيسي أو وجداني أو سياسي إلى ضرب من الخيال.
شرعيّة الشرع التي انبثقت من ثورة بيضاء عبرت المحافظات والحواضر وصولاً إلى دمشق من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة، كان ينقصها هذا المشهد السياسي المكثّف كي تكتمل. وقد استطاع الرجل أن يقوم بدوره على أكمل وجه، بلا أيّ خطأ يُذكر، حيث بدا واضحاً أنّه تدرّب بعناية لتأدية هذا الدور بحِرفيّة مطلقة، لا سيما بعد السقطة الرهيبة التي تمثّلت بالحديث العلني عن دعمه لترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية.
إذاً نحن أمام شخصية متوثّبة، والمكتوب يُقرأ من عنوانه، ولذلك لا بدّ أن نتحضّر جيّداً لمواكبة هذه الحالة التي ستقفز سريعاً إلى مقدّمة الصفوف، ليس على مستوى الجغرافيا والديمغرافيا السورية وحسب، بل أبعد من ذلك بكثير، هذا طبعاً إذا قُدّر له أن يعيش.
إقرأ أيضاً: فرحة دمشق تبحث عن شمس العرب
رئيس بلدية سعدنايل، وما أدراك ما سعدنايل، استطاع أن يلتقط هذه اللحظة التاريخية بتعليق لمّاح يختزن في طيّاته جانباً واسعاً جدّاً من المزاج العامّ، يقول فيه: الرجل الذي كنّا نخاف منه، صرنا نخاف عليه.
لمتابعة الكاتب على X: