خمس آيات قرآنية أخبر الله فيها أنّه خلق السماوات والأرض في ستّة أيام، فقال في سورة هود بالآية السابعة: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ﴾، وفي سورة الفرقان الآية 59: ﴿ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وما بَيْنهما فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ﴾، ثمّ قال في سورة ق الآية 38: ﴿وَلقد خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وما بيْنهما فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ﴾، ثمّ في سورة يونس الآية 3: ﴿إنّ ربّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ﴾، وختاماً في سورة السجدة الآية 4: ﴿الله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وما بيْنهما فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ﴾.
لماذا هذه المقدّمة القرآنية؟ الجواب هو تساؤل بمعنى الإجابة. إذا كان الله احتاج إلى ستّة أيام لخلق السموات والأرض، مع الإشارة إلى أنّ اليوم عند الله غير اليوم عندنا نحن في الأرض، إذ يقول في سورة الحجّ الآية 47: ﴿وإنّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾، فكيف نطالب إدارة العمليات العسكرية التي أسقطت نظام بشار الأسد أن تصنع وطناً آمناً من دون أخطاء وهفوات، وتحمي شعباً تعداده يفوق 25 مليون نسمة، بستّة أيام أرضية فقط وليست سماوية؟
من حقّنا جميعاً أن نقلق من تداعيات ما حصل ويحصل في سوريا. من واجبنا أن نكون يقظين مراقبين لكلّ خطوة أو قرار يتّخذ على الأراضي السورية
القلق حقّ
من حقّنا جميعاً أن نقلق من تداعيات ما حصل ويحصل في سوريا. من واجبنا أن نكون يقظين مراقبين لكلّ خطوة أو قرار يتّخذ على الأراضي السورية، أن ندقّق ونحلّل كلّ تصريح أو تعليق يتناول سوريا في داخلها وخارجها. إنّها دمشق، التي ما غابت عبر التاريخ عن دائرة التأثير في مَن حولها من كيانات ودول جارة أو تبعد عنها بالجغرافيا.
لا بدّ لنا جميعاً أن نقرّ بأنّ سرعة الأحداث الميدانية وما نتج عنها من تحوّلات سياسية أسرع من استيعابنا وقدراتنا في التحليل والتمحيص. مخطئ من يعتقد أنّه استوعب كامل المشهدية المستجدّة بعد 7 أيام على حدوثها.
لا تزال أسئلة كثيرة دون أجوبة جدّية وصلبة. كلّ ما يقال حولها مجرّد تخمينات وتوقّعات وربّما إرهاصات ورغبات فردية أو جماعية.
ما سلف من حقوق وواجبات في سياق التعاطي مع الملفّ السوري لا يسمح لنا بأيّ شكل من الأشكال بأن نتحامل أو نتنمّر أو نشوّه عن قصد أو غير قصد انتصار الشعب السوري ونجاح هيئة تحرير الشام في إسقاط بشار الأسد ونظامه. نعم، هيئة تحرير الشام، إن كانت مدعومة من دول أو غير مدعومة. كلّ المجموعات المعارضة الأخرى منذ عام 2011 دُعمت من دول ومؤسّسات منذ بداية الثورة عام 2011. دعمٌ صُرف على الفنادق في تركيا والمؤتمرات والمساعدات الوهمية من حفاضات وحليب أطفال وصولاً إلى مجموعات عسكرية على الورق وليس في الميدان. فيما الدعم الذي يدّعيه البعض لهيئة تحرير الشام، إن حصل، فقد صُرف على التدريب والتجهيز العسكري والإداري وبناء نموذج قصّة نجاح في الحوكمة والإدارة، اسمها حكومة الإنقاذ في إدلب.
من غير المقبول أن يعمد روّاد الفنادق والمقاهي في الخارج المتنقّلون في الدول الأوروبية بالقطارات الحديثة إلى مطالبة سكّان مجتمعات النزوح القاطنين في الخيم الناجين من البراميل المتفجّرة والمعتقلات المرعبة بأن يصنعوا لنا في أسبوع واحد دولة تشبه تلك الدول التي يتقاضون منها بدلاً مادّياً بصفتهم لاجئين.
لا بدّ لنا جميعاً أن نقرّ بأنّ سرعة الأحداث الميدانية وما نتج عنها من تحوّلات سياسية أسرع من استيعابنا وقدراتنا في التحليل والتمحيص
ليس منطقيّاً أن نطالب نحن اللبنانيين وبعض المحلّلين العرب بأن يضع القادمون سيراً على الأقدام من إدلب أفضل العطور وأن يرتدوا أرقى الثياب وأن يصنعوا دولة عادلة فاضلة كدولة الفارابي ونحن نمكث في دول غير فاضلة. فاقد الشيء لا يمكن له أن يعظ به.
احتفال دون شوائب
احتفل الشعب السوري بانتصاره وإسقاط نظام الطاغية في كلّ ساحات المدن السورية، إدلب، اللاذقية، حماة، حمص، السويداء، دمشق، درعا، حاملين علم سوريا الجديد. لم يحمل أحد منهم الراية البيضاء الخاصة بتحرير الشام. لم يرفع أحد منهم صورة أحمد الشرع. هي التظاهرة الأولى في تاريخ دمشق الحديث التي ليست فيها صورة زعيم أو قائد إلى الأبد. في دمشق ألقى رئيس الحكومة محمد البشير خطبة الجمعة، وفي حماة ألقى مطران المدينة كلمة الانتصار، وفي اللاذقية كان رجل الدين العلوي يتقدّم المنصّة. هو احتفال يشبه سوريا الجديدة، سوريا التي يؤكّد القادرون فيها اليوم أنّها لكلّ أبنائها ولكلّ طوائفها ولكلّ مكوّناتها.
إقرأ أيضاً: تموضعات انقلابيّة لبنانيّاً بعد الزلزال السّوريّ؟
نزل الشعب السوري إلى الساحات في دولة ليس فيها جيش، ومؤسّساتها معطّلة من دون أن تسجّل حادثة واحدة أو انتهاك واحد. الكلّ حمل علمه الأخضر من دون غيره من الأعلام وأطلق النشيد “ارفع راسك فوق إنت سوري حرّ”.
لا تستعجلوا على سوريا، فلقد صبرت على الظلم والاستبداد 60 عاماً، فاصبروا عليها 60 يوماً.
لمتابعة الكاتب على X: