في الرابع عشر من هذا الشهر (تشرين الثاني) نشر “أساس” مسوّدة الاتّفاق الذي أصبح أمراً واقعاً منذ أيام، لوقف الأعمال العدائية ضمن مهلة 60 يوماً، بالإضافة إلى بنود كثيرة أخرى. أخيراً بعد جولة من المفاوضات وُلد الاتّفاق الذي استند إلى القرار 1701. يدور النقاش اللبناني الداخلي اليوم حول ما إذا كان الاتّفاق – أو +. نائب “الحزب” حسن فضل الله قال إنّ الاتّفاق هو نسخة مخفّفة عن الـ1701. ما هو فعلاً هذا الاتّفاق؟ وماذا في أهدافه الأساسية بعيداً عن بروباغاندا كلّ من الفريقين، أكان الفريق الذي يسعى إلى تخفيف وطأته أو ذلك الذي يسعى إلى تشديدها، حيث يقول مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون العربية دكتور مسعد بولس إنّ الاتفاق هو 1701 + +، أي “بلاس مضاعفة”؟
في بنود هذا الاتّفاق كلام واضح عن مجموعة من النقاط التي لا بد من توضيحها، خصوصاً أنّ الموفد الأميركي آموس هوكستين تحدّث عنها في مقابلة له قبل ساعات، وأهمّها:
– إلزام لبنان و(الحزب) تطبيق القرار 1701 بما يتضمّنه من مندرجات، وهي قرارات صدرت تدريجياً مع الأحداث اللبنانية، من الاحتلال الإسرائيلي إلى الوصاية السورية. وكلّها تنصّ على هدف واحد أساس، وهو “حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وسيطرة الحكومة على القرار السياسي للبلد”.
– تطبيق مضمون القرار 1559 بحصر أسلحة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في يد الدولة اللبنانية.
– تطبيق مضمون القرار 1680 بضبط الحدود مع سوريا وعدم عبور الأسلحة من سوريا إلى لبنان. وفي هذه النقطة أعطت إسرائيل لنفسها الحقّ في استهداف أيّ شحنات أسلحة تعبر الأراضي السورية. وكانت كلمة بنيامين نتنياهو إلى الرئيس بشار الأسد واضحة بقوله في المؤتمر الذي أعلن فيه قبوله بالاتفاق، “على الأسد أن يحذر”.
– تطبيق مضمون اتفاق 425 بترسيم الحدود الدولية الجنوبية، وبالتالي إجراء مفاوضات على الحدود البرّية لتثبيت الحدود ومعالجة النقاط الـ13 العالقة.
نحن أمام اتّفاقين يقوّضان عمل “الحزب” في لبنان ويهدفان إلى قطع الطريق عليه لإعادة التسلّح
تفكيك السّلاح في كلّ لبنان
– تفكيك منشآت “الحزب” بدءاً من جنوب الليطاني وصولاً إلى كلّ الأراضي اللبنانية. وهنا لا بدّ من توضيح المغالطات الواردة في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل بين جماهير الأحزاب في سياق حديثها عن الربح والخسارة. الاتّفاق واضح بكلّ بنوده. وتفكيك منشآت “الحزب” ليس مقتصراً على جنوب الليطاني، بل في كلّ المناطق اللبنانية تباعاً، على أن يحصل ذلك عبر الجيش اللبناني وبقرار سياسي أصدرته الحكومة أوكلت فيه للمؤسّسة العسكرية تطبيق القرار 1701 ومضمون الاتفاق الذي وافق عليه لبنان.
– وجود أميركي عسكري مباشر على الأراضي اللبنانية. وذلك في اللجنة التي أضيفت إلى الـ1701، وهي عبارة عن وجود عسكري استخباري أميركي على أرض الجنوب، بالإضافة إلى الوجود الفرنسي، في لجنة ثنائية لن تكون مهمّتها سوى إجراء رقابة دولية مباشرة على أنشطة “الحزب” جنوب الليطاني وخارجه على حدّ سواء.
– حقّ الدولتين في الدفاع عن نفسَيهما في حال التهديد المباشر. وفي نصّ الاتفاق احتفظ نتنياهو لنفسه بحقّ استهداف أيّ تهديد مباشر جنوب أو شمال الليطاني قبل اللجوء إلى اللجنة الدولية.
اتّفاق أميركيّ – إسرائيليّ جانبيّ
مضمون الاتّفاق هذا بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية فرنسية لم يكن كافياً لنتنياهو لينهي حربه على لبنان، وتحديداً على “الحزب” بهدف تحويله من حزب بترسانة عسكرية إلى حزب سياسي، بل اشترط أن يبرم اتفاقاً جانبياً ثنائياً بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية تقدّمت فيه الأخيرة بضمانات لتل أبيب بتعاون أمنيّ في كلّ الحروب المقبلة ردّاً على أيّ تهديد مباشر من حلفاء إيران في المنطقة.
الموفد الأميركي آموس هوكستين لم ينفِ في مقابلة له وجود هذا الاتفاق، مكتفياً بالقول إنّه لا يتعارض مع مضمون الاتفاق بين لبنان وإسرائيل
الموفد الأميركي آموس هوكستين لم ينفِ في مقابلة له وجود هذا الاتفاق، مكتفياً بالقول إنّه لا يتعارض مع مضمون الاتفاق بين لبنان وإسرائيل. وهنا نعدّد أبرز النقاط المسرّبة من هذا الاتفاق لضمان حرّية حركة إسرائيلية، بحسب مصادر أميركية لـ”أساس”:
1- تبادل المعلومات الاستخبارية: ستتبادل إسرائيل والولايات المتحدة معلومات استخبارية حسّاسة بشأن الانتهاكات، بما في ذلك تسلّل “الحزب” إلى الجيش اللبناني.
2- تبادل المعلومات مع أطراف ثالثة: قد تتقاسم الولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية الواردة من إسرائيل مع أطراف ثالثة متّفق عليها، مثل الحكومة اللبنانية أو لجنة معيّنة، لمعالجة الانتهاكات.
3- مواجهة نفوذ إيران: تتعهّد الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل لمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في لبنان، بما في ذلك وقف نقل الأسلحة من الأراضي الإيرانية.
4- حقّ إسرائيل في الردّ: تعترف الولايات المتحدة بحقّ إسرائيل في الردّ على التهديدات من الأراضي اللبنانية، بما يتماشى مع القانون الدولي.
5- العمليات في جنوب لبنان: تحتفظ إسرائيل بالحقّ بالتصرّف في أيّ وقت ضدّ الانتهاكات في المنطقة الجنوبية. وهذا ما حصل أمس حين قصفت إسرائيل عدداً من القرى الجنوبية واعتبر جيشها أنّ حزبيين خرقوا شروط الهدنة بالتوجّه إلى القرى الحدودية قبل انقضاء 60 يوماً.
حرّية حركة إسرائيل خارج الجنوب
6- التهديدات خارج الجنوب: تحتفظ إسرائيل بالحقّ بمواجهة التهديدات التي تنشأ خارج جنوب لبنان إذا لم يتمكّن لبنان من منعها أو لم يرغب في ذلك، بما في ذلك وقف تهريب الأسلحة غير المشروعة عبر الحدود والمعابر.
7- التبليغ بالعمل: إذا اتّخذت إسرائيل تدابير ردّاً على التهديدات، فسوف تبلغ الولايات المتحدة كلّما أمكن ذلك.
8- قيود الطيران: ستقتصر الرحلات الجوّية الإسرائيلية فوق لبنان على أغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وستُبذل الجهود لإبقائها بعيدة عن الأنظار وتجنّب كسر حاجز الصوت.
تحتفظ إسرائيل بالحقّ بالتصرّف في أيّ وقت ضدّ الانتهاكات في المنطقة الجنوبية. وهذا ما حصل أمس حين قصفت إسرائيل عدداً من القرى الجنوبية
إذاً نحن أمام اتّفاقين يقوّضان عمل “الحزب” في لبنان ويهدفان إلى قطع الطريق عليه لإعادة التسلّح. لكنّ هذا لا يحجب واقع أنّ إشكالية إلغاء المقاومة في لبنان لا تتعلّق فقط بالحزب، بل تتعلّق بثقافة عابرة للأحزاب والطوائف اختصرها “الحزب” منذ الثمانينيات حتى اليوم.
إقرأ أيضاً: ألغام سياسيّة أمام الجيش في الجنوب!
أمّا “الحزب” ومستقبله ومستقبل لبنان فسيكون محطّ نقاش فعليّ في الأيام المقبلة، لأنّ هذه الحرب حتماً لا تشبه الـ2006. وبعد حرب 2024، هناك ديناميكة جديدة ستظهر على الساحة الداخلية، بعضها إشكاليّ لن يسلم من تصادمات خطيرة، قد تذهب بنا إلى مرحلة جديدة مثمرة، وقد تذهب بنا إلى الاقتتال الداخلي. في الأيام المقبلة، لن يستطيع أحد أن يمنع النقاش حول مستقبل لبنان، وهويّته وعمقه العربي، ودوره في المنطقة، ونظام الحكم السياسي فيه.
لمتابعة الكاتب على X: