يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 سيكون يوماً استثنائياً، حتّى لو لم يتمّ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، لأنّ الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم أعلن انطلاقة مسيرة عودة الحزب إلى تحت سقف الدولة، عبر 4 بنود تشكّل خريطة طريق غير مسبوقة، وتعلن بشكل لا لبس فيه أنّ الحزب “ولد” من جديد، في ظلال عدوان أيلول، وتحت عنوان “مرحلة ترامبيّة” يدخل الكوكب فيها خلال أسابيع، وأنّه سيحترم العملية السياسية من دون تدخّل السلاح، وسيلتزم “اتّفاق الطائف”.
لم يكن خطاب الشيخ نعيم قاسم عاديّاً قبل يومين. البنود الأربعة التي أعلنها، وقرأها عن الورقة أمامه، كانت مكتوبة ومحضّرة، وبالتالي فهي جزء من الاتفاق الذي كان الموفد الأميركي آموس هوكستين يعمل عليه بين بيروت وتل أبيب.
يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 سيكون يوماً تاريخياً، حتّى لو لم يتمّ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار
بدأ يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني برسالة وجّهها مساعد الرئيس الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى “اليهود”. وبدأها بـ”شالوم”. وإذ هاجم “الصهيونية” و”إرهابها”، توجّه لليهود في أنحاء العالم بالقول: “الشعب الإيراني حليفكم”. ثمّ طلب منهم “تحرير الديانة الإبراهيمية من شرّ التزوير والعدوان والتمييز العنصري والمجازر الصهيونية”.
ظهراً بات واضحاً أنّ لبنان وافق على مطالب هوكستين في المقترح الأميركي. وبعد الظهر خرج نعيم قاسم وأعلن عودة حزبه إلى “تحت سقف اتفاق الطائف”.
فماذا في البنود الأربعة؟
لم يكن خطاب الشيخ نعيم قاسم عاديّاً قبل يومين. البنود الأربعة التي أعلنها، وقرأها عن الورقة أمامه، كانت مكتوبة ومحضّرة، وبالتالي فهي جزء من الاتفاق
التزام بانتخاب رئيس سريعاً
البنود الأربعة التي أعلنها قاسم هي التالية:
- “سنبني معاً بالتعاون مع الدولة وكلّ الشرفاء والدول والقوى التي ستساعد من أجل إعادة الإعمار، ليعود كلّ لبنان أجمل”.
هذه النقطة الأولى تشترط وتطلب “إعادة الإعمار”. وهو ما كان عرضه هوكستين قبل أشهر من أيلول وتوسّع الحرب. وهنا يطلب قاسم من “كلّ الشرفاء” ومن “الدول” ومن “القوى التي ستساعد، وبالتالي هو يضع إعادة الإعمار في المقام الأوّل.
- “سنقدّم مساهمتنا الفعّالة لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال المجلس النيابي بالطريقة الدستورية”.
في البند الثاني، يعلن نعيم قاسم أنّ حزبه لن يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية. ويعلن التراجع عن شرط “الحوار” الذي كان الثنائي الشيعي يضعه على الطاولة. ويؤكّد التزام “الطريقة الدستورية” في الانتخاب، و”من خلال المجلس النيابي”. وكذلك يؤكّد مشاركة نوّاب الحزب في جلسة الانتخاب من خلال القول: “سنقدّم مساهمتنا الفعّالة”.
هذه فرصة لبنان الكبيرة. وحمايتها تكون بالتزام صادق بهذا الخطاب التاريخي
معروفٌ أنّ شرط انتخاب الرئيس وإعادة تكوين السلطة كان عليه أخذ وردّ. فأميركا كانت تطلب أن يكون الانتخاب مدخلاً لوقف إطلاق النار، كي تكون هناك حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الاتفاق، ورئيس جمهورية يوقّعه. لكن يبدو أنّ الحصيلة النهائية هي التزام علنيّ من الحزب، قبيل مغادرة هوكستين لبنان، بدلاً من شرط انتخاب رئيس قبل إبرام التسوية.
الطّائف: العروبة… ولا ثلث معطِّلاً
- “ستكون خطواتنا السياسية وشؤون الدولة تحت سقف “الطائف” بالتعاون مع القوى السياسية”.
أمّا البند الثالث فهو متعدّد الاتّجاهات:
- رسالة إلى العرب، وإلى المملكة العربية السعودية تحديداً، تقول إنّ الحزب، ومن خلفه إيران، سيتوقّفان أوّلاً عن استعمال الحزب وموارده وعناصره في الاعتداء على العرب لأنّ اتفاق الطائف يجزم بأنّ “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه”، و”عربيّ الهويّة والانتماء”، و”ديمقراطية برلمانية”.
- وينصّ الطائف على “حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية…”.
- كذلك لا وجود في الطائف لبدعة “الثلث المعطِّل” التي انتزعها الحزب بقوّة السلاح في اتفاق الدوحة، بعد اجتياح بيروت وجبل لبنان في 7 أيّار 2008.
- وفي الطائف أيضاً لا يوجد ما ينصّ على تخصيص وزارة لطائفة. (إقرأ: وزارة المالية).
- وبالطبع لا وجود في الطائف لما يسمح للحزب أو غيره بالقتال في دول أخرى، لا في سوريا ولا في اليمن ولا في العراق.
وإذ يقول قاسم: “ستكون خطواتنا السياسية وشؤون الدولة تحت سقف الطائف”، فهذا يعني أنّه يلتزم كلّ ما سبق، وأكثر.
الأمل أن تكون إيران قد أعطت الضوء الأخضر ليعود الحزب إلى “الدولة”، ولتعود هي نفسها إلى “المجتمع الدولي”
إخراج السّلاح من صناعة السّياسة
- “سنكون حاضرين في الميدان السياسي بقوّتنا التمثيلية والشعبية وحضورنا الوازن لمصلحة الوطن، لنبني ونحمي في آنٍ معاً”.
البند الرابع والأخير يعلن التزام الحزب بالعمل السياسي “بقوّتنا التمثيلية والشعبية”، وبالتالي يعلن بشكل لا لبس فيه إخراج السلاح من المعادلة السياسية ومن صناعة السياسة. وبالتالي الالتزام بالتخلّي عن “القمصان السود” وعن “7 أيّار”، وعن كلّ ما اتّهم به الحزب من اغتيالات وتفجيرات.
وهذا يعني أنّ الحزب يفتح قوسين كبيرين لعملية سياسية تحكمها “القوّة التمثيلية والشعبية” وليس السلاح ولا كواتم الصوت. وهذا التزام علنيّ يبدو أنّه مطلوب من الحزب.
في هذا السياق، لم يكن ممكناً أن “يولد” العميد فادي كفوري في مطار رفيق الحريري الدولي ليفتّش الوفد الإيراني. وأمس قرأنا أنّ “إدارة” مرفأ بيروت باتت أيضاً بعيدة عن قبضة الحزب.
يبدو أنّ الحصيلة النهائية هي التزام علنيّ من الحزب، قبيل مغادرة هوكستين لبنان، بدلاً من الانتخاب قبل التسوية
تغيير تاريخيّ… هل يكون صادقاً
تشير هذه البنود الأربعة إلى تغيير تاريخي كبير في “وظيفة” الحزب، وفي “دوره” داخل لبنان. وإذا ترافقت مع تطبيق حقيقي للقرار 1701، ومع التزام صادق بإخراج السلاح من العملية السياسية، وبالتزام اتفاق الطائف… فإنّ لبنان سيكون مع فرصة لم تتسنَّ له من قبل ليدخل في مرحلة “الازدهار” السياسي، ولينتسب مجدّداً إلى المجموعة العربية، وليكون جزءاً من مشاريع “الرؤى” الكثيرة في المنطقة، التي بدأت بـ”رؤية 2030″ التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعودي، وأٌلحِقت برؤى متعدّدة شبيهة لها في معظم دول الخليج والمنطقة.
إقرأ أيضاً: أفيخاي وإيدي كوهين: قبلةُ الموت لمعارضي الحزب
هذه فرصة لبنان الكبيرة. وحمايتها تكون بالتزام صادق بهذا الخطاب الاستثنائي، وبأن يلاقيه اللبنانيون بإعلان انتصار لبنان، مع الحزب، على مرحلة طالت 20 عاماً، منذ محاولة اغتيال مروان حمادة في 2004، إلى نهاية 2024. 20 عاماً من الحروب الأهلية المقنّعة، ومن مغامرات السلاح ومن المحاولات الإيرانية في لبنان والمنطقة. آن لها أن تنتهي.
والأمل أن تكون إيران قد أعطت الضوء الأخضر ليعود الحزب إلى “الدولة”، ولتعود هي نفسها إلى “المجتمع الدولي”.
لمتابعة الكاتب على X: