“جنوب لبنان من وجهة نظر تاريخية، هو في الواقع شمال إسرائيل.. وجذور الشعب اليهودي في هذه المنطقة عميقة”.
هذا ما يدّعيه نائب مدير الاتّصالات في حكومة بنيامين نتنياهو سابقاً مايكل فرويند، في مقال له نُشر في صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، معتبراً أنّه “حقيقة تاريخية مهمّة يبدو أنّ كثيرين قد نسوها ومن الجدير تسليط الضوء عليها في هذا الوقت الذي تقاتل فيه قوات الدفاع الإسرائيلية لتطهير جنوب لبنان من إرهابيّي الحزب”، بحسب زعمه. ما يتطابق مع حديث النخبة الإسرائيلية عن “نهر الأوّلي”، كخطّ حدود قد تصل إليه القوات الإسرائيلية في اجتياحها. ويستند إلى “سفر التكوين” في هذا المعطى المُستجدّ.
فرويند هو مؤسّس ورئيس منظّمة “شافي إسرائيل/إسرائيل العائدة” (Shavei Israel/Israel Returns)، وهي منظّمة مقرّها القدس تبحث عن القبائل المفقودة في إسرائيل و”اليهود المختبئين” الآخرين الذين يسعون إلى العودة إلى المشروع الصهيوني، ويساعدهم.
وبالتالي ليس مستغرباً أن يدّعي أنّ “الحدود الحالية بين إسرائيل ولبنان لا يزيد عمرها عن قرن من الزمان ومصطنعة تماماً، وهي من بقايا زمن رسم فيه المستعمرون الأوروبيون خطوطاً على الخرائط وهم يشربون زجاجة براندي في غرفة يغطّيها دخان السجائر”. ويضيف: “من الناحية التاريخية، جنوب لبنان هو في الواقع شمال إسرائيل، وجذور الشعب اليهودي في المنطقة عميقة. وسواء كان من الممكن أو ينبغي أن تترجم هذه الحقيقة الآن إلى واقع سياسي، فهي مسألة أكثر تعقيداً، لكن لا يمكن إنكار علاقتنا بهذه الأرض”.
فرويند :”جنوب لبنان من وجهة نظر تاريخية، هو في الواقع شمال إسرائيل.. وجذور الشعب اليهودي في هذه المنطقة عميقة”
“صيدا وصور جزء من أرض كنعان”
يستشهد لتبرير ادّعائه أنّ جنوب لبنان كان “في العصور التوراتية جزءاً واضحاً من أرض إسرائيل”، بما يزعم أنّه ورد في سفر التكوين (10: 19) الذي يقول: “كانت حدود كنعان تمتدّ من صيدا إلى جرار فإلى غزة، ثمّ نحو سدوم وعمورة وأدما وتزيفيم إلى لاشا”. ويضيف أنّ البطريرك التوراتيّ يعقوب بارك أبناءه الاثني عشر، قبل وفاته مباشرة، وكانت البركة التي منحها لزبولون الابن العاشر (ومؤسّس سبط زبولون)، “وستكون زفولون عند شاطئ البحر وتكون مرفأ للسفن، وتمتدّ حدودها نحو صيدا” (سفر التكوين 49: 13).
كما يدّعي فرويند أنّ سفر يشوع (13: 6) يذكر صراحة أنّ صيدا وُعدت للشعب اليهودي، وأنّ “حدود قبيلة آشر امتدّت إلى صيدا”، (19: 28). بل إنّ المدراش (بريشيت رباح) (39: 8) يقول إنّه “في صور (التي تقع الآن على بعد 19 كيلومتراً شمال الحدود الإسرائيلية) وعد الله إبراهيم بأرض إسرائيل”. وينقل المدراش عن الحاخام لاوي قوله: “عندما مرّ إبراهيم عبر آرام النهرين وآرام ناحور، رآهم يأكلون ويشربون ويفرحون. فقال: “ليت نصيبي لا يكون في هذه الأرض”. وعندما وصل إلى رأس صور، رآهم منهمكين في إزالة الأعشاب الضارّة في موسم إزالة الأعشاب الضارّة، وفي الحرث في موسم الحراثة. فقال: ليت نصيبي يكون في هذه الأرض. فقال له القدّوس تبارك اسمه: لنسلِك أعطي هذه الأرض” (سفر التكوين 12: 7).
يدّعي فرويند أنّ سفر يشوع (13: 6) يذكر صراحة أنّ صيدا وُعدت للشعب اليهودي، وأنّ “حدود قبيلة آشر امتدّت إلى صيدا”
“مقامات يهودية” في جنوب لبنان!
وتزعم نظرية فرويند .المستجدّة على النقاش السياسي، أنّ هناك “أدلّة” على ارتباط اليهود بالمنطقة في “أماكن مقدّسة” مختلفة و”مقابر الصالحين” في جنوب لبنان. ويعدّد منها الآتي أشهرها:
– قبر زبولون في صيدا، الذي كان لقرون مكاناً للحجّ لليهود من جميع أنحاء المنطقة وخارجها. “ففي القرن السادس عشر، وفقاً لفرويند، “زار الحاخام الإيطالي موشيه باسولا القبر وكتب عنه. وفي منتصف القرن الثامن عشر، قال الحاخام يوسف سوفر إنّ العائلات كانت تجتمع وتقيم وجبات احتفالية بجواره. ووصف الحاخام ناتان من بريسلوف تجربة روحية ملهمة في قبر زبولون. وعندما زار السير موسى مونتيفيوري إسرائيل في القرن التاسع عشر، ذهب أيضاً إلى هناك لرؤية القبر”.
– قبر شخصيّة توراتية أخرى هي أهولياف بن أحيساماخ، الذي ساعد بتسلئيل في بناء المسكن في الصحراء. وبحسب فرويند “يقع في قرية سجود في جنوب لبنان”. وينقل عن عالم الآثار الإسرائيلي تسفي إيلان قوله إنّ “مكان دفن أهولياف كان موقعاً مهمّاً للحجّ اليهودي خلال الفترة العثمانية. كما كان العرب المحلّيون يقدّسون الموقع ويقولون إنّه قبر “نبيّ يهودي”. وحتى أوائل القرن العشرين، اعتاد اليهود في صفد السفر إلى القبر لأداء عادة “أبشرين”، وهي أوّل قصّة شعر للصبيّ، التي تتمّ بشكل شائع الآن في ميرون”.
تزعم نظرية فرويند .المستجدّة على النقاش السياسي، أنّ هناك “أدلّة” على ارتباط اليهود بالمنطقة في “أماكن مقدّسة” مختلفة و”مقابر الصالحين” في جنوب لبنان
– قبر النبيّ التوراتي صفنيا بن كوشي الذي يقع في قرية جبل صافي اللبنانية. وقد تكهّن البعض بأنّ اسم القرية مشتقّ من اسم النبيّ الذي دفن هناك.
– يقع أحد أقدم المعابد اليهودية (كنيس) في العالم في حارة اليهود في صيدا. وقد بُني قبل ما يقرب من 1,200 عام في عام 833، ويُعتقد أنّه بُني على موقع بيت عبادة يهوديّ أقدم يعود تاريخه إلى فترة وجيزة بعد تدمير الهيكل الثاني. وعلى الرغم من أنّه لم يعد يستخدم بسبب هجرة معظم اليهود اللبنانيين خلال الحرب الأهلية في البلاد من 1975 إلى 1990، إلا أنّه يظلّ شهادة صامتة على الوجود اليهودي الطويل الأمد في المنطقة.
كيف انفصل جنوب لبنان عن إسرائيل؟
هذا السؤال يطرحه فرويند، ويجيب: يعود أصل هذا الانقسام، إلى ما قبل قرن من الزمان، حين توصّلت بريطانيا وفرنسا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية إلى اتفاقية سرّية في عام 1916 أُطلق عليها اسم اتفاقية سايكس بيكو، التي قسّمت فعليّاً جزءاً كبيراً من الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ بين لندن وباريس. وتمّ بشكل أساسي رسم خطّ على الخريطة، وكانت هذه الخربشة بمنزلة الحدود بين إسرائيل ولبنان كما نعرفها اليوم.
يشير فرويند أخيراً إلى أنّه تمّ في وقت سابق من هذا العام تأسيس منظّمة إسرائيلية تسمّى أوري تسافون (استيقظ يا شمال) بهدف تشجيع الاستيطان اليهودي في جنوب لبنان، ودعت الحكومة إلى التحرّي في هذا الشأن. ويعتبر أنّه “بينما قد ينظر البعض إلى هذه الفكرة على أنّها بعيدة المنال، يجب التذكير أنّه قبل قرن واحد فقط كانت فكرة الدولة اليهودية ذات السيادة بعيدة المنال أيضاً. ففي نهاية المطاف، تميل أحلام اليوم إلى التنبّؤ بواقع الغد، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط”.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا