في خطوة تاريخية تعيد رسم معالم المشهد الجيوسياسي في شمال إفريقيا، يشهد العالم بداية نهاية واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في المنطقة، وهي قضيّة الصحراء المغربية. مع تزايد اعتراف المجتمع الدولي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، تتسارع الأحداث نحو تسوية شاملة تعكس الحقائق الجغرافية والتاريخية والسياسية. لكنّ المبعوث الأممي السابق للأمين العامّ للأمم المتحدة للصحراء الغربية يحذّر من العودة إلى مقترحات جيمس بيكر ومن الدور السلبي للجزائر الذي يرفض مبدأ التفاوض.
المبعوث الأممي السابق وخبير الأمن وقضايا السلام جوليان هارستن في لقاء خاصّ مع “أساس” قال إنّه بعد خبرته الطويلة في النزاع وصل إلى قناعة بأنّ الصحراء مغربية، وإنّه “يدعم المقترح المغربي الذي يتطابق مع تثبيت الواقع القائم على مشروعية وسيادة المغرب الكاملة على صحرائه”، مؤكّداً نجاعة النهج المغربي لحلّ هذه القضية والخطوات التي اتّخذها والتي كرّست واقع أنّ الصحراء مغربية.
أضاف المبعوث الأممي، الذي عمل مع آخر ثلاثة أمناء عامّين للأمم المتحدة في مهمّات خاصة، أنّ “الجزائر هي طرف رئيسي في هذا الملفّ، لكنّها تصرّ على رفض الاعتراف بدورها المحوري في استمرار النزاع”.
كان ملك المغرب محمد السادس في الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء قد وجّه انتقادات لأطراف دون تسميتها بسبب دورها السلبي، واصفاً إيّاها بأنّها في “عالم آخر منفصل عن الحقيقة ولا تزال تعيش على أوهام الماضي وتتشبّث بأطروحات تجاوزها الزمان”. ودعا العاهل المغربي الأمم المتحدة إلى تحمّل مسؤوليّاتها وأن توضح الفرق “بين العالم الحقيقي وما هو شرعي”.
في إشارة إلى محاولة المبعوث الحالي للأمين العامّ ستيفانو دي ميستورا للعودة إلى مقترحات قديمة لم تساهم في السابق في حلّ النزاع وكانت أفكاراً جزائرية المنشأ آنذاك، قال الملك المغربي: “هناك من يطالب بالاستفتاء على الرغم من تخلّي الأمم المتحدة عنه واستحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيّمات تندوف ويأخذهم كرهائن”.
لم يترّدد المسؤول الأممي السابق في انتقاد الجزائر مستغرباً موقفها الرافض للسعي إلى إيجاد حلّ للنزاع
محمد السادس والدبلوماسية المغربية..
رأى هارستن، الذي كان أيضاً مسؤولاً عن قوّة حفظ السلام، إضافة إلى عمله مبعوثاً خاصّاً للأمين العامّ، أنّ ستيفان دي ميستورا يرتكب خطأً كبيراً في اقتراحه الأخير من خلال العودة إلى حلول قديمة حاول إحياءها. وأضاف هارستن أنّ “دي ميستورا نفسه لم يكن مقتنعاً بهذه المقترحات. ومع ذلك، قدّمها في محاولة للخروج من هذا الملفّ، بعدما أدرك أنّ العقبة الحقيقية تكمن في تعنّت الجزائر”.
المسؤول الأممي السابق والمقرّب من أوساط القرار الغربية والذي يتمتّع بخبرة عميقة في نزاعات إفريقيا والعالم عزا التحوّل الدولي في تبنّي الموقف المغربي إلى الدبلوماسية المبنيّة على الانفتاح التي بدأها الملك محمد السادس.
أضاف أنّ “الدبلوماسية المغربية شهدت تحوّلاً كبيراً في عهد الملك محمد السادس”، واصفاً هذه الدبلوماسية بأنّها “قويّة وواضحة ونجحت في كسب حلفاء وتحالفات وأصدقاء على الساحتين الدولية والإفريقية، وهذا ما يفسّر تسارع الاعترافات بسيادة المغرب على الصحراء. وساهمت في هذا النجاح الاستثمارات الذكيّة التي طبّقها المغرب في أقاليمه الجنوبية في ظلّ الأمن والاستقرار”.
لم يترّدد المسؤول الأممي السابق في انتقاد الجزائر مستغرباً موقفها الرافض للسعي إلى إيجاد حلّ للنزاع، مضيفاً أنّ “من الصعب التوصّل إلى تسوية دبلوماسية حين يكون أحد طرفَي النزاع الأساسيَّين يرفض رفضاً قاطعاً التفاوض”.
كان ملك المغرب محمد السادس في الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء قد وجّه انتقادات لأطراف دون تسميتها بسبب دورها السلبي
ترامب يفتح الباب
موقف إدارة الرئيس الأميركي ترامب في ولايته الأولى الذي اعترفت فيه واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء خلق حالة دفع قويّة على المستوى الدولي، حيث ساهمت في تبنّي المزيد من الدول الموقف المغربي، ومنها فرنسا التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء. وتوقّع هارستن أن تحذو بريطانيا حذو الولايات المتحدة وفرنسا مع الوقت انسجاماً مع الواقع المستجدّ. وانتقد هارستن الأمين العامّ الحالي غوتيريش على الرغم من الصداقة التي تجمعه به لأنّه حوّل اهتمام الأمم المتحدة من عمل دبلوماسي سياسي لحفظ السلام وحلّ النزاعات إلى التركيز على الأمور الإنسانية واللاجئين.
مع انتخاب الرئيس ترامب سيكون من المنطقي أن تستمرّ موجة الاعترافات الدولية بسيادة المغرب على الصحراء من قبل الدول المهتمّة بإفريقيا والتي تطمح إلى دخول الأسواق الإفريقية عبر البوّابة المغربية، وربّما يساهم ذلك في جذب الصين إلى الانضمام إلى فرنسا وأميركا في مجلس الأمن.
لمتابعة الكاتب على X: