هل دقّت ساعة النّوويّ الإيرانيّ؟

مدة القراءة 6 د

الضربة الجوّية الإسرائيلية على إيران لم تكن “مزلزلة” كما توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تكن فتّاكة ومميتة كما هدّد وزير حربه يوآف غالانت. كانت أصغر من التهديدات والوعيد وأكبر من ردّ عاديّ. كانت حدثاً لخّصه المرشد الإيراني علي خامنئي بعبارتين: “لا ينبغي تضخيمه ولا التقليل منه”.

 

تجنّبت الهجمة كلّ الخطوط الحمر التي توعّدت إسرائيل بخرقها، إذ لم تمسّ القيادة العليا الإيرانية، ولا المنشآت النفطية ولا المفاعلات النووية ولا المراكز الاقتصادية ولا المناطق السكنية. ركّزت على المواقع العسكرية، لا سيما الدفاعات الجوّية وخلّاطات الوقود الخاصّة بالصواريخ البعيدة المدى.

ضربة لا تمهّد لتغيير النظام ولا حتى لتحسين سلوكه ولا لوقف تمدّده الإقليمي ولا تكسر ظهر طهران، لكنّها تشرّع الأبواب لتوجيه ضربات أشدّ عنفاً وتأثيراً بإضعافها القدرات الدفاعية لطهران وطاقتها على تصنيع المزيد من صواريخ “الفرط صوتية” والصواريخ البالستية.

القيود الأميركيّة

حدّدت القيود الأميركية سقف الضربة. تذرّع البيت الأبيض بأنّه لا يريد حرباً إقليمية إضافية إلى الحرب الأوكرانية عشيّة انتخابات أميركية حاسمة قد تطيح بحظوظ المرشّحة الديمقراطية لمصلحة المرشّح الجمهوري. ولا يحبّذ أزمة اقتصادية عالمية إذا ما أغلقت طهران مضيقَيْ هرمز وباب المندب، ويحاذر تحويل القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة إلى أهداف يومية للفصائل الغاضبة، وتعريض شركات النفط الغربية وأسعار الطاقة للخطر. وضبط إيقاعها بحجّة أنّ الفوضى في الشرق الأوسط تمثّل وصفة مثالية للصين كي تستثمر الحرب لمصلحتها أو تدخلها مضطرّة لحماية مواردها النفطية.

برّر البعض تفاديها بأنّ التهديد بـ”الخطر” الإيراني يمثّل حاجة أميركية لتطويع بعض الدول العربية واستنزاف خزائنهم وبيع السلاح ووعود الحماية، وبأنّ الخطوط تحت الماء لا تزال مفتوحة بين واشنطن وطهران.

بحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فإنّ “نتيجة التصويت بين دونالد ترامب وكامالا هاريس قد تكون لها آثار كبيرة على الخطط الإسرائيلية في إيران

بموجب قواعد العمل المتّفق عليها منذ عقود بين واشنطن وتل أبيب، يحقّ لإسرائيل أن تتدخّل في أوضاع دول الجوار القريب لممارسة نفوذها وتنفيذ معاركها الاستباقية. أمّا شؤون الدول الإقليمية الأخرى فذلك شأن أميركي صرف، لا سيما الدول الكبرى التي لديها أبعاد وعلاقات موثّرة في الإقليم أو العالم مثل إيران وتركيا والسعودية ومصر، مع أخذ الهواجس الإسرائيلية الأمنيّة في الاعتبار.

 إيران

الدّولة النّوويّة الوحيدة

لدى إسرائيل رغبة جامحة ومُعلنة في توجيه ضربة قاسية لايران تتجاوز ضرب المنشآت النفطية والنووية إلى إسقاط النظام نفسه وإبداله بنظام يغرّد في سربها على غرار نظام الشاه المخلوع. تريد أن تكون الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. لا تريد أن تمتلك أيّ دولة أخرى في المنطقة السلاح الفتّاك. ولا تريد “طوقاً” جديداً يحلّ محلّ دول الطوق العربية التي أخرجتهم من الصراع العربي الإسرائيلي، ولا من يحاصرها بـ”جيوش الممانعة والمقاومة” من كلّ الجبهات والجهات.

لكنّها تدرك أنّها لا تستطيع وحدها تنفيذ هذه المهمّة الصعبة والمعقّدة. لو كان في استطاعتها وحدها تدمير المفاعلات النووية الإيرانية على غرار ما فعلت بمفاعل “تموز” العراقي والمفاعل السوري، لفعلت ذلك منذ  زمن، ولما انتظرت إعلاناً من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليم بيرنز يقول فيه إنّ طهران قادرة على امتلاك القنبلة النووية في غضون أسبوع. وهي تدرك أيضاً أنّ جبهتها الداخلية المتعبة لا تحتمل ردّاً إيرانياً جديداً أقوى من الردّين السابقين، بعدما فقدت في عدوانها على غزة ولبنان أكثر من ألفَيْ قتيل وأضعافهم من الجرحى وفق المصادر الرسمية.

لا تستطيع إسرائيل أن تنفّذ رغبتها “بزلزلة” إيران إلّا بدعم أميركي كامل يوفّر لها السلاح اللازم والإمداد الكافي لتنفيذ الهجوم المزلزل والحماية الكاملة لجبهتها الداخلية الرخوة والدرع الحصين للوقاية من أيّ ردّ إيراني محتمل واستيعابه بأقلّ خسائر ممكنة. هذا الطموح الإسرائيلي تقابله “براغماتية” أميركية ترى أنّ تفعيل العقوبات والحصار وتشديدهما يمكن أن يؤدّيا إلى تغيير سياسة النظام الإيراني، أو إلى سقوطه إن لم يغيّر سياسته.

الضربة الإسرائيلية على إيران لم تكن “مزلزلة” كما توعّد نتنياهو، ولم تكن فتّاكة كما هدّد وزير حربه غالانت

لكنّ نتنياهو المستند إلى غالبية نيابية مريحة أشدّ تطرّفاً منه والمدعوم من مجتمع إسرائيلي يمجّد القوّة والانتقام، قال يوم الخميس في حفل تخريج ضبّاط جدد بالجيش إنّ “الهدف الأسمى الذي أعطيته لقوات الدفاع الإسرائيلية وفروع الأمن هو منع إيران من الحصول على سلاح نووي”. وأكّد أمام نواب حزبه أنّ الهجوم الذي نفّذته القوات الجوّية الإسرائيلية على إيران، يوم السبت الماضي، “لم ينتهِ بعد، وسيكون له استمرار”، مضیفاً أنّ “من يعتقد أنّ ضربة واحدة كافية لإنهاء الأمر فهو مخطئ”.

بعد “اليوم الكبير”

ينتظر يوم الثلاثاء الكبير في أميركا ليقرّر خطوته “الإيرانية” التالية. وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فإنّ “نتيجة التصويت بين دونالد ترامب وكامالا هاريس قد تكون لها آثار كبيرة على الخطط الإسرائيلية في إيران”. وبحسب الصحيفة، إذا كانت الإدارة لهاريس فقد يكون لديها “قدر أكبر قليلاً” من الإمكانات لكبح جماح إسرائيل، وفي المقابل “سيناريو ترامب يرجّح أن يشجّع جهود إسرائيل على المضيّ قدماً بشكل أكثر عدوانية دون أيّ قيود”. وذكّرت الصحيفة بمضمون مكالمة هاتفية مع نتنياهو في وقت سابق هذا الشهر، عرض فيها ترامب دعمه للحروب في لبنان وغزة وإيران، قائلاً لرئيس الوزراء: “افعل ما يجب عليك فعله”.

كان الرئيس الأميركي السابق انتقد الجهود الدبلوماسية لتقييد طموحات إيران النووية، وهو ما تجسّد في قراره عام 2018 بسحب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران بناء على إلحاح نتنياهو نفسه ونصائحه.

إقرأ أيضاً: هل تلجأ إيران إلى “سلاح” مضيق هرمز؟

لكنّ الخطر الأكبر ليس في هاريس ولا ترامب، وإنّما في جو بايدن نفسه، ذلك أنّ الرئيس الحالي سيتحرّر بعد إقفال صناديق الاقتراع في ليل 5 تشرين الثاني الجاري من كلّ الأعباء الانتخابية والسياسية ليمنح إسرائيل أكبر هديّة كانت تتمنّاها بالسماح لها بتوجيه الضربة الأكثر إيلاماً لطهران، بعدما خدم مصالح الدولة العبرية طوال نصف قرن، وأطلق على نفسه لقب “أنا صهيوني”. فهل تكون المدّة الفاصلة بين انتهاء الانتخابات وموعد دخول الرئيس الجديد البيت الأبيض، المسمّاة بفترة “البطّة العرجاء”، أخطر أيّام الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين؟

مواضيع ذات صلة

وقف حرب لبنان: ركيزة الحاضنة العربيّة؟

لماذا يعطي بنيامين نتنياهو هدية لإدارة راحلة في وقت يسعى بما أوتي من تأثير إلى أن يخسر الديمقراطيون الانتخابات الرئاسية الثلاثاء المقبل؟ بعد الخيبة من…

… وتعود الكرة إلى ملعب “أبو مازن”

هذا ما سيحدث عاجلاً أم آجلاً: قد تتبلور حلول لجبهة الردّ والردّ على الردّ، وإن لم تكن نهائية وحاسمة، لكنّها وفق كلّ المؤشّرات ستظلّ محصورةً…

هل تدركون ماذا يعني 1 تشرين الثاني الآن؟

 إنّه واحد تشرين الثاني 2024. اليوم الأوّل، من السنة الثالثة من الفراغ الرئاسي الرابع في ما بقي من دولة لبنان. وللمصادفة، هو عيد جميع القدّيسين،…

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

لم تكن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط، حيث حلّ في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من تشرين الأوّل 2024، مجرّد “زيارة دولة” عاديّة التقى خلالها…