قاسم أميناً عامّاً: مرحلة “الحَرَس” الانتقاليّة؟

مدة القراءة 5 د

يبتسم أحد الذين عرفوا الرجليْن، وهو يقرأ بيان “الحزب”: الشيخ نعيم قاسم حاملاً لراية السيّد حسن نصرالله! يكاد يتمتم ما يدركه، وهو أن لا شيء مشتركاً تقريباً بين الاثنين.

 

السيّد ابن حركة “أمل” فعليّاً، أي ابن “أفواج المقاومة اللبنانية”، كما ظلّ أبو عمّار يتباهى بأنّه هو من اقترح تسميتها على الإمام الصدر، قياساً على تسميته “فتح”. فيما الشيخ فعليّاً هو ابن “حزب الدعوة الإسلامية”، أوّل أمميّة شيعية قائمة على “ولاية الأمّة”، قبل أن يتحوّل إلى ولاية الفقيه.

السيّد صاحب الشخصية المنفتحة والبسمة العفوية والبساطة العامليّة الأصيلة. الشيخ صاحب ما هو عكسها تماماً، حتى كان إخوانه “يتّهمونه” بأنّه يمثّل بورجوازية الحزب في مظهره وملبسه وكلّ تفصيل في حياته.

وضع السيّد “الوثيقة السياسية” الجديدة عن مبادئ “الحزب”، مُدخلاً لبنان إلى أدبيّاته وقاموسه وفكره ويوميّاته. ردّ الأمين العامّ الجديد على “الوثيقة” بأنّها لا تغيّر حرفاً واحداً من وثيقة 1985، تلك التي أكّدت، وعاد وأكّدها قاسم في كتاباته، خصوصاً كتابه المرجع “حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل”، “أنّنا أبناء أمّة “حزب الله” نعتبر أنفسنا جزءاً من أمّة الإسلام في العالم، التي نصَر الله طليعتها في إيران، وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم”.

قبل نحو عقد ونصف كاملين، وفي حمأة ذات انتخابات نيابية، نبش البعض للسيّد خطاباً قديماً يتحدّث فيه عن الشيعة في كسروان وغيرها وعن عودتهم إليها وعودتها إليهم، كما عن أنّ مشروعه هو دولة الإسلام. بعد أيام قليلة خرج السيد بخطاب جديد تحدّث فيه صراحة عن خطابه القديم المنبوش، ليعلن جهراً أنّ الفكر يتطوّر وأنّ الإنسان يتطوّر، وأنّ ما يعتنقه في فترة معيّنة يتغيّر ويتبدّل ما لم يكن من ثوابت الإيمان.

فيما قاسم، وبعد خمسة أعوام على وثيقة “الحزب” السياسية، بمنسوبها اللبناني البسيط، عاد فأصدر كتابه “الوليّ المجدّد”، ليشدّد مجدّداً على “الحكم الإسلامي” و”المجتمع الإسلامي” وعلى مقولات الثمانينيات.

الشيخ نعيم قاسم حاملاً لراية السيّد! يكاد يتمتم ما يدركه، وهو أن لا شيء مشتركاً تقريباً بين الاثنين

التّمايز في الممارسة

حتى في الممارسة العملية، يقول الذي يعرف الرجلين إنّه على الرغم من أقدميّة الشيخ على السيّد حزبيّاً، وعلى الرغم من أنّه كان نائباً لسلفه السيّد عباس الموسوي، ظلّ جميع من في الحزب يعرف ويدرك أنّه ليس الرجل الثاني في “حزب السيّد”. إذ سرعان ما صارت هذه الصفة ملاصقة للسيّد هاشم صفيّ الدين، من موقع “رئيس حكومة الحزب”. فيما ترك للشيخ قطاع إنتاج النوّاب والوزراء. وهو ما يتندّر به وحوله “جهاديّو الحزب” لمن يدرك أنّ “الحزب” فعليّاً حزبان: كلّ ما هو ظاهر، وخصوصاً في السياسة من مجرّد وسائل. وكلّ ما هو باطن في “المجلس الجهادي” من قرار وتنفيذ، مع استثناءات قليلة جدّاً تربط بين “الحزبين” لم يكن الشيخ أحدها.

قاسم

ماذا يعني كلّ ذلك؟ كيف التوفيق بين اختيار “أصوليّ حزبيّ” للأمانة العامّة، وبين أن يكون غير فاعل حزبياً طوال الفترة السابقة؟

جواب العارفين أنّها مرحلة انتقالية. والأهمّ أنّها مرحلة إدارة إيرانية “حَرَسيّة” مباشرة، تماماً كما كشف وزير الخارجية الإيراني أنّه ترك ممثّلاً له مقيماً بشكل دائم في بيروت، كذلك فعل “الحرس”، بل هكذا كانوا دوماً يفعلون، من مسؤول “الحرس” محمد رضا زاهدي، الذي سقط في ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي كان في “شورى الحزب”، إلى نيلفوروشان الذي سقط مع السيّد في بيروت.

مع فارق الآن أنّ السيّد لم يعد هنا، لا بقامته ولا “مَوْنته” ولا شرعيّته اللبنانية والإقليمية وحتى الإيرانية، وهو ما اقتضى أن تصبح الإدارة إيرانية مباشرة، بواجهات محلّية معلنة.

 قاسم، وبعد خمسة أعوام على وثيقة “الحزب” السياسية، بمنسوبها اللبناني البسيط، عاد فأصدر كتابه “الوليّ المجدّد”

هذا ما يفسّر ظواهر كثيرة تسود حالياً في لغة من يزعمون التحدّث باسم “الحزب”. وهو ما لم يكن أيّ منها قائماً أو مسموحاً في زمن السيّد، كأنّ هناك توجّساً “حَرَسيّاً” من كلّ شيء وكلّ إنسان، وبالتالي هناك توجّه “حَرَسيّ” لافتعال مشكل مع كلّ شيء وكلّ طرف وكلّ شخص في لبنان:

أزمة مع السُّنّة على خلفيّة “احتلال” بيروت بذريعة النزوح. وأزمة مع المسيحيين بحجّة أنّ سمير جعجع استكمل جيشه الأميركي لاجتياح إيران. فيما إيران على سمن وعسل مع الأميركيين. وأزمة مع الدروز على استحضار صورة شويّا أو سرقة تمثال المير مجيد. وحتى ربّما أزمة مع الرئيس نبيه بري على فوبيا المكابرة والإنكار.

إقرأ أيضاً: الشّيعة للّبنانيين: نحن بخير طمّنونا عنكم

قبل أيام قال فارس سعيد إنّ لديه شعوراً بأنّ السيّد حسن نصرالله سقط ضحيّة عودته وإيمانه ودعوته إلى “لبنان أوّلاً”. ذلك أنّه حين أبلغ برّي بموافقته على فصل جنوب لبنان عن غزة، تمهيداً لتسوية حملها ميقاتي إلى نيويورك، فجأة، وبعد 18 عاماً من تعقّبها له وملاحقتها لأثره بلا جدوى، عرفت إسرائيل فجأة مكان وجوده وتنقّله واجتماعه، فكان ذاك الجمعة من أيلول الأسود!

مواضيع ذات صلة

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….

رعب أوروبا من تقاطع ترامب وبوتين فوق سمائها

قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، لا تخفي عواصم في أوروبا قلقها من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يقوم ذلك القلق على شكّ…

“الميدان” الذي ننتظر “كلمته” يتمدّد من الخيام إلى إيران

“الكلمة للميدان” هي اللازمة التي تردّدها قيادة الحزب في تعليقها على جهود وقف النار في لبنان وشروط إسرائيل. بين ما يرمي إليه استخدام هذه العبارة…