“نيويورك تايمز”: الحزب “مشكلة الجميع”

مدة القراءة 6 د

حين شنّ الحزب في عام 2006 عملية عسكرية ضدّ إسرائيل أدّت إلى اندلاع حرب استمرّت 33 يوماً دمّرت مناطق من لبنان وأصابت إسرائيل بصدمة نفسية… انتهت بقرار من الأمم المتحدة كان من المفترض أن ينزع سلاحه ويبقي قوّاته بعيدة عن الحدود. لكنّ القرار لم يفعل أيّاً من الأمرين. وبدلاً من ذلك، فإنّ الجمع بين التمنّي الدولي وإرادة حماة الحزب في طهران، قادنا إلى ما نحن عليه اليوم ووضعنا على أعتاب صراع قد يطغى على حجم القتال في قطاع غزة.

هل يمكن تجنّب حرب شاملة؟ وهل يمكن أن تؤدّي دروس عام 2006 إلى نتيجة أفضل هذه المرّة؟ هذا هو السؤال الأكثر أهمّية، بحسب الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي في صحيفة “نيويورك تايمز” ورئيس التحرير السابق لصحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية بريت ستيفنز.

أهمّ دروس حرب عام 2006 بين إسرائيل والحزب، وفقاً لستيفنز، هي الآتية:

الدرس الأوّل: إنّ البراعة التكتيكية ليست بديلاً عن الاستراتيجية السليمة. ففي عام 2006، تمكّنت القوات الجوّية الإسرائيلية، بالاعتماد على معلومات استخبارية ممتازة، من تدمير العديد من صواريخ الحزب البعيدة المدى، التي كانت مخبّأة في كثير من الأحيان في المنازل، بحلول الليلة الثانية من الحرب. ساعدت الضربة في إنقاذ العشرات، إن لم يكن المئات، من أرواح الإسرائيليين. لكنّ إسرائيل لم تكن لديها أدنى فكرة عن كيفية إدارة الحرب بعد ذلك، باستثناء حملة القصف التي أثارت ضراوتها ضغوطاً دبلوماسية قويّة لإنهاء الحرب، إلى جانب التوغّل البرّي الإسرائيلي المتأخّر الذي دمّره الحزب بشدّة. فهل لدى إسرائيل خطّة أفضل اليوم؟

حين شنّ الحزب في عام 2006 عملية عسكرية ضدّ إسرائيل أدّت إلى اندلاع حرب استمرّت 33 يوماً دمّرت مناطق من لبنان وأصابت إسرائيل بصدمة نفسية

الدرس الثاني: الحزب ليس العدوّ الرئيسي لإسرائيل، بل إيران هي العدوّ وطهران هي رأس الأخطبوط، والحزب مثل حماس في غزة أو الحوثيين في اليمن ليس سوى أحد مخالبه. ومن خلال خوض الحرب مع الحزب تخاطر إسرائيل باستنزاف نفسها في معركة ثانوية. وهذا لا يعني أنّ إسرائيل تستطيع أن تتجاهل الحزب. فترسانته التي تضمّ ما بين 120 ألفاً إلى 200 ألف صاروخ وقذيفة تشكّل تهديداً خطيراً ومباشراً للجبهة الداخلية الإسرائيلية. لكنّ السبيل الوحيد لإسرائيل لاستعادة قوّتها الرادعة هو فرض التكاليف مباشرة على أسياد الحزب لأنّ طهران، لا بيروت، هي مركز الثقل الحقيقي في هذه المعركة.

لا تهاجموا بقيّة اللبنانيّين

الدرس الثالث: لا تجعلوا الشعب اللبناني عدوّاً لكم. باستثناء معاقله الشيعية، تظهر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد الباروميتر العربي أنّ الحزب لا يحظى بشعبية بين أغلب اللبنانيين. ولسبب وجيه: فقد اختطف الحزب بلدهم، وقتل زعماءهم المحبوبين، وحوّل جزءاً كبيراً من البلاد إلى هدف، وخصّص مواردها لبناء بنية تحتية عسكرية هائلة في وقت انهار فيه الاقتصاد الوطني. لا تستطيع إسرائيل أن تأمل تحويل لبنان إلى “حليف”. فقد مات هذا الخيال باغتيال سوريا لبشير الجميّل، الرئيس اللبناني المنتخب المتحالف مع إسرائيل، في عام 1982. لكن ينبغي لها ألّا تكرّر خطأ عام 2006 المتمثّل في محاولة خلق الردع من خلال إظهار القوّة الغاشمة لأنّ الضربات الهادفة التي أظهرتها هجمات الأسبوع الماضي على أجهزة البيجر هي أكثر فعّالية بكثير في محو هالة الحزب، باعتباره لا يُقهر.

الحزب ليس العدوّ الرئيسي لإسرائيل، بل إيران هي العدوّ وطهران هي رأس الأخطبوط، والحزب مثل حماس في غزة أو الحوثيين في اليمن ليس سوى أحد مخالبه

لا تثقوا بالقوّات الدّوليّة.. بل بالنّاتو

الدرس الرابع: لا تدع الأمم المتحدة تتدخّل. من الناحية النظرية، أجاز قرار مجلس الأمن 1701، الذي أنهى حرب 2006، إنشاء قوّة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لمنع الحزب من وضع قوّاته بالقرب من الحدود الإسرائيلية. في الواقع، لم تفعل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة شيئاً من هذا القبيل. وإذا أرادت الولايات المتحدة أو أوروبا إنشاء منطقة عازلة بين إسرائيل والحزب، فعليهما نشر قوّاتهما تحت علم الناتو، أو ربّما دعوة الدول العربية إلى إرسال قوات. وإلّا فإنّ إعادة إنشاء المنطقة الأمنيّة التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب لبنان والتي كانت قائمة من عام 1985 إلى عام 2000، على الرغم من كلّ المشاكل الطويلة الأجل التي تطرحها، قد تكون البديل الأقلّ سوءاً.

من المغري النظر إلى المعارك المختلفة التي تخوضها إسرائيل باعتبارها شؤوناً إقليمية بعيدة عن الاهتمامات المركزية لأميركا

دور أميركا مساعدة إسرائيل

الدرس الخامس: إنّ دور الولايات المتحدة في الأزمة ليس البحث عن حلّ دبلوماسي، بل مساعدة إسرائيل على الفوز. حتى هجمات القاعدة في 11 أيلول 2001، لم تقتل أيّ جماعة إرهابية أميركيين أكثر ممّا قتله الحزب. كانت الضربة التي شنّتها إسرائيل الأسبوع الماضي في بيروت، والتي قتلت قائد الحزب إبراهيم عقيل، بمنزلة انتقام للهجمات التي شُنّت هناك عام 1983 على السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية، والتي لقي فيها 258 أميركياً حتفهم. في وقت لاحق، واصل الحزب قتل وتجويع أعداد لا حصر لها من السوريين من خلال مساعدة بشار الأسد في القمع الدموي لشعبه. يجب عدم نسيان هذه الجرائم أو العفو عنها. وليس من مصلحة الغرب أن تحتفظ جماعة معادية ذات علاقات وثيقة بشكل متزايد بالكرملين، بسيطرة فعّالة على دولة متوسّطية بينما ترهب جوارها. إلى جانب المصلحة الإسرائيلية في تأمين الحدود ضدّ محور المقاومة في طهران، سيكون من مصلحة الولايات المتحدة كبح توسّع ما أسمّيه “محور القمع”، وهي مجموعة أكبر تضمّ إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية.

دور الولايات المتحدة في الأزمة ليس البحث عن حلّ دبلوماسي، بل مساعدة إسرائيل على الفوز

الدرس السادس: من المغري النظر إلى المعارك المختلفة التي تخوضها إسرائيل باعتبارها شؤوناً إقليمية بعيدة عن الاهتمامات المركزية لأميركا. وهو أمر خاطئ أيضاً. فنحن الآن في المراحل الأولى من صراع آخر بين العالمين الحرّ والعالم غير الحرّ. وهو صراع يمتدّ من حدود النرويج مع روسيا إلى نضال الشعب الإيراني ضدّ حكومته إلى مياه بحر الصين الجنوبي. ومن المرجّح أن يستمرّ لعقود من الزمان. وفي هذه المعركة، بين إسرائيل من جانب والحزب من جانب آخر، ومهما حدث في الأيام والأسابيع المقبلة، لا يمكننا التظاهر بالحياد بين الجهتين.

إقرأ أيضاً: إعلام أميركا وبريطانيا: الـPager مهّد لحرب شاملة

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…