لماذا عادت “الخماسية” إلى حراكها الرئاسي أقله إعلامياً؟ هل هذا الحراك يحمل في طياته فرجاً في الملف الرئاسي أم أنه حراك من أجل الحراك في الوقت الضائع؟
دفعت ثلاث إشارات دول الخماسية وسفراءها إلى استعادة علانيّة حراكهم مجدّداً، عوضاً من دبلوماسية الكواليس، وهي:
1- تمديد مهمّة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني “اليونيفيل”، مدّة سنة إضافية دون أي تعديل.
2- إعلان جميع الأطراف اللبنانية، سواء عن قناعة، أو عن ضرورة لتمرير مرحلة، شرعية القرار 1701، وضرورة الاحتكام إليه وتنفيذه.
3- الأجواء الإيجابية على طاولات المفاوضات الإيرانية – الأميركية، حيث شكّلت موافقة المرشد الإيراني على ضرورة مواصلة المفاوضات مع الشيطان الأكبر، نقطة تحوُّل مهمّة في متن مجريات الوقائع السياسية الآنيّة التي تتحكّم بالمنطقة، ومن الممكن أن تنعكس انفراجاً على عدد من الساحات الإقليمية، ومنها الساحة المحلّية اللبنانية.
حراك الأحقّيّات اللبنانيّة
لم تفرمل الخماسية جهودها في مساعدة لبنان على تخطّي أزمته. لم تتوانَ عن تحفيزه ودعمه في ضرورة إنجاز الاستحقاق الدستوري الأوّل وفي إنهاء الفراغ الرئاسي. لكن ساهم ربط انتخاب الرئيس عمليّاً مع حرب غزة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على الرغم من نفي القوى المؤثّرة والمتحكّمة ميدانياً، أي الحزب ومن بعده محور الممانعة، وجود هذا الترابط بين الحرب الدائرة في قطاع غزة والانتخابات الرئاسية، في تصفير كلّ الخطوات، وفي ركود وتجميد “حراك الأحقّيات اللبنانية” وكلّ ما هو نافع ومستدام لبنانياً.
نشطت الخماسية في كواليسها بشكل مستمرّ. جعلت مسارها بينيّاً، بعدما انحرفت الأولويّات ناحية الحرب والأحداث الجارية. حُولت مهامّ اللجنة الخماسية من كونها رئاسية حصريّة إلى مسؤولية حماية لبنان، فدعت إلى تطبيق القرارات الدولية. أضحت على مدى أشهر الحرب الدرع والقبّة المانعة من خلال فعّالية دولها. سعت إلى عدم انفلاش المعركة على كامل الجغرافيا اللبنانية.
تنطلق كلّ هذه المبادرات من معقولية حصول خرق توافقي غير انشطاري، وغير مؤذ لأيّ طرف، يتماشى مع التموضعات التشريعية
لم تقتنع الخماسية جوهرياً بتعليق الملفّات اللبنانية على توقيت حرب غزة. لكنّها ليست الطرف المقرّر. إنّما هي لجنة صديقة وناصحة للبنان. لذلك احتوت كلّ اللقاءات المتعلّقة بلبنان منذ بداية المعركة إلى الآن، سواء كانت بين سفراء الخماسية في لبنان أو في الخارج بين دول أعضاء الخماسية في عواصمها أو داخل أروقة المنظّمات الدولية والأممية، موضوع وجوبية الاستحقاق الرئاسي وإلزامية تحقيقه وتمريره في أسرع وقت ممكن.
على خلفية ذلك، عملت الخماسية على ضرورة فصل لبنان عمّا يجري في قطاع غزة من خلال عدّة نقاط:
– الأولى ميدانياً: التقيّد بقواعد الاشتباك، على الرغم من عدم اقتناعهم بها، لكنّها أفضل من أجل تفادي خطورة الحرب الشاملة.
– الثانية: كرّست تعاون الشرعيات الوطنية والعربية والدولية. اعتبرت استقرار لبنان أولويّة الأولويّات لكونه حاجة عربية وإقليمية مهمّة، ودولية لا بديل عنها. تعوّل على الحكومة والإدارات في لبنان على الرغم من فشلها وضعفها. تقاطعت كلّ المواقف والأهداف على عدم سقوط لبنان على الرغم من اختلاله، بالحفاظ على نظام لبنان 1920 وجغرافيّته الموحّدة ودستور الطائف.
– ثالثاً: تقدّر الخماسية أنّ السبيل الوحيد في تحقيق هذه الخطوات هي دعم لبنان الدولة والمؤسّسات وتكريس الشرعتين الوطنية اللبنانية والأممية الدولية والعربية، الضامنة استمرارية الدولة وطنياً عبر تطبيق الدستور والقوانين اللبنانية، والشراكة الدولية والإقليمية عبر امتثاله وتطبيقه القرارات الدولية، وأن يكون جزءاً من الإجماع العربي، الذي يعكس في الحدّ الأدنى عبر استمرارية مؤسّساته، وعدم الوقوع في فراغ السلطات وتهشّم الدولة.
النّفعيّات والضّروريّات الملحّة
اعتمدت الخماسية في أدائها على النفعيات والضروريات الملحّة. وضعت في حسبانها فرضيّات الساعة. جعلتها في خدمة الهدف الجوهري لها، مع الحفاظ على الحدّ المقبول من الاستقرار المجتمعي والسياسي بين الأفرقاء في لبنان. انتقلت من المهمّ إلى الأهمّ. لكنّها جعلت الثانية في خدمة الأولى. جعلت السياسة في خدمة الأمن. لكنّها نصحت بأنّ تحقيق الأمن لن يكون من دون مناعة سياسية تامّة على المستوى المحلي، وحضور دولي وإقليمي فاعل.
دفعت ثلاث إشارات دول الخماسية وسفراءها إلى استعادة علانيّة حراكهم مجدّداً، عوضاً من دبلوماسية الكواليس
تتحقّق الأولى عبر تحصين الشراكة اللبنانية مع المجتمع الدولي والمنظومة الدولية الفعّالة، عبر تطبيق وتنفيذ القرارات الدولية. حيث كان تمديد مهامّ اليونيفيل، المدخل الإلزامي لذلك. وتتمثّل الثانية في اكتمال حلقات المؤسّسات السياسية والدستورية اللبنانية، وملء فراغاتها وشغورها، خصوصاً في المقام الأوّل، أي “رئاسة الجمهورية”.
لودريان في بيروت..
على الرغم من وجود العراقيل الآنيّة، وتأزّم لغة الحوار ترى الخماسية متغيّرات، من تأخّر الوصول إلى هدنة ووقف إطلاق نار في غزة، إلى تمديد مهمّة اليونيفيل وتحديد طرائق الحلّ اللبنانية الدولية والوطنية. ومن الممكن أن تحمل هذه الإشارات في طيّاتها زخماً وضغطاً إيجابياً وتحقيق التفاتة لبنانية خالصة.
تتابع الخماسية نشاطها المحلّي والدولي في الكواليس وعلى العلن. تترافق هذه المروحة مع الحراك الدولي بين الدول والحكومات في مختلف عواصم المدن المؤلّفة للخماسية. تتحضّر في هذا الصدد زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبيروت في المرحلة المقبلة. إنّها زيارة محدّدة ومؤكّدة الحصول في المضمون والشكل، لكنّها إلى الآن غير محدّدة اليوم والتاريخ والوقت. يمكن أن تكون خلال أيام أو أسابيع. لكنّها ستحصل متزامنة غير متتابعة مع جولة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان على دول الخماسية في المنطقة العربية (المملكة العربية السعودية، قطر، مصر).
إقرأ أيضاً: هل يصوّت الحزب ضدّ ترامب.. برئيس في بعبدا؟
تنطلق كلّ هذه المبادرات من معقولية حصول خرق توافقي غير انشطاري، وغير مؤذ لأيّ طرف، يتماشى مع التموضعات التشريعية فيما بين الكتل النيابية اللبنانية وبعض النواب المستقلّين والملتزمين سابقاً، ومع إمكانية ظهور كتل جديدة، وخيارات تشريعية ثالثة قد تكون وسطية تتوسّط المعارضة والممانعة وتضفي بعض المرونة على ملاءة تمرير الاستحقاقات الدستورية وإنجاح اللعبة الديمقراطية.
يزيد هذا الخرق إمكانية طرح الاستحقاق الرئاسي من جديد بشكل معقول. يتلاقى هذا المفهوم مع مقصد الخماسية الأساسي، وهو فكرة الخيار الثالث الرئاسي. فهل يساهم الخيار التشريعي الرئاسي في تزخيم حلّ الخيار الرئاسي الثالث؟ وهل يكون عاملاً مساعداً للفريق الخماسي في نجاح مهمّته في انتخاب الرئيس؟
لمتابعة الكاتب على X: