حاجة إيران إلى ابتسامة ظريف… لكسب الوقت

مدة القراءة 6 د

استعادت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ابتسامة وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي عاد عن استقالته من موقع مساعد رئيس الجمهوريّة للشؤون الاستراتيجية. الأكيد أنّ تلك العودة لم تكن ممكنة لولا رضا “المرشد” علي خامنئي الذي مكّن “الإصلاحي” مسعود بزشكيان من أن يكون رئيساً للجمهوريّة خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. فاز بزشكيان على المتشدّد سعيد جليلي بعدما وعد الإيرانيين بأنّه سيسعى إلى الانفتاح على العالم. إنّه عنوان مغرٍ لحدث ينتظره المواطن الإيراني العاديّ بفارغ الصبر.

ما الذي جعل خامنئي يغيّر موقفه من ظريف الذي في سجلّه النجاح في التوصّل إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الذي وقّع صيف عام 2015 قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية باراك أوباما؟

يبدو واضحاً أنّ القيادة الحاليّة في إيران تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في الخامس من تشرين الثاني المقبل. تحتاج إلى شخص مثل محمّد جواد ظريف يعرف الولايات المتحدة جيّداً ويجيد التعاطي مع إدارة ديموقراطيّة برئاسة كامالا هاريس التي تتقدّم بثبات على المرشّح الجمهوري دونالد ترامب. تشير كلّ المعلومات الواردة من العاصمة الأميركيّة إلى أنّ هاريس، ذات الخبرة المتواضعة في ملفّات السياسة الخارجيّة، ستكون تحت تأثير باراك أوباما الذي لم يخفِ يوماً إعجابه بإيران من جهة، وحصره الإرهاب بالسُّنّة العرب من جهة أخرى. تمتلك فاليري جاريت، المولودة في إيران، نفوذاً كبيراً على أوباما وزوجته ميشيل. لديها علاقة تاريخية بهما ولم تخفِ يوماً إعجابها بالحضارة الفارسيّة متجاهلة كلّيّاً العداء الذي يكنّه نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” لكلّ ما هو أميركي في هذا العالم.

يبدو واضحاً أنّ القيادة الحاليّة في إيران تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في الخامس من تشرين الثاني المقبل

ردّ الحزب… و”لا ردّ” إيران

لم يعد خافياً أنّ الخيارات الإيرانيّة باتت محدودة، خصوصاً في ظلّ الرغبة الواضحة في تفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. يفسّر ذلك الردّ المدروس للحزب على اغتيال فؤاد شكر أحد أبرز قياديّيه بواسطة مسيّرة إسرائيلية استهدفته في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. كذلك لا بدّ من التوقّف عند أنّ إيران لم تردّ بعد على اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في أثناء وجوده في طهران بحماية “الحرس الثوري” وضيافته. قد لا تردّ إيران، على الرغم من الكلام الصادر عن المصادر الرسميّة الأميركيّة عن استعدادات لمثل هذا الردّ. حتى لو ردّت “الجمهوريّة الإسلاميّة”، من زاوية المحافظة على ماء الوجه، سيكون ردّها مدروساً ومن نوع ذلك الذي قامت به في نيسان الماضي ردّاً على مقتل عدد من قياديّي “فيلق القدس” في ضربة إسرائيليّة استهدفت القنصلية الإيرانيّة في دمشق.

يمكن القول إنّ الخيارات الإيرانيّة صارت محصورة بالرهان على وصول كامالا هاريس إلى البيت الأبيض. ستكون المعركة بينها وبين دونالد ترامب حامية جدّاً. يظلّ أهمّ ما في الأمر أنّ دخولها البيت الأبيض رئيسةً للولايات المتحدة سيريح “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي ستكون في حاجة إلى خبرة محمّد جواد ظريف الذي عرف دائماً كيفية التعاطي مع رجالات إدارة أوباما، وفي مقدّمهم وزير الخارجيّة جون كيري. هذا لا يعني انتفاء الحاجة الإيرانيّة إلى محمد جواد ظريف في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاً أنّ وزير الخارجية الإيرانيّ السابق يمتلك خبرة واسعة في الشأن الأميركي، مع تفضيله في طبيعة الحال بقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض، من خلال نائبة جو بايدن كامالا هاريس، بدل عودة ترامب إليه.

لم يعد خافياً أنّ الخيارات الإيرانيّة باتت محدودة، خصوصاً في ظلّ الرغبة الواضحة في تفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل

حاجة إيران لكسب الوقت

في كلّ الأحوال، لدى إيران لوبي في غاية الأهمّية في الولايات المتحدة. عمل هذا اللوبي دائماً لمصلحة “الجمهوريّة الإسلاميّة”، لكنّه لم يستطع تجنيبها العقوبات التي وضعتها عليها الإدارات المختلفة ولم يستطع منع ترامب من تمزيق الاتفاق في شأن الملفّ النووي واتّخاذه قراراً بتصفية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني مطلع عام 2020.

تسمح عودة محمّد جواد ظريف إلى الواجهة لإيران بكسب الوقت، خصوصاً أنّ حرب غزّة سمحت لها بخوض حروب أخرى بواسطة أدواتها في المنطقة، أكان ذلك في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن. ابتلعت “الجمهوريّة الإسلاميّة” لقمة كبيرة تحتاج إلى وقت طويل لهضمها. صحيح أنّ النظام السوري متردّد في الاستجابة لكلّ طلباتها، خصوصاً في ما يخصّ لعب دور في “إسناد حرب غزّة”، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ مرحلة ما بعد حرب غزّة كشفت مدى السيطرة الإيرانيّة على لبنان والعراق. لم يعد موضوع تحوّل لبنان مستعمرة إيرانيّة موضوع نقاش. في الوقت ذاته، نجد حالياً رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني يزور تونس في مهمّة إيرانيّة بعدما تحوّل رئيسها قيس سعيّد، بطريقة أو بأخرى، إلى عضو فاعل في “جبهة الممانعة”… وبعدما صار المواطن الإيراني الذي يريد زيارة تونس معفى من التأشيرة.

تسمح عودة محمّد جواد ظريف إلى الواجهة لإيران بكسب الوقت، خصوصاً أنّ حرب غزّة سمحت لها بخوض حروب أخرى بواسطة أدواتها في المنطقة

ليس تغييراً حقيقيّاً

ليس مَن هو أفضل من محمّد جواد ظريف لاستخدامه في كسب الوقت في هذه المرحلة بالذات في ظلّ رئيس “إصلاحي” اسمه مسعود بزشكيان يستطيع التباهي بتعيين سنّيّ نائباً لرئيس الجمهوريّة للشؤون الريفيّة.

يظلّ السؤال الحقيقي: هل يحصل تغيير حقيقي في إيران يوماً ما، بغضّ النظر عن وضع ابتسامة محمد جواد ظريف في الواجهة أو حجبها؟

الجواب أنّ التغيير لا يكون عبر العودة إلى الاستعانة برجال مثل وزير الخارجية السابق. التغيير يكون على الأرض عندما تتوقّف “الجمهوريّة الإسلاميّة” عن الاستعانة بأدواتها، أي بميليشياتها المذهبيّة، لتخريب هذا البلد العربي أو ذاك وصولاً إلى تحويل جزء من اليمن موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة.

إقرأ أيضاً: توقيت طهران لانفراد الحزب: لبنان لن يتأثّر بالرّدّ الإيرانيّ

باختصار، ثمّة حاجة إلى رؤية تغيير على الأرض، أكان ذلك في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، قبل القول إنّ إيران تغيّرت بالفعل… ولم تتغيّر ظاهراً من أجل كسب الوقت في لعبة مكشوفة تستهدف، بين ما تستهدفه، تطوير برنامجها النووي وصنع قنبلة… والبحث عن طريقة لعقد صفقة مع أميركا وليس مع أحد غيرها!

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…