إيران تدعم هاريس بمواجهة ترامب

مدة القراءة 7 د

يهتمّ النظام الإيراني كثيراً بالاستحقاق الرئاسي الأميركي. تخلّف نتيجته آثاراً جمّة على بلاد فارس، في الاقتصاد والحالة النقدية، وترسم ملامح الصورة العسكرية والميدانية الشاملة.

 

تستحوذ الدورة المرتقبة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في إيران على اهتمامين:

1- جانب القادة السياسيين التنفيذيين والتشريعيين والدبلوماسيين في النظام الإيراني، أي رئيس الجمهورية والجسم الوزاري المعاون، إضافة إلى السلطة التشريعية، أي البرلمان الإيراني.

2- الدولة العميقة المتمثّلة بالمرشد وإدارات الحكم الحقيقية (مجلس صيانة الدستور، مصلحة تشخيص النظام، مجلس خبراء القيادة، الحرس الثوري).

يتوجّس النظام الإيراني من وصول دونالد ترامب مجدّداً إلى البيت الأبيض. يتهرّب من سياسة “الضغوط القصوى” التي كانت حازمة ومؤذية، لكنّها غير صارمة. يقتنع بعدميّة حزم الإدارة الديمقراطية الثانية. ذلك ما يدغدغ إيران كثيراً من حيث التوسّع في طموحاتها. تبتغي الحفاظ على “شعرة التوازنات الواقعية مع السياسة الأميركية”. تسعى إلى عدم التفريط بسياسات الوساطات والاتفاقات الإقليمية وحتى الدولية. ولا يتمّ هذا الأمر إلا مع استمرار الإدارة الديمقراطية في الحكم.

لهذه الأسباب تفضّل إيران المرشّح الديمقراطيّ

تعتبر إيران أنّ فوز المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس مكسب جيّد:

1- يلائم في أحكام ظرفية نظام الثورة الآنيّة، وسلاسل الحكم داخل الجغرافيا الإيرانية وخارجها، في المجال الحيوي المتآلف مع تصدير الثورة.

2- يساعد في الحفاظ على البيئة الحاضنة الإيرانية المتكاملة، من أجل استمرار نموذجها، والحفاظ على مكتسباتها الإقليمية والدولية، وتحصين داخلها.

3- تكسب الأرجحية في كلّ الأمور، مقارنة مع التحدّيات واللامتوقّعات السياسية التي ترسيها عودة ترامب إلى الحكم.

رهان إيرانيّ على سياسة الخطوات المحسوبة

تراهن إيران على سياسة الخطوات المحسوبة، التي انتهجتها الإدارة الديمقراطية مع الرئيس الحالي جو بايدن. تأمل استمرارها مع خليفته. إنّها المعادلة الأصلح من وجهة النظر الإيرانية، مع تولّي الإصلاحيين الحكم في طهران.

تريد إيران شخصية طبق الأصل عن بايدن تكون عوضاً عنه. تعود الحجّة السببية في ذلك إلى مجموعة من الأساليب السياسية المحبّبة ديمقراطياً التي استفاد منها النظام الإيراني.

تعتبر إيران أنّ فوز المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس مكسب جيّد

نظريّة “الانخراط الواقعيّ”

أبرز تاريخ الحزب الديمقراطي الأميركي في الممارسة ميلاً واضحاً إلى اعتماد لغة الحوار مع إيران. يدعم نظرية “الانخراط السياسي الواقعي” مع نظام الثورة. يسعى إلى الانتقال معها من سياسة المواجهة إلى سياسة الاحتواء والتعاون فيما بعد. هذا ما ترتكز عليه مؤسّسات الحكم الإيرانية، إذ تجد فيه نهجاً:

1- يناسب مصلحة نظام الحكم وملاءة ثورتها واستمراريّتها.

2- يعوّمها دبلوماسياً بشكل آمن، ويبقيها على تماسّ مع الدول الكبرى، ويحقّق لها التسرّب إلى المنابر الدولية.

3- يريحها ويكسبها المزيد من الوقت لكي تمارس ألاعيبها من خلال الثغرات وضعف القرارات.

4- يضمن لها تساهلاً بالتعامل مع العقوبات، ويساعدها في الهروب منها والالتفاف عليها، ويعينها على تكريس حالات الشلل في العديد من التدابير.

5- يرفع البعض من الأعباء الاقتصادية، ويقلّل من حدّة الخسائر، ويثبت إمكانية ولادة بيئة حاضنة وملائمة لها في الاقتصاد.

النظام الإيراني

إيران في العهد الديمقراطيّ “دولة العتبة النوويّة”

استطاعت إيران في العهد الديمقراطي الحالي تسويق نفطها الخام بنسب كبيرة لا بأس بها. استغلّت أيضاً عقم المفاوضات النووية، السرّية منها والعلنية، التي دخلتها مع إدارة بايدن. وبالتالي لن توقف كلّ أنشطتها، بل تواصل كلّ ممارساتها ومشروعها وحقّقت طفرة وقفزة كبيرتين لها، وأضحت في ذلك دولة “عتبة نوويّة”.

يُعتبر الديمقراطيون أكثر انفتاحاً من حيث إعادة التفاوض على الاتفاقيات التي تهدف إلى معالجة البرنامج النووي. لذا ترى إيران في فوز الحزب الديمقراطي الأميركي المحتمل في الانتخابات الرئاسية في واشنطن فوائد عديدة وفقاً للدلالات التالية:

– السير في نموذج تخفيف القيود والعقوبات، كما زيادة فرص دخول مفاوضات سرّية وعلنية.

– اتّباع النهج الأميركي الأقلّ تشدّداً وتقييداً مع طموحات إيران النووية.

– تمدّدها الثوري خارج الحدود الإيرانية.

يهتمّ النظام الإيراني كثيراً بالاستحقاق الرئاسي الأميركي. تخلّف نتيجته آثاراً جمّة على بلاد فارس

عانت إيران كثيراً إبّان عهد ترامب الرئاسي. كان وضعها صعباً جداً. واجهت متاعب سياسية ومالية شديدة. شارف اقتصادها على الانهيار. اقترب فيها التضخّم من معدّلات قياسية. فعلت العقوبات الترامبيّة فعلتها إذ ضغطت على الحكومة الإيرانية إلى حدّ أنّها أجبرت  قياداتها المركزية في طهران على اتّخاذ عدّة قرارات تدور في فلك تخفيف التمويل عن الحلفاء والأذرع. لذلك يمثّل وجود رئيس ديمقراطي أميركي آخر دفعاً إيجابياً في سيناريو مصالح إيران الاستراتيجية.

الهروب إلى الأمام

تهرب إيران من كابوس عودة ترامب التالية إلى البيت الأبيض عبر أملها أن يبقى النهج الديمقراطي. فتتفادى في ذلك أربعة متاعب:

1- فقدان التوصّل إلى اتفاق نووي أو استغلال بروتوكول المفاوضات في سبيل متابعة التخصيب، على الرغم من وجود عناصر إيرانية متشدّدة تحت عباءة المرشد لا تريد الاتفاق في الأصل.

2- تقليم أظافرها الشرق الأوسطية، والتضييق على أذرعها، ثمّ تقييد نفوذها الثوري الإقليمي.

3- ضرب نموذجها العسكري، وبرامج صواريخها وتطبيقات مسيّراتها.

4- الاستشراس في العقوبات الشاملة.

ترغب بوصول ديمقراطي مستحدث إلى البيت الأبيض من أجل:

1- الاستمرار في المراوغة والمفاوضات، مع إمكانية التوصّل بالتالي إلى نسخة جديدة من الاتفاق النووي (برجام 2). ويعدّ هذا مرجّحاً مع الإدارة الجديدة.

2- توسعة قواعدها الإقليمية، والازدياد في نفوذ أذرعتها العربية المختلفة.

3- الاستمرارية في تنمية وتيرة العسكرة، وتطوير برامجها اللوجستية الاستراتيجية.

4- التفلّت من العقاب الاقتصادي، وتصدير النفط، والاتفاق مع دول مختلفة تستطيع الهروب من العقوبات الأميركية المفروضة.

يتطلّع النظام الإيراني حتماً إلى أن يرأس “بايدن الثاني” الولايات المتحدة الأميركية. يشكّل انتخابه فرصة مهمّة لإيران

يتطلّع النظام الإيراني حتماً إلى أن يرأس “بايدن الثاني” الولايات المتحدة الأميركية. يشكّل انتخابه فرصة مهمّة لإيران، ولو اعتبرت جزئية وغير مكتملة، لكنّها مهمّة جداً. إذ تراهن دولة ولاية الفقيه على نوع من الاستقرار الإقليمي والدولي. يتبلور ذلك بشكل خاص عند بلوغ اليوم التالي من حرب غزة. تريد إيران الحفاظ على مكتسباتها الإقليمية ونفوذها الشرق الأوسطي، الممتدّ من البحر الأحمر إلى سواحل المياه الدافئة على المتوسّط، إضافة إلى حلقات الوصل البرّي لشبكيّة الأذرع العربية، وخريطة امتدادها الثورية داخل المنطقة العربية، وتحكّمها الحالي بالحرب الدائرة في فلسطين المحتلّة.

إقرأ أيضاً: كامالا هاريس: نقاط القوّة والضّعف

لا تودّ إيران مطلقاً التخلّي عن سياستها الخارجية. تهوى الحفاظ على النمطية الحالية المتماثلة في تعاملها مع الإدارة الأميركية. ترى في وجود إصلاحي في طهران أمراً وجوبيّاً لبقاء ديمقراطي في البيت الأبيض.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ElMehiedine

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…