من هو الرجل الذي قرّر المرشّح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب أن يكون نائبه في حملته الانتخابية النهائية؟ من هو جي دي فانس؟ هنا جولة على سيرته ونشأته وأصوله وتجاربه تظهر كيف انتقل من الفقر والمأساة، إلى النجاح الماليّ والتجاري، وصولاً إلى النبوغ السياسي.
استطاع الرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب أن يُصيبَ الرّئيس الحالي جو بايدن بضربتَيْن خلال أسبوع واحد. الأولى حينَ نجا من محاولة الاغتيال يومَ السّبت الماضي. فكادت الرّصاصة التي أخطأت رأس ترامب تُصيبُ في القلب بايدن المُنهك من مُناظرته مع ترامب. كانَ الرّئيس السّابق يجمع في صورةٍ واحدة الضّحيّة التي تُحاربها “الدّولة العميقة” والبطلُ الذي لا يخشى شيئاً.
أمّا الضّربة الثّانية فكانت باختيار جي دي فانس مُرشّحاً لمنصب نائب الرّئيس. وهذا الاختيارُ لا يقلّ سوءاً بالنّسبة للثّنائي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس عن مشهدِ الدّماء التي نَزَفت من أذنِ ترامب وهو يرفعُ قبضته عالياً إيذاناً بنجاته من محاولة الاغتيال. فزوجة فانس تُشاطر هاريس أصولها الهنديّة. والأهمّ أنّها تُشاطرُ بايدن وهاريس الميول الدّيمقراطيّة.
استطاع الرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب أن يُصيبَ الرّئيس الحالي جو بايدن بضربتَيْن خلال أسبوع واحد
حارب في العراق… ويكره إيران
جي دي فانس، الجمهوريّ الإنجيليّ الذي تحوّل إلى الكاثوليكيّة، اليمينيّ الانعزاليّ، حقوقيّ مُتخرّج من جامعة ييل، وعضو مجلس الشّيوخ عن ولاية أوهايو منذ 2022. وهو ابن الـ39 عاماً، وأوّل مُرشّح من “جيل الألفيّة” يخوض غمار الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة. يُشاطِرُ ترامب الموقف حول القضايا الكبرى للولايات المُتحدة. يكره صرفَ الأموال الأميركيّة على الخارج سوى إسرائيل.
اختياره يرفعُ منسوبَ القلق في أوروبا وأوكرنيا ولدى رئيسها فولوديمير زيلينسكي، ويجعلُ إيران تُعيدُ حساباتها. فهو كانَ من عديد المحاربين الأميركيين في العِراق، ويعتبر أنّ هذا الغزو أتاحَ لإيران التّغلغل في الشّرق الأوسط. وفي السّياسة الخارجيّة هو واضح: “ينبغي أن نُركّز على الصّين وآسيا التي ستكون محور سياستنا الخارجيّة على مدى السّنوات الـ40 المُقبلة”. مما يجعل فلاديمير بوتين سعيداً بوصول الثّنائي ترامب وفانس إلى البيت الأبيض.
كانَ اختياره مُفاجأةً من ترامب الذي يصعبُ التكهّن بأفعاله. إذ كانَ فانس من الذين ينتقدون ترامب في ولايته بين 2016 و2020
كان من منتقدي ترامب
كانَ اختياره مُفاجأةً من ترامب الذي يصعبُ التكهّن بأفعاله. إذ كانَ فانس من الذين ينتقدون ترامب في ولايته بين 2016 و2020. تنقل وكالة “أسوشيتد برس” عن زميلٍ سابق لفانس أنّه أرسلَ إليه رسالةً نصّية في 2016 يصفُ فيها ترامب بأنّه “ساخر ويُمكن أن يكونَ هتلر أميركا”. لكنّه أعادَ النّظر بمواقفه في 2021، وأعلنَ “أسفه” عن التعليقات السابقة بشأن ترامب، وقال إنّ فترة ولاية الأخير في البيت الأبيض أثبتت خطأ معارضته، وهو ما ضمن له تأييد الرئيس السابق. وحظي فانس بتأييد ودعم الرّئيس السّابق في سباق الترشّح لمقعد في مجلس الشيوخ سنة 2022. أمّا ترامب فكانَ هو الآخر يعترفُ بانتقادات فانس، وقال: “ربّما قال فانس بعض الأشياء غير الرائعة عنّي في الماضي، لكنّه باتَ الآن يعرف أنّه كان مُخطئاً”.
يصفه مُنسّق حملة ترامب لدى الجاليات العربيّة والإسلاميّة ووالد صهره مسعد بولس في حديثٍ لـ”أساس” بأنّه شابٌّ محبوب وصاحب قصّة مُلهمة. حقّق إنجازات كبيرة في سنّ مُبكرة، وهو ما يجعله مثيراً للإعجاب للغاية. ويعتبر أنّ فانس سيحمل شعلة الجمهوريين على المدى الطّويل. والأهمّ أنّه قادرٌ على استقطاب الشّباب والنّاخبين في “حزام الصّدأ”، حيثُ نشأَ فانس، والولايات المُتأرجحة مثل بنسلفانيا وميتشيغن وغيرهما.
جديرٌ بالذّكرِ أنّ “حزام الصدأ” هو مصطلح يطلق على المنطقة المتداخلة شمال شرق الولايات المتحدة، وهي كنايةٌ عن التدهور الاقتصادي في منطقة الصّناعات التي تضرّرت بسبب العولمة وصارَ سكّانها يعانون بشكل كبير. وظهرَ هذا المصطلح في الولايات المتحدة في فترة الثمانينيات.
أمّا عضو الحزب الجمهوريّ والمُستشار السّابق في وزارة الخارجيّة الأميركيّة حازم الغبرا فيقول إنّ فانس باتَ شديد الولاء لترامب، وهما يتقاطعان على كلّ النّقاط الأساسيّة المُرتبطة بالسّياستين الدّاخليّة والخارجيّة. هو خيارُ الولاء وتصفير الخلافات في فترة الحُكم في البيت الأبيض. وهو يُعاكس تماماً الفترة التي كانَ فيها مايك بنس نائباً لترامب. وهي الفترة التي انتهت بخلافٍ بين ترامب وبنس بعدَ اعتراف الأخير بنتيجة الانتخابات في 2020 واعتراضه على التّحرّكات الاحتجاجيّة التي قامَ بها مُناصرو الرّئيس الجمهوريّ.
“حزام الصدأ” هو مصطلح يطلق على المنطقة المتداخلة شمال شرق الولايات المتحدة، وهي كنايةٌ عن التدهور الاقتصادي في منطقة الصّناعات التي تضرّرت بسبب العولمة
من هو جي دي فانس؟
ولد جيمس ديفيد فانس، المعروف بـ”جي دي فانس”، في مدينة ميدلتاون في ولاية أوهايو في الثّاني من شهر آب 1984. ترعرع في كنفِ جدّه لأمّه في بيئة فقيرة وصعبة. إذ كانت والدته مُدمنة على المُخدّرات. وتنتقل من زوجٍ إلى آخر ولا تستطيع الاستقرار في وظيفة، ولا حتّى رعاية ابنها. كان جدّه هو الآخر مدمناً على شربِ الكحول.
يروي فانس في كتابه (Hillbilly Elegy) أو “مرثيّة هيلبيلي” الذي كانَ الأكثر مبيعاً في الولايات المُتحدة في 2016، حوادث عنيفة حصلَت في طفولته. ويتحدّث كيف أنّ جدّته أشعلت النار في جدّه ذات مرّة لأنّه كان يشرب الكحول، وأنّه نجا وبقي الزوجان معاً. وعلى الرّغم من قساوة طفولته والمعاناة، إلّا أنّ الجانب “الكاثوليكيّ” الذي توليه العائلة اهتماماً بالغاً، يظهرُ في الكتاب حيثُ يُعرِب عن حبّه لجدّيه وعائلته وسطَ الطّفولة البائسة. وهو الكتاب الذي تحوّل إلى فيلم يعؤض على شبكة “نتفليكس” تحت العنوان نفسه.
المُهمّ في كتابه الذي يعكس رؤيته الاقتصاديّة والاجتماعيّة وسطَ مشاكلِ الأمّيّة، والأسر غير الهيكلية، هو البؤس الاقتصادي، والعنف، ومشاكل العمل، وإدمان المخدّرات. ويطرح فكرته التي تتلاقى مع أفكار ترامب حول رفض الإنفاق الخارجيّ على حسابِ تعزيز الصّناعة الدّاخليّة والدعوة إلى استثمار الأموال في الولايات المُتحدة فقط. وفي الكتاب يقول إنّه يُمثّل “ملايين الأميركيين البيض من الطبقة العاملة من أصولٍ اسكوتلنديّة إيرلنديّة الذين يعدُّ الفقر لديهم تقليداً عائلياً”.
بعد تخرّجه من كلّية الحقوق، عمل فانس مع السيناتور الجمهوري جون كورنين. وأمضى عاماً ككاتب قانوني للقاضي ديفيد بونينغ
البحريّة الأميركيّة… والنّجاح التّجاريّ
بعدَما أنهى دراسته في مدينة ميدلتاون، التحق فانس بقوات مشاة البحريّة الأميركيّة بين عامَيْ 2003 و2007، وخدَمَ في صفوفها 6 أشهر في العراق. بعد عودته من بلاد الرّافدَيْن، التحق بجامعة أوهايو، ومنها إلى كليّة الحقوق في جامعة ييل.
بعد تخرّجه من كلّية الحقوق، عمل فانس مع السيناتور الجمهوري جون كورنين. وأمضى عاماً ككاتب قانوني للقاضي ديفيد بونينغ في المحكمة الجزائية الأميركيّة للمنطقة الشرقية من ولاية كنتاكي. بعدها زاول عمل المُحاماة في مكتب سيدلي أوستن. وبعد عاميْن انتقل فانس إلى سان فرانسيسكو للعمل في صناعة التكنولوجيا كرأسماليّ مغامر. وشغلَ بين عامَي 2016 و2017 منصب مدير في شركة مؤسّس “PayPal” بيتر ثيل، ميثريل كابيتال.
في 2019، شارك فانس في تأسيس “ناريا كابيتال” بدعم ماليّ من رجلَيْ الأعمال إريك شميدت، الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة google من 2001 إلى 2011، مارك أندريسن المُستثمر في مشاريع “سيليكون فالي”.
خلال عامٍ واحد، استطاع فانس أن يجمع 93 مليون دولار للشركة. واستثمر فانس في Rumble، وهي منصّة فيديو كندية عبر الإنترنت تحظى بشعبية لدى اليمين السياسي. بعدها قرّر أن يخوض انتخابات مجلس الشّيوخ عن ولاية أوهايو، حيثُ نال دعماً كاملاً من دونالد ترامب، وفازَ بالمقعد كأصغر عضوٍ في مجلس الشّيوخ الأميركيّ.
جاءَ اختيار فانس الكاثوليكيّ بهدفِ التّأثير على النّاخبين الكاثوليك الذين صوّتوا بغالبيّتهم في 2020 لجو بايدن الكاثوليكيّ، ليُصبِحَ ثاني رئيس كاثوليكيّ للولايات المُتحدة بعد جون كينيدي
لماذا يُعتبر اختيار فانس ضربةً لبايدن وهاريس؟
في انتخابات 2016، اختار ترامب الإنجيليّ مايك بنس ليكون نائباً له. كان هدف الاختيار حينذاك أن يُطمئِنَ ترامب الشّريحة الأوسع من النّاخبين الجمهوريين، أي الإنجيليّين. بعد ولايته الأولى وخلافه مع بنس، لم يعُد الرّئيس السّابق بحاجة إلى طمأنة الإنجيليين الذين يدعمون بغالبيّتهم وصوله إلى البيت الأبيض.
جاءَ اختيار فانس الكاثوليكيّ بهدفِ التّأثير على النّاخبين الكاثوليك الذين صوّتوا بغالبيّتهم في 2020 لجو بايدن الكاثوليكيّ، ليُصبِحَ ثاني رئيس كاثوليكيّ للولايات المُتحدة بعد جون كينيدي. كذلك لعبَت أصول زوجة فانس الهنديّة الهندوسيّة التي كانت تنتمي لسنوات للحزب الدّيمقراطيّ دوراً مُهمّاً. إذ إنّ والدة نائبة بايدن كامالا هاريس تاميليّة هنديّة، ووالدها مُهاجر من جامايكا. وهو ما يعني أنّ ترامب يُحاول أن يُطمئن النّاخبين من الأعراق المُختلفة، وأن “يأكُلَ” من صحن بايدن الكاثوليكي وصحن هاريس الهنديّ والأقلّويّ، وحتّى الدّيمقراطيّ.
بريطانيا دولة إسلامية
في الوقت نفسه، أطلقَ فانس تصريحاتٍ لا تُطمئن النّاخبين من أصولٍ عربيّة وإسلاميّة. إذ نشر موقع صحيفة “الغارديان” البريطانيّة مقطع فيديو يعرض خطاباً ألقاه فانس في مؤتمر للمحافظين أقيم في 10 تموز الحالي، وأدلى خلاله بملاحظات سلبية حول المملكة المتحدة. وأشار فانس إلى أنّه كان أخيراً يجري مع صديق محادثة ناقشا خلالها أحد المخاطر الكبيرة في العالم، وهو الانتشار النووي، وتساءلا عن أوّل دولة إسلامية حقيقية ستحصل على سلاح نووي. وأضاف: “فكّرنا أنّ هذه الدولة ربّما تكون إيران، وربّما تكون باكستان، ثمّ قرّرنا أخيراً أنّها المملكة المتحدة”. وتابع: “إنّ انتخاب حكومة عمّاليّة جعل بريطانيا أوّل دولة إسلامية حقيقية تحصل على سلاح نووي”. هذا على الرّغم من أنّه سبق أن أدان فانس خطاب ترامب المعادي للإسلام. وقال في عام 2016: “ترامب يجعل الناس الذين أهتمّ بهم خائفين. المهاجرون والمسلمون وغيرهم. ولهذا أجده مكروهاً”.
إقرأ أيضاً: الاغتيالات الرّئاسيّة الأميركيّة.. نجاة 6 ووفاة 4
هذا التصريح يُظهر تحوّل موقف فانس من الهجرة العربيّة والإسلاميّة إلى الولايات المُتحدة. كما أنّه واحدٌ من أكثر الشّيوخ تأييداً لإسرائيل. فعلى الرّغم من موقفه من حرب أوكرانيا، ورفضه أن تُموّل واشنطن حكومة زيلينسكي وأن تصرفَ الأموال خارجَ البلاد، إلّا أنّ موقفه هذا لا يعني إسرائيل، التي أعلنَ مِراراً وتكراراً ضرورة توفير كلّ الدّعم الماليّ والعسكريّ لها. حتّى إنّه انتقدَ موقفَ بايدن الأخير الذي أخّر وصول شحنة ذخائر ثقيلة إلى تل أبيب.
لمتابعة الكاتب على X: