الانتخابات الإيرانيّة: خسارة مرشّح المرشد

مدة القراءة 7 د

انتهت عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، وكشفت عن مشاركة لم تتجاوز نسبة أربعين في المئة (40%)، وهي أقل نسبة تصويت منذ الثورة الإيرانية، أي إنّها لم تكن على قدر طموحات القوى الإصلاحية، ولم تكن متوافقة مع رغبة النظام، لكنّها كشفت عن حقيقة واحدة، وهي أنّ هذه الانتخابات بحاجة إلى مرحلة ثانية لحسم نتيجتها، وقد سبق لمجلس صيانة الدستور أن حدّدها بعد أسبوع من المرحلة الأولى في يوم الجمعة في الخامس من شهر تموز المقبل.

 

 

 

صراع داخل التّيّار المحافظ

كشف السباق الرئاسي عن حجم الصراع داخل التيار المحافظ الموالي للنظام والحامل لمشروعه في السلطة، واستعداد أقطابه للتضحية بكلّ المنظومة ومستقبل النظام على خلفيّة صراع شخصيّ بينهم، وسعي كلّ طرف إلى تكريس نفسه والجناح الذي ينتمي إليه ممثّلاً لقوى الثورة وإسلامية النظام. وهذا ما ظهر عمليّاً من خلال تصاعد الخلافات بين مرشّحي هذا التيار الأساسيّين سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف، الذي حال دون التوصّل إلى توحيد جهود التيار المحافظ خلف مرشّح واحد يكون قادراً على مواجهة العودة القويّة للقوى الإصلاحية التي توحّدت خلف مرشّحها الوحيد مسعود بزشكيان.

يبدو بزشكيان، مرشّح القوى الإصلاحية والمعتدلة، نافذة الأمل الوحيدة لمنع انتقال إيران إلى الفوضى

لن تتوقّف هذه المعركة بين أجنحة التيار المحافظ عند المرحلة الأولى للانتخابات، بل من المتوقّع أن تمتدّ إلى المرحلة الثانية أيضاً، وأن تكون أكثر حدّة ووضوحاً، خاصة أنّ مناصري مرشّح الجناح المعتدل قاليباف ومنظومة السلطة لن يكون من السهل عليهم الانتقال إلى معسكر جليلي والاقتراع له في المرحلة الثانية، باستثناء نسبة قليلة قد لا تتجاوز نسبة 20 في المئة منهم، في حين تذهب التقديرات إلى إمكانية انتقال أكثر من 50 في المئة منهم للتصويت والاقتراع للمرشّح الإصلاحي، واعتكاف البقيّة عن المشاركة.

هذه التقديرات وإن كانت لا تتوافق مع البيان الذي أصدره المكتب الانتخابي لقاليباف وإعلان دعمه لجليلي في المرحلة الثانية، قد تعبّر في المباشر عن وجود موقف حاسم داخل التيار المحافظ بمنع مرشّح الإصلاحيين من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، ومنع تكرار تجربة الرئيس الأسبق حسن روحاني، إلا أنّها تكشف بشكل غير مباشر عن خوف قاليباف على موقع رئاسة البرلمان والسلطة التشريعية التي من المفترض أن يعاود نشاطه على رأسها منذ اليوم، وأنّه بحاجة إلى دعم هذه الجماعات للبقاء في موقعه وعدم خسارته في انتخابات التجديد للرئيس التي تجري سنوياً، بالإضافة إلى أنّ هذا الدعم يشكّل مدخلاً للحصول على سهم في الحكومة الجديدة في حال فوز جليلي.

وصول جليلي إلى السلطة يعني إعادة إحياء سياسة التشدّد في العلاقات الدولية، على قاعدة عدم الحاجة إلى أيّ انفتاح على الدول الغربية

 نصف فوز إصلاحيّ

انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات إلى حصر السباق والتنافس بين المرشّح الإصلاحي بزشكيان ومرشّح التيار الراديكالي، أو بتوصيف أدقّ الجناح السلفي داخل التيار المحافظ، جليلي الذي انتقل إلى المرحلة الثانية على حساب الهزيمة التي ألحقها بالمرشّح “الضمنيّ” والمطلوب لمنظومة السلطة والمرشد الأعلى قاليباف.

على الرغم من فشل الجهود الحثيثة التي بذلتها القوى الإصلاحية والمعتدلة لرفع مستوى المشاركة من أجل حسم المعركة من المرحلة الأولى، إلا أنّها حقّقت لهم “نصف فوز” من خلال إعادة ترميم قواعدهم الشعبية وتثبيت موقعهم داخل المشهد السياسي، الذي يتيح لهم المراهنة على تحقيق الخرق والفوز في المرحلة الثانية في مواجهة مرشّح المتطرّفين وقيادة السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة.

وصول جليلي إلى السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية يعني على المستوى الداخلي استمرار سياسات التخبّط الاقتصادي والمعيشي

التحدّي الذي أفرزه الصراع داخل التيار المحافظ وانحصار تمثيله بالجناح الأكثر تطرّفاً ممثّلاً بجليلي سيسهمان في رفع مستوى أو منسوب الخوف داخل المجتمع الإيراني والقوى السياسية، والخشية من عودة سياسات التطرّف والانغلاق والانسداد الاجتماعي والفكري، والمزيد من التضييق على الحرّيات الخاصّة والعامّة لمصلحة التشدّد. وإنّ هذه السياسات قد تضع مستقبل إيران على حافة الهاوية والانهيار. وهو الهدف الذي ترغب به القوى المعارضة التي تدعو إلى قلب النظام والقضاء على الجمهورية الإسلامية، والتي دعت بشكل علني إلى انتخاب جليلي الذي سيتحوّل إلى عامل مساعد على تحقيق هذا الهدف.

نافذة الأمل

أمام هذا المشهد، يبدو بزشكيان، مرشّح القوى الإصلاحية والمعتدلة، نافذة الأمل الوحيدة لمنع انتقال إيران إلى الفوضى والدخول في المسار الانحداري والاتجاه نحو الانهيار، وبات بإمكانه التحوّل إلى خشبة خلاص للمجتمع الإيراني والنظام ومنظومة السلطة التي تسعى إلى الخروج من هذا النفق بأقلّ قدر من الخسائر والأخطار.

وصول جليلي إلى السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية يعني على المستوى الداخلي استمرار سياسات التخبّط الاقتصادي والمعيشي، خاصة أنّه يُعتبر من أبرز المسؤولين عن السياسات الاقتصادية من خلال معارضته وعرقلته لأيّ محاولات انفتاح على المجتمع الدولي، سواء في إعادة إحياء الاتفاق النووي أو انضمام إيران إلى معاهدتَي FATF وباليرمو الخاصّتين بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية، وهو ما أدّى إلى إدراج إيران على اللائحة السوداء للتبادلات المالية الدولية، التي تشكّل عائقاً أمام حصول إيران على عائداتها من بيع النفط والغاز والتجارة الدولية.

هذه السياسات المتشدّدة التي يحملها مرشّح الجناح السلفي والمتطرّف داخل التيار المحافظ، تقابلها رؤية موضوعية يقدّمها بزشيكان

وصول جليلي إلى السلطة يعني إعادة إحياء سياسة التشدّد في العلاقات الدولية، على قاعدة عدم الحاجة إلى أيّ انفتاح على الدول الغربية، وقدرة إيران على تحويل العقوبات الاقتصادية “لفرصة” من خلال تعطيل مفاعيلها بتعزيز الانفتاح على الشرق، وتحديداً روسيا والصين، بالإضافة إلى اعتماد التجارة البينيّة مع دول الجوار.

هذه السياسات المتشدّدة التي يحملها مرشّح الجناح السلفي والمتطرّف داخل التيار المحافظ، تقابلها رؤية موضوعية يقدّمها خطاب مرشّح القوى الإصلاحية والمعتدلة بزشيكان الذي يسعى إلى اتّباع سياسة داخلية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار التنوّع الفكري والثقافي والسياسي داخل المجتمع الإيراني، من دون المساس بثوابت النظام وإسلاميّته، وخاصة في ما يتعلّق بمسألة الحجاب وحرّية الالتزام به أو عدمه ضمن الضوابط الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع.

يراهن بزشكيان ومعه القوى الداعمة له على أهمّية وضرورة العمل لإنقاذ إيران من المسار الذي تسبّبت به السياسات المحافظة الإلغائية، من خلال السعي إلى تعزيز الوحدة الداخلية واعتماد سياسة الكفاءة في العمل السياسي والإداري بغضّ النظر عن الانتماء السياسي أو الفكري، وأنّ تحقيق هذا الهدف يُخرج إيران من دائرة الخطر والانهيار، ويُبعدها عن التهديد الذي ينتج عن الضغوط الخارجية.

إقرأ أيضاً: الشّرق الأوسط والصّراع بين الشّرق والغرب

من الأهداف التي يحملها خطاب المرشّح الإصلاحي إعادة التوازن بين مكوّنات القدرة الإيرانية، أي التوازن بين الدبلوماسية والميدان، وإنّ الموقع الجيوسياسي والجيوقتصادي لإيران وما تتمتّع به من قدرات دفاعية وردعيّة تساعد على تعزيز موقع إيران الإقليمي وتثبيته، بالإضافة إلى الدفع بمشروع بناء “منطقة قويّة” بالاعتماد على قدرات دول هذه المنطقة من دون الحاجة إلى وجود قوات أجنبية. وإنّ المدخل إلى تحقيق هذا الهدف يقوم على سياسات التوازن بين القوى العالمية التي تفرض على إيران اعتماد سياسة الانفتاح والتعاون مع المجتمع الدولي، وتحديداً أوروبا وأميركا، التي لن تكون على حساب العلاقات بين إيران والمعسكر الشرقي في روسيا والصين.

على المستوى الاقتصادي، يعارض المرشّح الإصلاحي سياسة تعطيل مفاعيل العقوبات الدولية التي حلّت مكان السعي إلى إنهائها وإلغائها بشكل كامل وفتح الطريق أمام الاستثمارات الخارجية، سواء كانت إقليمية أو غربية وحتى أميركية، ما دامت الدولة والسلطة التنفيذية لم ولن تخرجا عن الثوابت الأساسية التي رسمها ويرسمها المرشد الأعلى ودوائر القرار في النواة الصلبة للنظام.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…