رينو وفيراري… تماماً

مدة القراءة 4 د

أحسن سالم زهران في وصف حالتنا بأنّها تشبه سيّارة “رينو”، بالنسبة إلى حالة إسرائيل التي تشبه سيّارة “فيراري”. في قياس السيارات، رتبتنا تساوي سيّارة بطيئة السرعة، سريعة العطب، عَطوبةُ القطع، محدودة الطلب، ورخيصة الثمن… في حين أنّ فيراري سيّارة سريعة، أسرع سيّارة في العالم، متينة القطع، طويلة العمر، الطلب عليها كبيرٌ جدّاً، لكنّ الوصول إليها صعبٌ ومحدود، إلّا لمن استطاع إلى دفع ثمنها الغالي جدّاً سبيلا.

فهل أصاب سالم أكثر ممّا أصاب في هذا السهم؟

 

حين عاد “الهُدهُد” من رحلته فوق مدينة حيفا الفلسطينية المحتلّة، أحضر معه صوراً “جميلة” لميناء حيفا. ذلك الميناء الذي نشأ عزُّ مدينة بيروت حين أقفلته الحروب منتصف القرن الماضي. ونشأت “سويسرا الشرق” على ضفاف المرفأ الشهير. المرفأ نفسه الذي سيكون تفجيره، بأيادٍ إسرائيلية ولا شكّ، مقدّمة لنهاية أسطورة بيروت، ودخول لبنان في شبح “الموت السياسي”، و”البقاء الجغرافي” فقط، على ما ذهب الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان.

كان يجب أن يشعر بالفخر فقط كلُّ من شاهد “فيديو الهدهد”. الفخر لأنّنا استطعنا إرسال طائرة حربية، ولو مسيّرة وصغيرة، فوق فلسطين المحتلّة. كأنّ حنظلة كان يحلّق في تلك اللحظة فوق بلاده. حنظلة الذي أدار ظهره طويلاً لنا، كان يجب أن يخرج من صورته تلك، ليطير مع “الهُدهُد”.

لكنّ كثيرين شعروا بالغضب أو الحزن أو المرارة، حين رأوا المرفأ الإسرائيلي النظيف، المرتّب، الناشط، الذي ورث مرفأ بيروت ودوره. وحين رأوا التنظيم المدني في حيفا وفي بقيّة المناطق التي مرّ الهُدُهد فوقها. وراحوا يقارنون بين شوارعنا المحفّرة، والمتعرّجة، وبين شوارعهم. بين العمران “الأفكح” في بلادنا، وبين تنظيمهم. بين الهدوء المزعج في تلك الصور والمقاطع، وبين “الطوشة” الرهيبة التي نعيش فيها.

كانت تلك المقاطع، مجدّداً، تذكيراً بصواب المقارنة: رينو وفيراري.

في لبنان باتت المصارف “رينو”. راحت الودائع. لا اقتصاد. ولا مياه ولا كهرباء. أمّا في إسرائيل فالدولة تعامل مواطنيها في أوقات الحرب على أنّهم “فيراري”

سلامةُ المنطق… مرارةُ الواقع

في مقارنته التي تصلح لتكون عنوان جيلنا، فاجأنا سالم زهران بدقّة ملاحظته حين قال إنّ لبنان مثل “رينو”، وإذا اصطدم بإسرائيل “الفيراري”، فلنا أن نتخيّل من سيتأذّى أكثر من الآخر.

في الشكل، المنطق سليم.

رينو

لكن في المضمون، كلّنا نعرف أنّ صاحب “الرينو” سيعود مشياً إلى منزله. وقد يذهب إلى السجن لأنّه لا يملك “تأميناً” لتصليح سيّارته. وسيقضي بقيّة عمره، ربّما، بلا سيّارة. وقد تكون سيّارته غير مسجّلة في “النافعة”، بداعي الفقر. وقد لا يكون هناك “تأمين إلزامي”. ذاك الذي يكفل تطبيب الجرحى خلال الحوادث. فإذا تأذّى فسيذهب إلى المستشفى. بالطبع مستشفى “رينو” وليس مستشفى “فيراري”. وربّما يموت على بابها.

حينها من سيتأذّى أكثر؟

صاحب الفيراري، ستأتي الشركة المعنيّة بالتصليح، لتأخذ السيارة، وتعطيه سيارة فارهة، إن لم تكن مشابهة، ليقضي بها بقيّة الأسبوع، ريثما تعود سيّارته “أجمل ممّا كانت”. وإذا جرحه الحادث، فسيدخل أفخم المستشفيات الفندقيّة، ويقضي فيها نقاهة أقرب إلى “الخمس نجوم”.

الحربُ سجالٌ… وسؤال

صاحب “الرينو” حين يفقد في غارة إسرائيلية منزله، المنزل الذي أكل من عمره 10 أو 15 عاماً ليبنيه، من سيعوّض عليه؟ وإذا حصل على تعويض، فسيكون تعويضاً من نوعية “رينو”، يبني له 4 جدران، لكنّ منزله، العزيز على قلبه، وحامل ذكرياته، من فئة “فيراري”. وأيّاً كان التعويض، فلن يكون قادراً على استعادة كلّ ما في منزله.

النازح الجنوبي من بيته، أحواله “رينو” على الآخر. 100 ألف أو أكثر يعيشون في أوضاع مأساوية. يحصلون على 200 دولار شهرياً، ويقيمون في منازل غير مجهّزة، وتقريباً بلا ماء ولا كهرباء. فقدوا وظائفهم، وكرامتهم.

أحسن سالم زهران في وصف حالتنا بأنّها تشبه سيّارة “رينو” بالنسبة إلى حالة إسرائيل التي تشبه سيّارة “فيراري”

أمّا في إسرائيل، فالنازحون “فيراري”. يقيمون في فنادق، وخصّصت لهم الدولة مليارات الدولارات لتوزيعها عليهم وتحسين عيشهم في نزوحهم “الخمس نجوم”.

في لبنان باتت المصارف “رينو”. راحت الودائع. لا اقتصاد. ولا مياه ولا كهرباء. أمّا في إسرائيل فالدولة تعامل مواطنيها في أوقات الحرب على أنّهم “فيراري”.

إقرأ أيضاً: “منظومة الانتهاك”

أصاب سالم، وأخطأ في الوقت نفسه لأنّ اصطدام “رينو” بـ”فيراري” كاصطدام الفخّار بالحجر. الويل للفخّار إذا وقع على الحجر، والويل للفخّار إذا وقع الحجر عليه.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mdbarakat

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…