8 سنوات على رؤية محمّد بن سلمان: الأماني ممكنة

مدة القراءة 6 د

قبل ثماني سنوات، نشرت السعودية وثيقة من ثمانين صفحة وضعت فيها أهدافاً استراتيجية و243 مؤشّراً تفصيلياً لقياس الأداء، تبدأ بحجم اقتصاد البلاد ومساهمة القطاعات غير النفطية فيه، ولا تنتهي بمعدّل ممارسة السكّان للرياضة أسبوعياً. سمّيت هذه الوثيقة “رؤية 2030”.

 

عزيمة التنفيذ

يمكن استعادة الأهداف المعلنة في ذلك الحين، وكم كانت تبدو حالمة. وليس أقلّها رفع حجم الاقتصاد من 2.6 تريليون ريال في 2016 إلى 6.5 تريليونات ريال (1.8 تريليون دولار)، ورفع حجم الاقتصاد غير النفطي من 1.5 تريليون إلى 5 تريليونات ريال. لتأخذ المملكة مكانها بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم، وتوطين 50% من الصناعات العسكرية.

يمكن الملاحظة على الهامش أنّ لبنان كلّف شركة “ماكنزي” الاستشارية بوضع خطّة للنهوض بالاقتصاد اللبناني بعد إطلاق “رؤية 2030” بوقت وجيز. وكان الإنجاز الوحيد لتلك الخطّة أنّ “ماكينزي” قبضت ثمنها بالدولار “الفريش”.

اجتازت السعودية ثمانيةً من الأعوام الأربعة عشر التي تمتدّ على مدارها “رؤية 2030”. وبات بالإمكان الحكم على مدى قدرتها على تحويل الأماني إلى فعلٍ ممكن.

القصّة المختلفة في السعودية التي يقودها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان هي في القدرات التنفيذية. التقرير السنوي للرؤية قدّم صورة بالأرقام لمدى التقدّم في تحقيق الأهداف المحدّدة منذ عام 2016، وفق مؤشّرات أداء القياس والجدول الزمني لتنفيذها، وهنا بعض ملامحها:

– دخلت السعودية نادي اقتصادات التريليون دولار بعدما سجّلت أقوى معدّل نموّ بين دول مجموعة العشرين عام 2022، وإن يكن قد تراجع حجم الاقتصاد قليلاً في 2023 نتيجة للقرار الطوعي بخفض إنتاج النفط إلى 9 ملايين برميل يومياً (بينما الطاقة الإنتاجية تتجاوز 12 مليون برميل يومياً). الذي كان ضرورياً للحفاظ على التوازن في أسواق النفط العالمية، ولتثبيت دور السعودية كقائد فعليّ لتحالف “أوبك بلاس”.

– مساهمة الإيرادات غير النفطية في تغطية الميزانية قفزت بنحو ثلاثة أضعاف، لتصل مساهمتها إلى 35% من مجمل إيرادات الميزانية في 2023، بينما كان الهدف وصولها إلى 28% فقط في هذا التاريخ.

يمكن للسعودية أن تركن إلى حصاد السنوات الثماني الماضية لتقدّم أوراق اعتمادها كقوّة اقتصادية وسياسية صاعدة

–  9 نسبة توطين الصناعات العسكرية ارتفعت إلى 10.4% في 2023، بينما كان الهدف المرحليّ لهذه السنة%.

– عدد المعتمرين من خارج المملكة وصل إلى 13.6 مليون شخص، بينما كان المستهدف 10 ملايين.

– نسبة الأُسر السعودية التي تمتلك منزلاً ارتفعت من 57% في 2016 إلى نحو 64% في 2023، بينما كان الهدف المرحلي 63%. وهذه القفزة تطلّبت عملاً هائلاً شمل ضخّ مئات آلاف الوحدات السكنية وإعادة تنظيم السوق بالكامل.

– مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلّي ارتفعت إلى 45%، وهي النسبة المستهدفة لهذه السنة.

– البطالة بين السعوديين تراجعت إلى 7.7%، من 12.3% في 2016، بينما كان المستهدف خفضها إلى 7% في2030.

– نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل قفزت إلى 34%، بينما كان المستهدف رفعها إلى 30% في 2030.

السعودية قوة اقتصادية عالمية

في المجمل، تحقّق نحو 200 مؤشّر من مؤشّرات الأداء بشكل كامل، بما يتجاوز 80% من مجمل المؤشّرات. واكتملت 360 مبادرة من أصل أكثر من ألف تضمّنتها الرؤية، فيما تسير المبادرات الباقية وفق جدولها الزمني.

السعودية

في ما يتعدّى الأرقام والمؤشّرات، تحوّلت السعودية إلى قوّة اقتصادية عالمية يتهافت إليها كبار مسؤولي الاستثمار في العالم. والكلّ يريد حصّته من المشاريع العملاقة ومن محفظة الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة)، الذي تضاعفت أصوله أربع مرّات منذ انطلاق الرؤية لتصل إلى 2.8 تريليون ريال. وليصبح واحداً من أكبر خمسة صناديق سيادية في العالم.

دخلت السعودية نادي اقتصادات التريليون دولار بعدما سجّلت أقوى معدّل نموّ بين دول مجموعة العشرين عام 2022

تبدو الرياض مرتاحة إلى مسار الأهداف نحو 2030. ففي ذلك العام تستضيف المملكة المونديال و”إكسبو 2030″، وسيكون الحدثان لحظة الذروة لعرض نتائج التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي حقّقتها الرؤية على مدار 14 عاماً. سيكون في الرياض وسط مدينة جديد يطلق عليه “نيو مربّع”، وفي غرب المدينة تتحوّل الدرعية من موقع تراثي منسيّ إلى وجهة سياحية عالمية، وإلى جنوبها “القدية” التي ستتحوّل إلى واحدة من أكبر المدن الترفيهية في العالم. وفي شمال غرب المملكة، ستكون نيوم وجهة جديدة للاستثمار والسياحة، بمدينة سكنية ومنطقة صناعية عالمية على البحر الأحمر، وعلى مقربة من أوروبا. وفي الغرب أيضاً، يتمّ تطوير ميناء جدّة ليصبح محطة لوجستية عالمية. وقد استقطب بالفعل استثمارات عالمية في إدارة محطّات الحاويات، منها “كوسكو” الصينية، في إشارة لا تخلو من الدلالات.

يمكن للسعودية أن تركن إلى حصاد السنوات الثماني الماضية لتقدّم أوراق اعتمادها كقوّة اقتصادية وسياسية صاعدة. أثبتت قدرتها على التنفيذ وتحويل الخطط إلى واقع على الأرض. وقد تحوّل هذا السجلّ إلى رأسمال سياسي سرعان ما بدأ البناء عليه. ولا أدلّ على ذلك من التحوّل الذي طرأ على نظرة إدارة جو بايدن إلى موقع السعودية في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، من دولة أرادها “منبوذة” في بداية عهده إلى محور لحركة دبلوماسيّته وخرائط الاقتصاد والتجارة في الإقليم.

لكنّ ما يستحقّ المراقبة النموذج الآخذ بالتشكّل لهذا الصعود الاقتصادي السعودي، ولدور الدولة فيه. لا يخفي الأمير محمد بن سلمان إعجابه ببعض نماذج الصعود الاقتصادي مثل كوريا الجنوبية، وقد ذكرها بالاسم في إحدى مقابلاته. متوقّفاً عند صعودها على سلّم الترتيب بين أكبر اقتصادات العالم، بعدما كان اقتصادها مماثلاً لحجم الاقتصاد السعودي في الثمانينيات.

اجتازت السعودية ثمانيةً من الأعوام الأربعة عشر التي تمتدّ على مدارها “رؤية 2030”

نموذج سعودي خاص

إلا أنّ السعودية تشكّل نموذجها الخاصّ للنموّ. هو مزيج من النموذج الكوري الجنوبي الذي يقوم على شركات تقوم بدور مركزي في تنمية الاقتصاد وتوفير فرص العمل، مثل “سامسونغ” و”هيونداي” و”كيا”. ويسمّى كلٌّ منها اصطلاحاً بـ “البطل الوطني” (National champion)، والنموذج الأميركي القائم على تحفيز المبادرة الشخصية والشركات الناشئة.

تتبنّى السعودية النموذج الآسيوي بقدرٍ ما من خلال برنامج لتحويل عدد من الشركات السعودية إلى علامات معروفة على المستوى العالمي، وأولاها “أرامكو” التي باتت واحدة من أكبر خمس شركات مدرجة في أسواق المال في العالم، والبقيّة تأتي من خلال برامج التوسّع في قطاعات أخرى.

إقرأ أيضاً: إكسبو الرياض 2030: الرياض عاصمة العالم

لكنّ الجانب الآخر من القصّة السعودية يتمثّل في تحفيز المجتمع على المشاركة في قصّة التحوّل. سواء من خلال توفير البيئة الحاضنة للشركات الناشئة، أو من خلال التغيير الثقافي في المجتمع وفي سوق العمل.

سيكون الصعود السعودي مزيجاً من تخطيط الدولة وحيوية المجتمع. لكنّ دور الدولة في الاقتصاد سيكون سؤالاً مؤجّلاً إلى 2030.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@OAlladan

مواضيع ذات صلة

إيلي صعب.. إيلون ماسك والمرشد

كان يمكن لمحاولات إيران التهدئة مع الولايات المتحدة، عبر تقارير عن مفاوضات بين سفيرها في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني ‏والملياردير الأميركي إيلون ماسك (نفتها…

المعارضة تستعين بالمماطلة لتعطيل ترامب؟

الفوز الكبير الذي حقّقه دونالد ترامب والحزب الجمهوري في انتخابات مجلسَي النواب والشيوخ، زاد من قناعة الرئيس المنتخب بأنّ الشعب الأميركي منحه تفويضاً لقيادة البلاد…

واشنطن وطهران: إدارة صراع أم صفقة؟

لم يكن الموقف الإيراني من انتخاب الرئيس الأميركي الجديد – القديم دونالد ترمب موقفاً سلبياً بالكامل، ولم يكن في الوقت نفسه إيجابياً أيضاً. فالحذر الشديد…

أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.   يعترفون…