مروان عيسى.. لاعب كرة السلّة الذي اقتحم جدار غزّة

مدة القراءة 7 د

حتى اللحظة لم تنعَه حركة حماس، أعلنت إسرائيل رسمياً عن “اغتياله”. وحده البيت الأبيض الذي سارع إلى تأكيد خبر وفاته. فمن هو “رجل الظلّ” كما تلقّبه إسرائيل، والرجل الثالث في حركة “حماس”، والثاني في كتائب عزّ الدين القسّام، الجناح العسكري للحركة؟ من هو مروان عيسى؟

 

لم يكُن نائب القائد العامّ لكتائب “القسّام”، مروان عبد الكريم علي عيسى، يتوقّع يوماً أنّ مسيرته في احتراف كرة السّلّة ستتحوّل إلى احتراف مُقارعة الجيش الإسرائيليّ في غزّة و”غلافها”.

فللانتقال من لوائح لاعبي كرة السلّة إلى لوائح المطلوبين الإسرائيلية، يحتاج المرء إلى عمر كامل ورحلة طويلة وشاقّة. رحلة تلخّص حياة الفلسطينيين في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.

نجا من الموت مرّات عديدة، سواء في محاولات اغتياله المُعلنة في أعوام 2006 و2012 و2014 و2021، أو في مقارعته مرض السّرطان، الذي كانَ هو الآخر يُسابق الإسرائيليين على قتله طوال عقدٍ من الزّمن.

كنيته “أبو البراء”. اختارها لتُلازمه منذ التحاقه بالجناح العسكريّ لحركة “حماس”. يصفه مسؤول أمنيّ إسرائيليّ بأنّه “ذكيّ لدرجة يُمكنه فيها تحويل البلاستيك إلى معدن”.

يوم السّابع من تشرين الأوّل (أكتوبر)، نقلَ مروان عيسى صولاته من ملاعب كرة السّلّة الغزّيّة إلى مستوطنات غلاف غزّة. لكنّ هذه الجولة لم تكُن تُشبه سابقاتها. كان عيسى، تماماً مثل قائده محمّد الضّيف والشّقيقيْن يحيى ومحمّد السّنوار، يعرف أنّ جولة “طوفان الأقصى” هي الختم الذي سيُذيّل “وثيقة وفاته” التي خطّها على مرّ السّنين.

هذه الوثيقة كان عيسى قد بدأ بكتابتها عن سابق إصرارٍ وتصميم في أثناء تدرّجه على سلّم القيادة في “القسّام”. شاركَ في كلّ عمليّات الحركة النّوعيّة، خاصةً في التخطيط لعمليّة أسْر “جلعاد شاليط”، وفي تنفيذها في 2006. كما شارك في قيادة مُفاوضات تبادل الأسرى لاحقاً، وفي معركة “سيف القُدس” في 2021، وصولاً إلى “طوفان الأقصى” في 2023، وما بينهما من صولات وجولات لا تُعدّ ولا تُحصى.

كانَت توقّعاته في محلّها، إذ تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باغتيال الضّيف والأخويْن السّنوار، ومروان عيسى.

وُلِدَ مروان عيسى في مُخيّم “البريج”، وسطَ قطاع غزّة، لأسرة تنحدِرُ من بلدة “بيت طيما”، قربَ عسقلان، وتبعُد 21 كلم إلى الشّمال الشّرقيّ من غزّة

من هو مروان عيسى؟

في سنة 1965، وُلِدَ مروان عيسى في مُخيّم “البريج”. وسطَ قطاع غزّة، لأسرة تنحدِرُ من بلدة “بيت طيما”، قربَ عسقلان. وتبعُد 21 كلم إلى الشّمال الشّرقيّ من غزّة. وهي البلدة نفسها التي ينحدرُ منها القياديّ في “القسّام” محمود المبحوح، الذي اغتاله الموساد في دُبي في 2010. وشقيقه فائق المبحوح، رئيس مديرية العمليات التابعة لجهاز الأمن الداخليّ في غزّة. الذي اغتاله الجيش الإٍسرائيليّ في “مجمّع الشّفاء الطّبيّ” في الـ18 من الشّهر الجاريّ.

نشأ “أبو البراء” في “البريج”، وتلقّى علومه في مدارس “الأونروا”. منذ نشأته حملَ على عاتقه حلم العودة إلى القرية التي هُجّر منها أهله إبّان النكبة عام 1948. وبحسب موقع “والا” العبريّ فإنّه “رضع كراهية إسرائيل منذ مولده”.

في شبابه تلقّى تعليمه الجامعيّ في “الجامعة الإسلاميّة”، وبرزَ اسمه كلاعب كُرة سلّة في صفوف “نادي خدمات البريج”. في أثناء رحلته الجامعيّة، تأثّر بفكر “الإخوان المُسلمين”، وأسهم في تنفيذ أنشطتها الدعوية والاجتماعية والتنظيمية.

كان ذلكَ قبل فترة قصيرة من انطلاقة حركة “حماس”، التي انضمّ إلى صفوفها على يدِ القياديّ البارز الرّاحل إبراهيم المقادمة (أبو أحمد)، واعتُقِلَ بسبب ذلك من قبل جيش الاحتلال عام 1987.

كانت هذه المرّة الوحيدة التي يُعتَقل فيها عيسى في السّجون الإسرائيليّة. بعدَ الإفراج عنه عام 1993، اعتزَل الرّياضة تماماً، والتحقَ بصفوف كتائب القسّام، وصارَت “مُقاومة الاحتلال” شغله الشّاغل. تدرّجَ في صفوف “الكتائب” حتّى صارَ من “الأدمغة” التي تقف خلف قرار العمليّات بشكل مستقلّ أو بالتشاور مع يحيى السنوار.

كان أبو البراء ضمن الدّفعة التي خطّطت وحضّرت لسلسلة العمليّات الانتقاميّة، التي تضمّنت تفجيرات انتحاريّة واسعة النّطاق، لاغتيال “المُهندس” يحيى عيّاش في 1996، إلى جانب رفيق دربه محمّد الضّيف وحسن سلامة.

لم يكُن نائب القائد العامّ لكتائب “القسّام” يتوقّع يوماً أنّ مسيرته في احتراف كرة السّلّة ستتحوّل إلى احتراف مُقارعة الجيش الإسرائيليّ في غزّة

على إثر ذلك، اعتقلته قوّات الأمن الوقائي الفلسطيني 4 سنوات، وأُفرِجَ عنه بعدَ اندلاع شرارة الانتفاضة الثّانية عام 2000. منذ ذلك الحين عملَ مروان عيسى على هدفيْن محوريَّيْن:

الأوّل: تحويل كتائب القسّام من خلايا شبه عسكريّة إلى كتائب ووحدات وألوية طبقاً لهرميّة عسكريّة واضحة.

الثّاني: القيام بمشروع للتصنيع المحلّي يخدمُ تحويل القسّام إلى هيكلٍ عسكريّ، ويُزوّدها بكلّ ما تحتاج إليه لمعارك وعمليّات البرّ والبحر والجوّ، وذلكَ بعد اغتيال إسرائيل كبيرَ مهندسي حماس عدنان الغول، الذي صنَع أوّل قنبلة يدويّة فلسطينيّة، وصواريخ “القسّام”، وقذائف “الياسين” المُضادّة للدّروع التي ذاعَ صيتها خلال معارك غزّة الحاليّة.

لم يكُن اسمه مُتداولاً، حتّى نشرَ الجيش الإسرائيلي لائحةً “بأسماء قيادات الصّفّ الأوّل في القسّام”، قبل أيّام من انسحابه من قطاع غزّة في أيلول 2005، وكانَ حينذاك “مسؤول عمليات المستوطنات”، أي مسؤول رصد المستوطنات والمواقع الإسرائيليّة ومراقبتها والتخطيط لاقتحامها.

أظهرَ هذا المنصب إلى العلن براعة مروان عيسى العسكريّة. بدءاً من أسر جلعاد شاليط في 2006، وعمليّة “كوماندوس شاطئ زيكيم في 2014. وصولاً إلى “طوفان الأقصى” عام 2023. وفي الجولة الأخيرة، أظهر كلّ ما راكمه عبر السّنين من خلال توجيه قوّات الاقتحام برّاً وبحراً، حيث وصلَت “قوّات عيسى” إلى عمق 40 كلم في غلاف غزّة، واجتاحت ما فيها من مواقع ومستوطنات ومقارّ استخباريّة إسرائيليّة.

استطاع مروان عيسى أن يكونَ من القلّة التي تستطيع أن تجمَع “البراعة السّياسيّة” بجانب “الأمن والعسكر”

سياسة وأمن وعسكر..

استطاع مروان عيسى أن يكونَ من القلّة التي تستطيع أن تجمَع “البراعة السّياسيّة” بجانب “الأمن والعسكر”. كانَ له دور بارز في قيادة مُفاوضات تبادل الأسرى مع إسرائيل. التي نتج عنها الإفراج عن جلعاد شاليط، مُقابل الإفراج عن 1,027 أسيراً فلسطينيّاً، من ضمنهم يحيى السّنوار ورَوحي مُشتهى، في 2011 بوساطة مصريّة.

بعد اغتيال نائب قائد القسّام أحمد الجعبريّ في 2012. خلفه عيسى في المنصب، على الرّغم من تعرّضه لمحاولة اغتيالٍ بالتزامن مع اغتيال الجعبريّ. وذلكَ انتقاماً لدورهما في أسرِ جلعاد شاليط الذي التقاه عيسى في الأسرِ أكثر من مرّةٍ، وتحدّثَ معه بلسانٍ عبريّ طلق.

كانَ أبو البراء صاحب فكرة أن يكون للقسّام ممثّلٌ في المكتب السّياسيّ. يشكّل حلقة وصلٍ بين الجناحيْن العسكريّ والسّياسيّ. نجحَ في ذلكَ وصارَ هو حلقة الوصل هذه حتّى انتخابات الحركة في 2021، حيث ظهر للمرّة الأولى علناً في صورة مع أعضاء المكتب السياسي الحالي مُرتدياً “كمّامة”.

إقرأ أيضاً: لماذا أعلنَت واشنطن مقتل مروان عيسى؟

كما كان له دورٌ بارزٌ بجانب نائب رئيس الحركة الرّاحل صالح العاروري ويحيى السّنوار ونائبه خليل الحيّة في العمل على إعادة إحياء العلاقات بين “حماس” والنّظام السّوريّ.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…