حياة 450 طالبة مع الهيئة التعليميّة في خطر.. والحكومة “آخر همّها”

مدة القراءة 7 د

 أواخر شباط الماضي، أصدر وزير التربية عباس الحلبي قراراً بإقفال ثانوية “فضل المقدم” الرسمية للبنات في طرابلس. بعدما أكّدت لجنة هندسية كشفت على المبنى إمكانية انهيار الطابق العلوي، دون تأمين أيّ بديل لـ487 طالبة. وحينما أثار القضية السياسي الطرابلسي خلدون الشريف، قرّر وزير التربية إعادة الطالبات إلى المبنى نفسه. فهل زال خطر الانهيار؟ أم لا يبالي الوزير وحكومته بأرواح الطالبات والهيئة التعليمية؟

 

أين مدارس طرابلس من خارطة الصيانة؟

كان الشريف استهجن قرار الوزير الحلبي بإقفال ثانوية “فضل المقدم” “دون تأمين أيّ بديل، ومن دون اهتمام بمستقبل طلاب وطالبات طرابلس”. وغمز من قناة سياسات التمييز المناطقي والسياسي عبر التذكير بأنّ وزارة التربية “استطاعت تأمين مدارس بديلة لطلابنا الذين نزحوا من قراهم بسبب العدوان الإسرائيلي”. وناشد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط التدخّل، مطالباً في الوقت نفسه “نواب المدينة ورئيس الحكومة بالاهتمام بالمدارس وسلامتها والعمل على حماية الطلاب ودراستهم”.

حسب معلومات “أساس” جرى تواصل بين النائب وائل أبو فاعور والدكتور خلدون الشريف أفضى إلى تحرّك وزير التربية. لكنّ الأخير استند في قراره استئناف التدريس في المبنى نفسه إلى أسس شديدة الخطورة والهشاشة. إذ أرسلت المنطقة التربوية في الشمال أحد المتعهّدين المحسوبين على الرئيس نجيب ميقاتي، ومعه 3 عمال فقط. فقاموا بالكشف الميداني، وخلص هذا المتعهّد إلى عدم وجود خطر داهم، وأنّ الأمر مقصور على “3 عواميد بحاجة إلى تدعيم. بالإضافة إلى ترميم داخلي بسيط”. الغريب أنّ وزارة التربية لم تكلّف نفسها عناء إرسال مهندس مختصّ من “الوحدة الهندسية” التي يقع الكشف على المباني في صلب مهمّاتها. واكتفت بما قاله المتعهّد شفهياً دون تقرير خطّيّ.

حسب معلومات “أساس” جرى تواصل بين النائب وائل أبو فاعور والدكتور خلدون الشريف أفضى إلى تحرّك وزير التربية

هذا ما دفع الشريف إلى تحميل الوزير الحلبي ومن خلفه الرئيس ميقاتي المسؤولية عن أرواح الطالبات. فـ”حياة 450 طالبة، والطاقم التعليمي والإداري ليست لعبة”. لكنّ اللافت أنّ الشريف هو وحده من تحرّك وأثار قضية إقفال ثانوية “فضل المقدم”، وسط لامبالاة النخب الطرابلسية. ولا سيما نواب المدينة وساستها الذين كان بعضهم يتسابقون إلى ترميم المدارس إبّان الحملات الانتخابية. أعادت هذه القضية إلى الأذهان حادثة مقتل الطالبة ماغي محمود في تشرين الثاني 2022، غداة سقوط حجارة من السقف عليها في ثانوية القبّة المختلطة الثانية (الأميركان). وتسلّط الضوء على الواقع المهترئ للمدارس والثانويات الرسمية في طرابلس التي تواجه إهمالاً حكومياً مريباً.

في 17 كانون الثاني انهار جزء من سقف أحد ممرّات الطبقة الأخيرة من مدرسة النموذج الرسمية بطرابلس، دون سقوط إصابات. تبعها في 25 كانون الثاني نشر خبر عن انهيار جزء من سقف مدرسة المنية الرسمية للبنات. لكنّ وزارة التربية أصدرت بعد يومين بياناً أكدّت فيه عدم حصول أيّ انهيار. ولفت هذا البيان إلى أنّ الاعتمادات المخصّصة لصيانة المباني المدرسية غير ملحوظة في الموازنة العامّة. وأنّ الأموال المخصّصة للتربية من الهبات والقروض الدولية لا يمكن الإنفاق منها على الصيانة اليومية للمدارس. إذ إنّها مخصّصة لمشاريع الترميم وتأهيل المباني القائمة، أو لبناء مدارس جديدة. وبهذا يصبح السؤال: هل مدارس عاصمة الشمال غير مشمولة بمشاريع الترميم والتأهيل هذه؟

مدارس الشمال متصدّعة

استناداً إلى المسح الشامل للمباني المدرسية ضمن مشروع “دراستي” عام 2014، فإنّ 55% من مدارس محافظة الشمال بحاجة إلى صيانة عاجلة. إذ إنّ 30% منها وضعها سيّئ جداً، و25% وضعها سيّئ. ويشير هذا المسح إلى أنّ “40 من أصل 96 مدرسة فيها تصدّعات وتشقّقات، وهي الأكثر حاجة إلى التدخّل من أجل تحقيق المعايير الدنيا للسلامة والصحّة”.

الأسوأ من التهميش هي عمليات الترميم الكارثية التي طالت عدداً ضئيلاً من مدارس طرابلس والشمال، كما هو حال ثانوية القبة المختلطة الثانية

عام 2016، أطلقت وزارة التربية المرحلة الثانية من مبادرة توفير التعليم لجميع الأطفال “RACE2″، المدعومة من البنك الدولي. وحصلت على مبلغ 2.1 مليار دولار (1.8 مليار من البنك الدولي، و224 مليون دولار من جهات دولية مانحة) لتمويل 4 بنود، بينها “الإنشاءات والترميم والتجهيز للمدارس الحكومية” التي لحظ لها مبلغ 270 مليون دولار.

ثانوية "فضل المقدم"

يشير تقرير صادر عن “مركز الدراسات اللبنانية” إلى أنّه كان من المفترض حسب خطط البنك الدولي إنفاق نحو 155 مليون دولار لبناء وترميم المباني المدرسية في 665 مدرسة. وتعزيز القدرة الاستيعابية للمدارس بنحو 45 ألف مقعد إضافي. بما يعني أنّه عند نهاية المشروع عام 2021 كان يجب أن تكون عمليات الترميم قد أنجزت في المدارس التي بحاجة إلى ذلك. بيد أنّ الحصول على تقرير حول كيفية إنفاق المبلغ والمدارس التي جرى ترميمها يعدّ من المستحيلات في بلد يعادي الشفافية قبل إسرائيل.

الأسوأ من التهميش هي عمليات الترميم الكارثية التي طالت عدداً ضئيلاً من مدارس طرابلس والشمال، كما هو حال ثانوية القبة المختلطة الثانية، التي تسبّبت بمقتل الطالبة ماغي محمود، علماً أنّ الثانوية نفسها شهدت حصول انهيارات على مدى 3 سنوات، حسب شهادة بعض الطالبات. عقب الحادثة، قامت الوزارة بإقفال الثانوية دون إجراء أيّ عملية ترميم. ولولا تحرّك المجتمع المحلّي في جبل محسن والنائب حيدر ناصر لتأمين بعض المال لإجراء ترميم حقيقي، لبقيت الثانوية مقفلة إلى اليوم.

استناداً إلى المسح الشامل للمباني المدرسية ضمن مشروع “دراستي” عام 2014، فإنّ 55% من مدارس محافظة الشمال بحاجة إلى صيانة عاجلة

المال موجود

خلال جولة للوزير عباس الحلبي في 4 أيار الماضي على عدد من المدارس التي تخضع للترميم. قال لوسائل الإعلام إنّه “يتمّ راهناً ترميم وإضافة بناء إلى مبانٍ رسمية قائمة لمجموعة تشمل 49 مدرسة رسمية موزّعة على كلّ المناطق اللبنانية. وتبلغ تكلفتها نحو 32 مليون دولار مصدرها القرض الدولي S2R2”. وأضاف أنّ “ثمّة مجموعة ثانية من المدارس يبلغ عددها 120 سوف يتمّ ترميمها على نفقة اليونيسيف. وقد بدأ ترميم الجزء الأول منها، فيما سيبدأ ترميم المدارس الباقية في الصيف (2023)”. وبالتالي هناك أموال لعمليات ترميم المدارس، فلماذا لم تشمل مدارس الشمال؟ أم أرواح طلابها وطالباتها ليست ذات أهمية؟

جميع مديري المدارس أرسلوا تقارير عن أوضاع مدارسهم بعد حادثة مقتل ماغي محمود. وبينهم إدارات ثانوية “فضل المقدم” نفسها، التي تشير المعلومات إلى أنّه سبق لها رفع تقرير إلى المنطقة التربوية عن وضع المبنى السيّئ حتى قبل تلك الحادثة، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟

تشير مصادر طرابلسية متابعة إلى أنّ الحلّ الأمثل للحفاظ على أرواح طالبات ثانوية “فضل المقدم”. وضمان استمرارية عامهنّ الدراسي في الوقت عينه

يطرح كلّ ذلك العديد من علامات الاستفهام حول أداء وزير التربية، وكذلك رئيس الحكومة. فعدا عن كونه رأس السلطة التنفيذية، فإنّ ميقاتي فيما مضى كان سبّاقاً في إطلاق المبادرات، حينما كان في منافسة حادّة مع تيار المستقبل أيام عزّه. ومن هذه المبادرات، ترميم عشرات المدارس الرسمية عبر جمعية “العزم”، التي لا يزال شعارها حاضراً على مدخل كلّ واحدة منها. أمّا اليوم، فإنّه لم يحرّك ساكناً، لا إزاء حادثة ماغي محمود، ولا الخطر الداهم للعديد من المباني المدرسية، حيث يبدو أنّ انسحاب منافسيه من الميدان دفعه إلى إقفال باب المبادرات الخيرية.

إقرأ أيضاً: الجامعة الوطنيّة: فتنة سنّيّة وحرمان طرابلس وعلويّيها

تشير مصادر طرابلسية متابعة إلى أنّ الحلّ الأمثل للحفاظ على أرواح طالبات ثانوية “فضل المقدم”. وضمان استمرارية عامهنّ الدراسي في الوقت عينه. يتمثّل بنقلهنّ إلى “معهد طرابلس الفندقي” في الميناء، لأنّ لديه قدرة استيعابية، مع شرط تأمين الحكومة بدلات نقل أو على الأقلّ وسائط نقل. بالتوازي مع إجراء عملية ترميم حقيقية لمبنى الثانوية ولو عبر موازنة طوارئ.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…