يكشف مصدر مصريّ مطّلع أنّ القاهرة تطرح تساؤلات بشأن حقيقة الموقف الأميركي من هجوم إسرائيل في رفح، خصوصاً أنّ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّه “أعطى الأوامر للجيش الإسرائيلي للاستعداد” لهذا الأمر، جرى بعد ساعات على لقاء جمعه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. ويقول المصدر إنّه فيما تؤكّد واشنطن أنّها غير موافقة على خيار إسرائيلي من هذا النوع، غير أنّه لم يصدر عن الإدارة ما يمكن أن يكون رادعاً مختلفاً عن “تفهّم” الولايات المتحدة للحرب على قطاع غزّة إثر حدث 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023).
يلفت المصدر إلى تزامن هذا الغموض مع تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن فجّرت سجالاً بين واشنطن والقاهرة بشأن مسؤولية مصر من عدمها عن فتح معبر رفح على الحدود المصرية الغزّيّة. يقرّ المصدر أنّ الإدارة الأميركية اتّخذت مبكراً موقفاً رافضاً لخطّة إسرائيل تهجير سكان غزّة باتجاه سيناء، غير أنّه يضيف أنّ مصر ترى أنّ التصريحات ليست ضماناً كافياً يمنع إسرائيل من أن تفرض بالنار أمراً واقعاً ميدانيّاً يدفع الغزّيين صوب الأراضي المصريّة.
يؤكّد مصدر مصري ما نشرته صحيفة “وول ستريت” الأميركية من أنّ القاهرة حذّرت تل أبيب من أنّه إذا تمّ تهجير الفلسطينيين إلى مصر فسيتمّ تعليق معاهدة السلام بين البلدين
التداعيات على العلاقات المصرية الإسرائيلية
تُعتبر “حرب رفح” أكبر أزمة تشهدها العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ حرب 1973. فالمدينة الواقعة جنوب قطاع غزّة بالقرب من الحدود مع مصر اندفع إليها الغزّيون باعتبارها أكثر المناطق أمناً. غير أنّ حرباً ضدّ محافظة تكدّس أكثر من 1.3 مليون شخص داخل أحيائها من شأنه، وفق الأمم المتحدة، أن تتسبّب بأزمة إنسانية عالمية غير مسبوقة، فيما وصف منسّق السياسة الخارجيّة بالاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل الهجوم المحتمل بـ”الكارثة الإنسانيّة التي لا توصف”. وتأتي أعراض هجوم رفح مصحوبة بخطط يؤكّد نتنياهو العزم على تنفيذها وتقضي بالسيطرة العسكرية على محور صلاح الدين (فيلادلفيا). ويُعدّ المحور الذي يمتدّ على طول الحدود المصرية مع القطاع بطول 14 كيلومتراً، منطقة عازلة بموجب معاهدة كامب ديفيد الموقّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
يقول المصدر إنّ القاهرة أرسلت التحذير تلو التحذير بشأن مفاعيل الأمر على اتفاقية السلام المبرمة في عهد الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن برعاية الولايات المتحدة في عهد الرئيس جيمي كارتر. وكما أنّ مسؤولية الحفاظ على معاهدة السلام هي مصرية إسرائيلية، فهي أيضاً أميركية بامتياز وتتطلّب موقفاً يتجاوز مستوى التصريحات والتلميحات التي تصدر عن واشنطن. ولئن تظهر أعراض الأزمة علناً في المواقف الرسمية التي تصدر عن القاهرة وغير الرسمية التي تعبّر عنها الصحافة والمنابر وضيوف الفضائيات، فإنّ حراكاً مصرياً عسكرياً بدأ يأخذ الأمور إلى مآلات مقلقة.
تعليق معاهدة السلام بين البلدين
يؤكّد المصدر ما نشرته صحيفة “وول ستريت” الأميركية من أنّ القاهرة حذّرت تل أبيب من أنّه إذا تمّ تهجير الفلسطينيين إلى مصر فسيتمّ تعليق معاهدة السلام بين البلدين. ويضيف أنّ اتصالات مكثّفة جرت بين العاصمتين لتأكيد جدّية مصر في رفض السيناريوهات الإسرائيلية بشأن “الترانسفير” الذي لطالما عُرضت أشكال منه على القاهرة في عهدَي الرئيسين حسني مبارك ومحمد مرسي. غير أنّ القاهرة أرفقت التحذير المصري بشأن معاهدة السلام بتحرّكات ميدانية لافتة. يضيف المصدر أنّ “القاهرة مستعدّة للاستغناء عن كامب ديفيد إذا كان ذلك يضمن أمن البلاد”.
يكشف المصدر أنّ إسرائيل لمّحت إلى ما قبلته خلال العقد الأخير من إدخال تعديلات على البروتوكول الأمني والعسكري لمعاهدة السلام من خلال السماح للقوات المصرية بالوجود بكثافة في سيناء لمواجهة موجات الإرهاب التي تعرّضت لها. ويضيف أنّ إسرائيل تحاول أن تفرض على القاهرة مقارنة غير مقبولة بين تعاطي مصر مع الإرهاب وتعامل إسرائيل الإجرامي مع المدنيين، إضافة إلى أنّ إسرائيل وافقت آنذاك على تلك التعديلات لمصلحة لها في عدم تسرّب الإرهاب في سيناء إلى داخل إسرائيل.
تتحدّث التقارير عن أنّ القوات المصرية عزّزت انتشارها على طول الحدود مع غزّة من البحر المتوسط شمالاً حتى كرم أبو سالم جنوباً، وعن تحريك عشرات الدبّابات والعربات المدرّعة باتجاه الحدود قالت “رويترز” إنّ عددها نحو 40 دبّابة وناقلة جند أُرسلت إلى شمال شرقي سيناء في الأسبوعين الماضيين، في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة. وتحدّثت تقارير أخرى عن اجتماعات عقدها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع قيادات الجيش والمخابرات لبحث خطط الردع المحتملة للردّ على الأخطار التي تهدّد أمن البلد الاستراتيجي. ويوضح مصدر مقرّب من أجواء الاستعدادات أنّ إرسال عشرات القطع من الأسلحة المدرّعة يهدف إلى توفير قوّة ردع أوّلية ورأس حربة يتقرّر وفقها تحرّك الجيش الثاني المكلّف بالدفاع عن تلك المنطقة.
مصر تستعدّ للحرب
يؤكّد المصدر أنّ مصر لا تتحدّث عن الحرب لكنّها تستعدّ لها أو لشكل من أشكالها، وأنّ واشنطن وتل أبيب قد تبلّغتا قراراً استراتيجياً مصرياً بعدم السماح لإسرائيل بتنفيذ “الترانسفير” الموعود الذي لطالما تكرّرت فكرته لدى كلّ العهود والحكومات الإسرائيلية في العقود الأخيرة. وكان المتحدّث باسم الرئاسة المصرية، أحمد فهمي، قد كرّر التأكيد على أنّ “تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية لن يحدث”. ويذكّر المصدر بموقف مصري رسمي صدر عن الرئيس المصري في تشرين الأول الماضي قال فيه إنّ “تصفية القضية الفلسطينية دون حلّ لن تحدث، وفي كلّ الأحوال لن تحدث على حساب مصر أبداً”.
إقرأ أيضاً: رفح: طاولة قمار يراهن فيها نتانياهو على الجميع
يضيف المصدر أنّ اتصالات مصرية أميركية إسرائيلية جرت في الساعات الأخيرة بما في ذلك زيارة وفد مصري لتل أبيب، الجمعة الماضي، حمل تحذيراً من مغبّة قيام إسرائيل بقصف الجدار الحدودي لإحداث ثغرات لتهجير الفلسطينين قسرياً لتنفيذ “الترانسفير”، وأنّ الجانب الإسرائيلي أكّد تمسّكه باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية معتبراً أنّها أساس تاريخي لكلّ ما تطمح إليه إسرائيل من اتفاقات تطبيع مع العالم العربي. وعلى الرغم من ترويج مصادر إسرائيلية لخيارات أخرى لإخلاء المدنيين من رفح باتجاه الشمال وأيّ مناطق أخرى بعيدة عن الحدود مع مصر، غير أنّ المصدر المصري يؤكّد أنّ القاهرة لا تثق بالجانب الإسرائيلي في ظلّ أكثر حكومات إسرائيل تطرّفاً وعنصريةً وجنوناً، وأنّها تستعدّ لمواجهة استحقاق رفح، وأنّ كلّ الخيارات واردة.
على الرغم من كثافة حديث نتنياهو عن “حرب رفح” بصفتها حتمية، فإنّ ضغوط مصر وعواصم دولية قد تدفع إسرائيل إلى عمليات نوعية “قبل شهر رمضان”، وفق ما يطلب نتنياهو، على أن يتمّ تدبير خطط لإخلاء المدنيين، وفق مطلب بايدن. والظاهر أيضاً أنّ الضغوط أعادت تعويم صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل واحتمالات إنهاء الحرب من خلال اجتماع أميركي إسرائيلي قطري مصري في القاهرة، أمس، بحضور وليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية CIA. والواضح أنّ قرار مصر بإحباط ترانسفير رفح أعاد خلط الأوراق لمنع الحرب من تدمير “كامب ديفيد” وبروتوكولاتها، بما يعني العودة إلى مربّع صفريّ في علاقة إسرائيل مع مصر.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@