حملة دار الفتوى (2): هل يجوع الشيوخ؟

مدة القراءة 5 د


“خلال توزيع المساعدات الماليّة الحكومية في المدارس الرسمية، حضر عدد من المشايخ لتلقّي المساعدة مثل سواهم من المواطنين المستحقّين، فرفض القائمون على التوزيع تقديم المساعدة لهم بذريعة أنهم “رجال دين”، وعادوا خائبين منكسرين لا يملكون سوى الانزواء في بيوتهم والشكوى إلى الله”.

اختتمت الحملة التي نظّمها “ائتلاف المؤسسات الإغاثية في لبنان”، المكوّن من 17 جمعية خيرية واجتماعية ورعائية، برعاية سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لجمع التبرّعات دعماً للأسر المحتاجة ومساعدتها في زمن كورونا، فبلغت حصيلة التبرعات: 7 مليارات و36 مليوناً و195 ألف ليرة، ساهم فيها الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام، ووزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، والنواب نهاد المشنوق، ونزيه نجم ورولا الطبش، وشخصيات أخرى ومواطنون عاديون من غير المقتدرين استجابوا لنداء الدار.

إقرأ أيضاً: حملة دار الفتوى فرصة للحوار (1): من يمنع جمع الصفّ السني؟

على المستوى الإنساني والاجتماعي، لا بُدّ من إبداء التقدير لهذه الخطوة، خاصة في ظلّ تفاقم الأزمات المعيشية والاجتماعية، وستسهم المبالغ المتبرَّع بها في سدّ الحاجات الضرورية لكثير من العائلات المتعفّفة، مع اعتماد الشفافية وحسن التنظيم لإيصال المعونات إلى مستحقيها. لكن بالتوازي مع هذا الإنجاز، تبرز للنقاش قضيةٌ مهمّة تتناول أوضاع الخطباء والأئمة والمدرّسين وخادمي المساجد، وهي أوضاع متدهورة للغاية أصلاً. فمعظم هؤلاء يتقاضون بدلاً مالياً ينحدر إلى المائة ألف ليرة لبنانية. وفي ظلّ الأزمة الراهنة لم يعد يساوي شروى نقير، وهو أصلاً مبلغ لا يكفي لسدّ الرمق، بضعة أيام قبل الأزمة، لمن نريد منهم الريادة والتوعية والقيام بالواجبات في المؤسسات الدينية.

هذا الواقع يعلمه ويتجاهله الكثيرون داخل دار الفتوى وخارجها. ومع اختتام حملة التبرّعات، فإن الهيئات والشخصيات القائمة على هذا العمل المبارك، مدعوّة للتشاور مع سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ولتكن المبادرةُ منها لرفع الحرج عن الدار، بأن تقترح شمل الأئمة والخطباء والعاملين في مؤسسات الدار، ممّن يعيشون تحت خطوط الفقر، لتشملهم المعونة باعتبارهم من مستحقّيها. فهم أهلُ فضلٍ وخير وتضحية، يعملون لقاء بدلاتٍ لم تكن يوماً تكفي للحياة الكريمة، وهم اليوم يقعون ضحايا الفقر والجوع والتهميش.. ثمّ إنّ الأقربين وأهل الدار أولى بالمعروف.

من يتابع أوضاع هذه الشريحة من المواطنين، يدرك أننا أمام حالاتٍ مأساوية ظهرت بعضُ صورها خلال التظاهرات والاحتجاجات التي قام بها العاملون في القطاع الديني أمام دار الفتوى في طرابلس وفي عكار ومناطق أخرى. وهي مآسٍ مزمنة شكّلت أحد أخطر الثغرات في الجسم الديني وعرّضته للكثير من المآزق، سواء في السعي للاستتباع السياسي لدى البعض منهم أو في الخروج على منهج الوسطية لدى قلّة قليلة، أو في اليأس والاستسلام للواقع وفقدان القدرة على العمل والتصدّي للتحديات التي تواجه المجتمع، وأهمّها التصدّي للفكر المتطرّف ومخاطره المحدقة والمستمرّة، وللآفات الاجتماعية مثل المخدّرات المتفشّية في الشوارع والجامعات والمنازل..

هذا النموذج من التقدير الإنساني الدولي للقيادات الدينية يجب أن يفتح عيوننا إلى أهمية الأدوار المنتِجة التي يمكن أن يقوم بها أعضاء الجسم الديني الإسلامي والمسيحي على حدٍّ سواء

الموقف الداعم لدور العلماء والدعاة والجسم الديني عموماً ليس اجتهاداً خاصاً ولا تعاطفاً شخصياً فقط مع شريحة تعاني وطأة الحرمان، بل ما نرمي إليه هو لفت النظر إلى أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به هؤلاء العاملون في الحقل الديني مساهمةً في نشر الوعي والمساهمة في تحصين المجتمع، وخاصة في هذه المحنة التي يوقعها وباء كورونا بالمجتمعات الإنسانية عموماً وفي لبنان خصوصاً.

ليس أدلّ على هذا الدور من البيان المشترك الذي وزعته منظمة “اليونيسف” ومنظمة الصحة العالمية في لبنان، وأوضح دعمهما للشركاء الذين يعملون مع القادة الروحيين لضمان استمرار تنفيذ التدابير الوقائية في المجتمعات المحلية للمكافحة ضد كوفيد-19.

ولفت البيان المنشور بتاريخ 24 نيسان الجاري إلى أنّ “منظمة الصحة العالمية و”اليونيسف” تقومان على توحيد الجهود مع الشركاء في لبنان تماشياً مع “مبادرة الدين في ميدان العمل”، العالمية متعدّدة الأديان، المعنيّة بكوفيد 19 في العمل على زيادة الوعي حول آثار هذا الوباء على المواطنين. بينما يستعدّ الكثيرون لشهر رمضان المبارك، يلعب القادة الروحيون دوراً مهما للغاية في رفع مستوى الوعي وتعزيز تدابير الحماية لمنع انتقال كوفيد-19 وتأكيد قيمة التضامن داخل المجتمعات”.

هذا النموذج من التقدير الإنساني الدولي للقيادات الدينية يجب أن يفتح عيوننا إلى أهمية الأدوار المنتِجة التي يمكن أن يقوم بها أعضاء الجسم الديني الإسلامي والمسيحي على حدٍ سواء. وبناءً على ما تقدّم، ندعو الجمعيات والمؤسسات التي نظّمت حملة التبرّعات برعاية سماحة المفتي إلى التشاور معه لضمّ العاملين في ملاك الدار وشملهم بالمساعدات بالشكل الذي يضمن تحديد المستحقين منهم للمساعدة، وصولاً إلى إيجاد الوسائل الضامنة لكفايتهم وحفظ كراماتهم وتعزيز مكانتهم الإنسانية والاجتماعية والتوعوية والإرشادية. فهذه المبادرة أثبتت أنّه يمكن التحرّك والاستجابة للمتطلّبات الطارئة وفق استراتيجية مستدامة تتضمّن خططاً وقفية إنتاجية مطوّرة تواكب الأزمات، بغضّ النظر عن ما إذا وصلتهم مكرمةٌ من هنا أو مساندة محدودة من هناك.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…