ماتّ فيليبس- نيويورك تايمز
تزايد المستثمرون في جميع المجالات في أنشطة البورصة الأميركية خلال هذا العام، مما خلق مستويات من التفاعل يذكرنا بانفجار الدوت-كوم (الإنترنت). يقول المحلّلون إنّ ثمة مجالاً لتصاعد الظاهرة، لكّن البعض قلق من أن تكون مجرد فقاعة.
سوق البورصة لن يستسلم.
غليان السوق الملحوظ خلال هذا العام يرجح أنّه لا يمكن إيقافه – على الرغم من الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص، وأوقف الملايين عن العمل وأغلق الأعمال التجارية في جميع أنحاء البلاد – ويتجه الآن إلى النشوة الصريحة.
يجد كبار المستثمرين الذين كانوا متفائلين عام 2020 أسبابًا جديدة للثقة في تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي المستمرة في الحفاظ على استقرار الأسواق وانخفاض أسعار الفائدة. المستثمرون الأفراد، الذين تزاحموا في السوق هذا العام، يتداولون الأسهم بوتيرة لم نشهدها منذ أكثر من عقد، مما يقود جزءًا كبيرًا من مسار السوق التصاعدي.
قال تشارلي ماكليغوت، محلل السوق لدى نومورا سيكيوريتيز في نيويورك: “من الواضح أن السوق الآن بات يُسيل اللعاب”.
فقد ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة %15 تقريبًا هذا العام. وفقًا لبعض مقاييس تقييم الأسهم، يقترب السوق من المستويات التي شوهدت لآخر مرة في عام 2000، حين بدأت فقاعة “الدوت كوم” بالانفجار. ولأنّ الشركات تصدر أسهماً جديدة للعامة، تشهد العروض العامة الأوّلية أكثر أعوامها ازدحامًا منذ عقدين، حتى لو كانت العديد من الشركات الجديدة غير مربحة.
قلة هم الذين يتوقعون تكرارًا لانهيار “الدوت كوم” الذي بدأ في عام 2000. وقد أدّى هذا الانهيار إلى تبخّر نحو 40% من قيمة السوق، أو أكثر من 8 تريليونات دولار من ثروة سوق الأسهم. وقد ساعد في سحق ثقة المستهلك حين انزلقت البلاد إلى الركود في أوائل عام 2001.
لكن من الشائع بشكل متزايد أن نسمع محلّلي السوق وهم يشيرون إلى تلك الأحداث عند محاولة فهم اتجاهات السوق الحالية.
قال بن إنكر، رئيس تخصيص الأصول في شركة Grantham لإدارة الأموال في بوسطن: “نشهد نوعًا من الجنون الذي لا أعتقد أنّه كان موجودًا، وبالتأكيد ليس في الولايات المتحدة منذ فقاعة الإنترنت. هذا يذكرنا جدًا بما حدث”.
غليان السوق الملحوظ خلال هذا العام يرجح أنّه لا يمكن إيقافه – على الرغم من الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص، وأوقف الملايين عن العمل وأغلق الأعمال التجارية في جميع أنحاء البلاد – ويتجه الآن إلى النشوة الصريحة
وصمدت المكاسب حتى مع التشكيك في مصير مشروع قانون التحفيز الاقتصادي الذي أقرّه الكونغرس عندما شجبه الرئيس ترامب. وعلى الرغم من خسارة طفيفة في سوق الأسهم خلال الأسبوع الماضي، إلا أن مؤشرات S&P 500 و Dow Jones الصناعي وNasdaq لم تشهد ارتفاعات قياسية.
هناك أسباب تجعل المستثمرين يشعرون بالتفاؤل. صوّتت الهيئة الانتخابية في 14 كانون الأول لإضفاء الطابع الرسمي على فوز الرئيس المنتخب جوزف بايدن، ما وضع نهاية لانتخابات رئاسية مثيرة للجدل أثرت على الأسواق. وبدأت حملة تلقيح على مستوى البلاد ضد فيروس كورونا، مما يشير إلى بدء عودة البلاد إلى طبيعتها.
ويقول العديد من محللي السوق والمستثمرين والمتداولين إنّ الأخبار الجيدة، رغم كونها واعدة، لا تكفي لتبرير الزخم المتصاعد في الأسهم، لكنّهم أيضًا لا يرون سببًا أساسيًا لتوقفها في أي وقت قريب.
في المقابل، لم يشارك العديد من الأميركيين في المكاسب. حوالي نصف الأسر الأميركية لا تمتلك أسهمًا. حتّى بين أولئك المتملكين، فإنّ أغنى 10% يسيطرون على حوالي %84 من القيمة الإجمالية لهذه الأسهم، وفقًا لبحث أجراه إد وولف، خبير اقتصادي في جامعة نيويورك يعد دراسة حول القيمة الصافية لثروة العائلات الأمريكية.
الحفل كأنّنا في 1999
ربما يكون هذا أوضح مثال على حماسة المستثمرين الجامحة في السوق بالنسبة لإطلاق سوق الأوراق المالية I.P.O.. مع أكثر من 447 عرضًا جديدًا للأسهم وأكثر من 165 مليار دولار تمّ جمعها هذا العام. فعام 2020 هو أفضل عام لإطلاق سوق الأوراق المالية منذ 21 عامًا، وفقًا لبيانات من Dealogic. (في عام 1999، جمع 547 إطلاقاً لسوق الأوراق المالية ما يقرب من 167 مليار دولار من دولارات الولايات المتحدة اليوم). تبنّى المستثمرون الشركات الصغيرة لكن سريعة النموّ، خصوصاً تلك التي تحمل أسماء تجارية قوية.
ارتفعت أسهم خدمة توصيل الطعام DoorDash بنسبة 86% في يوم تداولها لأوّل مرّة هذا الشهر. في اليوم التالي، قفزت أسهم Airbnb الصادرة حديثًا بنسبة 113%، ما أعطى شركة تأجير المنازل قصير الأمد تقييمًا للسوق بأكثر من 100 مليار دولار. لا تحقّق أيّ من الشركتين أرباحًا. يقول الوسطاء إنّ الطلب القوي من المستثمرين الأفراد أدّى إلى زيادة التداول في Airbnb و DoorDash. وقف مديرو الأموال المحترفون جانبًا لوقت طويل، وهم يتأملون الأسعار التي كان المستثمرون الصغار على استعداد لدفعها.
بالنسبة للشركات التي تم طرحها للاكتتاب العام في شهر كانون الأول، قفزت الأسهم في اليوم الأوّل للتداول بمعدل نحو 87%??، اعتبارًا من الأسبوع المنتهي في 18 كانون الأول، وهذا هو أعلى مستوى منذ أوائل عام 2000، حين بدأت فقاعة التكنولوجيا في الانفجار.
قال جاي ريتر، أستاذ المالية في جامعة فلوريدا الذي يدرس إطلاق سوق الأوراق المالية: “إنّها ليست فقاعة واضحة كما كانت قبل 20 عامًا. لكنّنا قريبون من منطقة الفقاعة”.
يقول العديد من محللي السوق والمستثمرين والمتداولين إنّ الأخبار الجيدة، رغم كونها واعدة، لا تكفي لتبرير الزخم المتصاعد في الأسهم، لكنّهم أيضًا لا يرون سببًا أساسيًا لتوقفها في أي وقت قريب
يبدو السوق محمومًا بمقياس آخر يستخدمه المستثمرون غالبًا لتحديد مدى رخص أو تكلفة السهم: سعره بالنسبة إلى الأرباح التي يتوقع أن يحققها. حاليًا، تخطت ما تسمى نسبة السعر إلى الأرباح لشركات S&P 500 نسبة 22%، وهذا ما كانت عليه معظم العام. آخر مرة بلغ فيها السوق هذا المستوى باستمرار كانت في عام 2000.
تزايد المستثمرين الصغار
كانت شراهة المستثمرين الأفراد نتيجة ثانوية غير متوقعة للوباء. بالنسبة للكثيرين، بدأ تداول الأسهم كوسيلة للانغماس في المضاربة عندما تمّ إغلاق الطرق الأخرى بشكل فعال كما المقامرة الرياضية.
أحد هؤلاء كان تيم مولفينا (32 سنة)، وهو بائع برمجيات طبية في أونونتا بنيويورك. سجّل دخوله في شهر آذار لأوّل مرّة إلى Robinhood، وهو تطبيق تداول مجاني شائع لدى صغار المستثمرين، وبدأ بشراء الأسهم مع انهيار الأسواق.
قال السيد مولفينا: “يجب أن أعمل وأرى إلى أين يأخذني هذا”.
وقد حقّق مكاسب بنسبة 60% تقريبًا على شركة Apple، وهي أكبر مركز له. وتضاعف استثماره في شركة المقامرة الاقليمية Penn National Gaming التي اشترت Barstool Sports، وهو موقع رياضي رقمي كان السيد مولفينا معجبًا به.
كانت شراهة المستثمرين الأفراد نتيجة ثانوية غير متوقعة للوباء. بالنسبة للكثيرين، بدأ تداول الأسهم كوسيلة للانغماس في المضاربة عندما تمّ إغلاق الطرق الأخرى بشكل فعال كما المقامرة الرياضية
حتّى أولئك الذين علقوا في استثمارات أقلّ نشاطًا، مثل المستثمرين في401(k) ، الذين يساهمون بإخلاص في صناديق مؤشر الفانيليا، استفادوا من الانجراف التصاعدي للسوق، ما جذب المزيد من التدفقات الداخلة. وقد أشار محللون في Bank of America Merrill Lynch مؤخرًا إلى أنّ “الأسعار الهشّة والوضع الجشع” هي السبب وراء التدفقات الضخمة إلى الصناديق المشتركة في أسواق الأسهم والصناديق المتداولة في البورصة في الأسابيع الستة الماضية.
على غرار ما فعلوه في تسعينيات القرن الماضي، يقوم المستثمرون الصغار بضخ الأموال في الشركات العصرية التي تركز على التكنولوجيا، والتي شهد العديد منها تجارة فاعلة خلال الوباء. الشركات المفضلة لديهم تضم شركة تصنيع برامج الحوسبة السحابية Snowflake، وشركة Palantir للمراقبة عبر الإنترنت، وشركة تخزين الطاقة QuantumScape، التي ارتفعت بنسبة 144? في كانون الأوّل وحده. يحبّ المستثمرون أيضًا السوق عبر الإنترنت Etsy، الذي ارتفع بنسبة 330 في المئة هذا العام. ومنذ أكثر من أسبوع بقليل، ارتفعت 908 Devices – وهي شركة لتصنيع الأجهزة التحليلية المحمولة – بنحو 150% في أوّل تداول لها.
“لم تبلغ القمة بعد”
عادةً ما يُنظر إلى المستويات الشديدة من تفاؤل المستثمرين على أنّها إشارة تحذير من أنّ السوق قد يكون عرضة للانخفاض المفاجئ، لأنّه يعني وجود عدد أقلّ من المستثمرين على الهامش، ممن يمكنهم الانضمام ودفع الأسهم إلى الأعلى. وانفجرت فقاعة “الدوت كوم” بعد شهور من الزيادات الثابتة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، التي أدّت إلى تراجع النمو الاقتصادي.
إقرأ أيضاً: كورونا لبنان: الإقفال بعد الأعياد سُمٌ لا بدّ من تجرّعه
لكنّ العديد من المستثمرين، حتّى أولئك المتخوفين من العلامات المتزايدة للثقة المفرطة في السوق، يقولون إنّه من المعقول توقع استمرار ارتفاع الأسهم. من غير المرجح أن تتغير سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في أيّ وقت قريب. من المرجّح أن يستمرّ صغار المستثمرين في التداول بنشاط في الوقت الحالي. وفي ظلّ تعافي الاقتصاد وانتعاش الإنفاق الاستهلاكي، من المحتمل أن ترتفع أرباح الشركات، بينما من غير المرجح زيادة ضرائب الشركات إذا لم يسيطر الديمقراطيون على الكونغرس.
أصبح جيب بريس، المدير في شركة Spears Abacus لإدارة الأموال في نيويورك، أكثر حذرًا بشأن ما يراه مستويات مفرطة من الرضا عن النفس في السوق. لقد باع بعض الأسهم التي يعتقد أنّها ذات قيمة عالية للغاية، لكنّه لم يقم بأيّ تغييرات كبيرة على حقيبته: “كلّ هذه الأمور تجعلني متوتّراً، لكن في الوقت نفسه، لا أرى سبباً لتوقفها. لم تبلغ القمّة بعد”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا