لم يدخل يوماً سعد الحريري إلى السراي الحكومي، التي وضع والده عند بابها عبارة، “لو دامت لغيرك ما آلت إليك”، بهذا العنفوان والثقة ، كما دخل إليها يوم الجمعة الفائت ليتضامن مع الرئيس المستقيل حسان دياب بعد الادّعاء عليه في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
في المرّات السابقة كانت الطائفة السنّية توصل سعد الحريري حاملةً إياه إلى السراي على الأكتاف، فيقف عند بابها مودّعاً إيّاها متأبّطاً يد خصومه، تارةً حزب الله وحلفائه، وتارة أخرى جبران باسيل. كان يدخل السراي بأصوات وأحلام السُنّة ثم يحكم بأصوات خصومه.
للمرّة الأولى يدخل سعد الحريري إلى هناك، يمشي على السجادة الحمراء وخلفه طائفته، الأنصار والعاتبون والخصوم.
لقد حقّق سعد الحريري يوم الجمعة الفائت أمرين، الأوّل هو دخوله المبكر إلى السراي قبل توقيع رئيس الجمهورية تشكيلته العتيدة وإصدار مراسيم التشكيل، والثاني هو الخروج المتأخّر الآمن للرئيس حسان دياب من السراي، والذي ما كان ليتحقق لولا هذه الزيارة. وهو ما سمح مباشرة لحسان دياب بمغادرة السراي والعودة للسكن في منزله بتلة الخياط الذي كان يخشى العودة إليه.
للمرّة الأولى يدخل سعد الحريري إلى هناك، يمشي على السجادة الحمراء وخلفه طائفته، الأنصار والعاتبون والخصوم
قد يعيب البعض سعد الحريري بذلك، وهم أنفسهم ما ذهبوا إلى مكان يوماً إلا وكانت طوائفهم ومذاهبهم خلفهم. ألم يستدعِ الرئيس ميشال عون موارنته وأنصاره إلى الشوارع المحيطة بقصر بعبدا، عندما جاء الثوار للتظاهر هناك؟ ألم يقُل البطريرك الماروني بشارة الراعي إنّ المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية مرفوضة، وإنّ هذا الموقع خطّ أحمر.
ألم يواجه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ثورة 17 تشرين عند جسر الرينغ وفي ساحة رياض الصلح وخلفه أنصاره ومقاتلوه يصرخون: “شيعة شيعة شيعة”.
ألم يدافع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن منزله ومقرّاته بشباب الحركة وشرطة المجلس التي هي فوق كل حساب وقانون؟
سعد الحريري نهار الجمعة الفائت في السراي الحكومي فعل ما سبقه الجميع إليه. دخل إلى السراي وخلفه السُنّة، بفارق واحد أنّهم لم يصرخوا: “سُنّة سُنّة سُنّة”، بل كانوا يصرخون: “دولة ودستور، دولة ودستور”. ما قام به سعد الحريري يعيد الأمور إلى المربع الطائفي، لكنّ السؤال هنا: هل غادر باقي الأطراف من كل الطوائف هذا المربع في يوم من الأيام؟
ألم يدافع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن منزله ومقرّاته بشباب الحركة وشرطة المجلس التي هي فوق كل حساب وقانون؟
لقد شعر السُنّة بالوحدة في الأفق المفتوح للوطن، والوحدة جعلتهم عرضة للاستهداف والإلغاء في موقعهم بالشراكة الوطنية، جعلتهم أمام خيار الانتساب لما يُسمّى “سرايا المقاومة” أو الإقامة في المبنى “ب” في سجن رومية.
إقرأ أيضاً: معركة الهيبة مستمرة.. من هو جَبَل ومن نمر السعيد؟
لقد عاد السُنّة إلى المربع المذكور تمتلكهم قناعة أنّ المغادرة منه إما أن تكون جماعية بباص واحد ورحلة واحدة لكلّ أبناء الوطن، وإما فالبقاء فيه ضمانة للعيش في وطن الطوائف والمذاهب.
عاد سعد الحريري إلى السراي مبكّراً ليس بتوقيع رئيس الجمهورية، ولكن بتوقيع طائفته، تماماً ككل التواقيع التي يحملها الرؤساء والسياسيون من طوائفهم ومذاهبهم.