الجسر لـ”أساس”: الامتياز القضائي يحمي رئيس الحكومة من الكيدية السياسية

مدة القراءة 6 د


منذ قيام المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان بالادّعاء على كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ووزير المال السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، شهد لبنان سلسلة انفجارات سياسية. ليس لأنّ هذا الادّعاء يشكّل سابقة من حيث الشكل والمضمون فحسب، بل لأنّه يثير تساؤلات كبرى حول خلفياته وكيفية قيام القاضي صوّان بتجاوز القانون المتعلّق بمحاكمة الرؤساء والوزراء، فضلاً عن آثار هذا الاتهام على مسار العدالة، كونه يقفز فوق الأولويات المتعلقة بضرورة كشف من يقف وراء الإتيان بنيترات الأمونيوم وإبقائها في المرفأ كلّ هذه السنوات، وصولاً إلى المسؤولية عن التفجير.

رئيس “لجنة الدفاع الوطني والداخلية” النيابية سمير الجسر أوضح أنّه “سبق للقاضي صوّان أن أرسل كتاباً إلى مجلس النواب، وأجابت هيئةُ مكتب المجلس بأنّ هناك أصولاً دستورية يجب اتّباعُها، وما حصل تجاوز للقانون لأنّ رئيس الحكومة والوزراء يُحاكَمون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وفق المادة 70 من الدستور التي تنصّ على أنّه: لمجلس النواب أن يَتـّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة أو لإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرارُ الاتهام إلاّ بغالبية الثلثين”.

يفترض الجسر في حديث لـ”أساس” أن “يكون القاضي صوّان على علم بهذه الموادّ الدستورية، فالمناخ السياسي هو الخلفيةُ الحقيقية لهذا الادّعاء البعيد عن القانون وهذا أمر مؤسف من شأنه أن يلحق الضّرر بالحقيقة وبمشاعر ومصالح أهالي الضحايا. أما الانحياز إلى التحقيق الشفاف وإلى الضحايا وذويهم فلا يبقي خيمةً فوق رأس أحد

ويلفت النائب الجسر إلى أنّ: “المادة 71 من الدستور تحسم أيّ التباس حول هذا الموضوع فتقول في نصٍّ صريح ومختصر:”يُحاكَم رئيسُ مجلس الوزراء أو الوزيرُ المتهم أمام المجلس الأعلى”، فهذا كلام وارد بالمطلق، والمطلق يفسّر على إطلاقه، وهذا يعني أنّ أيّ تهمة موجهة لرئيس الوزراء أو للوزير، يفترض أن يُحاكَم بها أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، من هنا نقول إنّ ادّعاء القاضي صوان هو في غير محلّه القانوني”.

ويفترض الجسر في حديث لـ”أساس” أن “يكون القاضي صوّان على علم بهذه الموادّ الدستورية، فالمناخ السياسي هو الخلفيةُ الحقيقية لهذا الادّعاء البعيد عن القانون وهذا أمر مؤسف من شأنه أن يلحق الضّرر بالحقيقة وبمشاعر ومصالح أهالي الضحايا. أما الانحياز إلى التحقيق الشفاف وإلى الضحايا وذويهم فلا يبقي خيمةً فوق رأس أحد.

ويشرح: “نحن لا نقول إنّه إذا كان رئيس الحكومة أو الوزير مسؤولاً فيجب ألا يُحاكَم، الجميع يجب أن يخضع للقانون، لكن هناك أصول لهذه المحاكمة يجب اتّباعُها. ومخالفة الأصول تـُنتج فوضى قانونية كما نرى اليوم”.

ويوضح الجسر أنّه “إذا نظرنا إلى دستورنا المُستمَدّ من الدستور الفرنسي نجد أنّ الامتياز القضائي المعطى لرئيس مجلس الوزراء وللوزير، هو لحماية من يتولى هذه المناصب من الوقوع تحت ضغط الكيدية السياسية التي تتيح لأيٍّ كان أن يعطل مسار العمل الحكومي أو الوزاري لمجرّد تقديم الادّعاء، وهذا لا يمنح رئيس الحكومة ولا الوزراء الحماية من المحاكمة”.

يستغرب الجسر كيف يمكن للقاضي أن يضع مسؤوليةً على رئيس الحكومة، ولا يراها واقعة على رئيس الجمهورية الذي صرّح عبر وسائل الإعلام أنّه أُبلغ بالأمر وحوّل الأوراق لإجراء المقتضى


وفي رأي الجسر فإنّه “ليس هناك فارق بين حصانة رئيس الجمهورية وبين حصانة رئيس الحكومة من حيث المبدأ، مع الإشارة إلى أنّ الدستور يتحدث بما يخصّ رئيس الجمهورية عن المحاكمة في حال ارتكاب الخيانة العظمى وخرق الدستور لأنّه أقسم على حماية الدستور، بينما تتحدث النصوص الدستورية في حالة رئيس الحكومة عن المحاكمة في حال ارتكاب الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات المترتبة عليه، لكنّ كليهما يقفان أمام المحكمة نفسها”.

ويؤكّد الجسر أنّ “مسؤولية رئيس الجمهورية واضحة، وهي تختلف عن مسؤولية الرئس حسان دياب نتيجة إعلانه أنّه كان يعلم بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، واكتفى بتحويل الملف إلى الجهات المختصة. أما العمل  الإجرائي فيقوم به الموظف المسؤول في الوزارة المعنية، ومن مسؤولية القضاء أن يتعاطى بمعيار واحد”.

ويستغرب الجسر كيف يمكن للقاضي أن يضع مسؤوليةً على رئيس الحكومة، ولا يراها واقعة على رئيس الجمهورية الذي صرّح عبر وسائل الإعلام أنّه أُبلغ بالأمر وحوّل الأوراق لإجراء المقتضى. وهذا أمرٌ مهمّ لأنّ مسؤولية فخامة الرئيس أو دولة الرئيس أو الوزراء تقف عند حدّ إحالة الأوراق إلى من تقع عليهم مسؤولية متابعة هذا الأمر واتخاذ الإجراء اللازم، وليس مطلوباً منهما، أو من أيٍّ منهما، أن يقوم بنفسه بعملٍ بدلاً من المسؤولين”.

ويرى الجسر أنّ الاتهام الذي وجّهه القاضي صوان إلى الرئيس دياب والوزراء الثلاثة، يقفز فوق أولوية معرفة من الذي أتى بالباخرة ومن الذي غطى التفريغ وإبقاء المواد شديدة الخطورة لما يزيد عن ستّ سنوات ومنع الدخول إلى المستودعات ومنع وضع الكاميرات فيها، هذا رغم وجود تقارير متواترة عن المخاطر التي تشكلها”.

ويختم الجسر بأنّ هذه المسؤولية “لا تقتصر على الرؤساء والوزراء، بل تشمل أيضاً القُضاة الذين وصلت إليهم هذه التقارير. فالأساس في القضية هو معرفة من أتى بنيترات الأمونيوم ومن منع إزالتها لنصل بعد ذلك إلى معرفة إذا ما كان هناك تقصير في إتمام الواجبات من رئيس الحكومة أو غيره أم لا”.

إلى هنا وينتهي كلام النائب الجسر.

لكن تبقى لدى الرأي العام تساؤلات وملاحظات كثيرة.

إقرأ أيضاً: صوّان يوقع تشكيلة الحريري في الفخّ

فعند وقوع جريمة تفجير مرفأ بيروت علت أصوات كثيرة تنادي بتحقيق دولي في هذه الجريمة التي تفوّقت في هولها على جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من حيث حجم الانفجار وأعداد الضحايا. فما جرى كان في دائرة قرار مسيطِر وآمِر، فوق الدولة وأجهزتها، وأعلى من التراتبية وروتينها. فهل ما يجري الآن هو استكمال للتغطية على تفجير نيترات الأمونيوم كما جرت التغطية على وجودها في المرفأ؟ أم أنّ لغة الدستور والقانون التي يتمسّك بها النائب الجسر ستكون لها الغلبة في نهاية المطاف؟

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…