يخوض حزب الوطنيين الأحرار استحقاقاً داهماً، لا يتّصل فقط برئاسته، بعد قرار دوري شمعون التنحّي عن الرئاسة وإفساح المجال أمام قيادات أخرى لبلوغ المنصب الأوّل في حزب نشأ على عقيدة محاربة التوريث… وإنّما بمستقبل الحزب العتيق ككل.
يكفي أن تكون انطلاقة الاستحقاق من على قوس المحكمة الابتدائية في بيروت، للتأكد من أنّ خللاً ما يعتري هذه المعركة المصيرية، خصوصاً بعدما تبيّن أن كميل دوري شمعون هو المرشّح الأبرز لخلافة والده، القرار الذي فتح باب جهنم على مصراعيه!
إذ صدر في 26 تشرين الأوّل عن المحكمة الإبتدائية في بيروت قرار بنتيجة الدعوى المقدمة بوجه حزب الوطنيين الأحرار وقضى بوقف تنفيذ قرار رئيس الحزب الصادر بتاريخ 24/5/2018 الذي ألغى جميع الانتسابات والتعيينات الحزبية وأوقف تنفيذ قرار أمين الداخلية الذي حدّد أعضاء الهيئة العامة، وأوقف تنفيذ قرار إجراء الانتخابات الحزبية بتاريخ 31 تشرين الأول 2020.
يتردد أن هناك أكثر من تيار يحاول القضم من الطبق الشمعوني: ثمة حالة آذارية تشارك “القوات” بطريقة غير مباشرة في التأثير عليها وجذبها. وثمة حالة حاولت استمالة النائب الكسرواني فريد هيكل الخازن (يحمل بطاقة منذ 17 عاماً) إلى جانبها
ولكن لماذا بلغت الأمور حدّ نشر غسيل الحزب على حبال القضاء والاعلام؟
وفق المتابعين، فقد اضطرّ بعض المعارضين للذهاب إلى القضاء لتعليق العملية الانتخابية التي كانت ستنتهي بجلوس كميل دوري شمعون على كرسي والده، لأنّ نظام الحزب رئاسي بامتياز، يمكّن من يشغل الموقع الأول من تعيين الهيئة الناخبة له. وعلى أثر الانتخابات النيابية الأخيرة التي تحمّس خلالها بعض القياديين لخوض الاستحقاق بثقة زائدة بالنفس، والتي انتهت بخسائر مدوية (منها كميل شمعون الذي لم ينل أكثر من ألف صوت تفضيلي)، أجرى رئيس الحزب دوري شمعون سلسلة تعيينات ومناقلات، (يتردّد أنّ أحد المعارضين ممن تقدموا بالطعن، وافق يومها خطياً على تلك التغييرات)، تبين لاحقاً أنها أتت بهيئة ناخبة يمكن لها نقل الرئاسة من ضفة الى أخرى وفقاً لرغبة دوري شمعون… ما دفع بعض المعارضين للطعن بالانتسابات والتعيينات الحزبية لوقف تنفيذ قرار أمين الداخلية الذي حدّد أعضاء الهيئة العامة، على اعتبار أنّها كان يفترض أن تتم بقرار من الأمين العام لا أمين الداخلية.
هذه الصورة هي التي تطوف على سطح الماء. لكن في العمق، المسألة أعمق من نظام داخلي وتعيينات، لتطال الحالة الشمعونية و”تركة” الحزب بعد انكفاء دوري شمعون. فمعارضو نجله يعتبرون أنّ الأخير لا يتمتع بالكفاءة الحزبية أو السياسية التي تسمح له قيادة الحزب والنهوض به من كبوته.
ولهذا يتردد أن هناك أكثر من تيار يحاول القضم من الطبق الشمعوني: ثمة حالة آذارية تشارك “القوات” بطريقة غير مباشرة في التأثير عليها وجذبها. وثمة حالة حاولت استمالة النائب الكسرواني فريد هيكل الخازن (يحمل بطاقة منذ 17 عاماً) إلى جانبها.
الأكيد أنّ الحالة الشمعونية أكبر من حزب الأحرار، وقد ذابت في العديد من القوالب الحزبية ومنها على سبيل المثال التيار الوطني الحر، ومنها من يعمل تحت لافتة “نمور الأحرار”، ومنها من انكفأ عن العمل الحزبي وجلس في البيت. فيما بقاياها لا تزال تواظب على زيارة مقرّ السوديكو القديم والمشاركة في نشاطاته.
هذه الصورة هي التي تطوف على سطح الماء. لكن في العمق، المسألة أعمق من نظام داخلي وتعيينات، لتطال الحالة الشمعونية و”تركة” الحزب بعد انكفاء دوري شمعون. فمعارضو نجله يعتبرون أنّ الأخير لا يتمتع بالكفاءة الحزبية أو السياسية التي تسمح له قيادة الحزب والنهوض به من كبوته
المفارقة أنّ معارضي شمعون يتهمونه بالسعي لبيع مركز الحزب، وبقربه من بهاء الحريري من باب تأمين دعم مالي، وهذا ما يثير بالنسبة إليهم خشية مما قد تحمله ولاية نجل دوري شمعون إذا ما ترك الحزب بين يديه.
تلك أخبار ينفيها المقربون من كميل ويأخذون على معارضيهم أنّ كل هذه التسريبات تهدف للتأثير على الحزبيين، ولقطع الطريق أمام وصول نجل دوري إلى الرئاسة مقابل أخذ الحزب إلى خيارات سياسية لا تشبهه، ولهذا هم يتمكسون برئيس للحزب من آل شمعون ضمانةً للمستقبل.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الفرعية: معارك مسيحية – مسيحية على النار!
في الواقع، حاول فريد الخازن لعب دور توفيقي بين الفريقين لكنّه لم يوفق في مسعاه ولهذا قرّر الانكفاء جانباً، مع العلم أنّ اتهامه بالسعي لرئاسة الحزب غير مبني على معطيات دقيقة. ذلك لأنّ النظام الحزبي يفرض على المرشح أن يكون حاملاً للبطاقة منذ أكثر من عشرين عاماً، وهو شرط لا يتوفر في الخازن. هو رفض التعليق على ما يثار في الإعلام معتبرا أنّ علاقته مع آل شمعون فوق هذه التجاذبات الإعلامية. وهو يحاول دائما تقريب وجهات النظر.
في المقابل يؤكد معارضو كميل أنّ المعركة التي يخوضونها لا تستهدف شخصاً وإنّما تسعى إلى تفعيل الشراكة في القرار الحزبي، لكي لا تبقى كل السلطات بيد شخص واحد، خصوصاً اذا كان يتمتع بالقدرة على تعيين الهيئة الناخبة وانتخاب نفسه من جديد وجديد. وبالتالي من الضروري وفق هؤلاء إعادة النظر بالنظام الداخلي للسماح بديموقراطية العمل والشراكة في القرار لحسن قيام الحزب ونهوضه… وإلا فما الذي يبرّر رفض ترشيح أمين الداخلية (بعد إقالته من منصبه) لمنصب رئاسة الحزب، بحجّة أنّه أمين للداخلية!!