في كانون الثاني 1975 زار الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان مصر في زيارة وصفت بـ “التاريخية” والتقى خلالها الرئيس المصري أنور السادات، وبحثا في شؤون كثيرة بينها العلاقات بين البلدين والصراع العربي الإسرائيلي. وقد حاول إعلام النظام المصري آنذاك إظهار ديستان وكأنه المخلّص، فكتب أحمد فؤاد نجم أغنية، لحّنها الشيخ إمام، وحملت كلماتها سخرية لاذعة من فاليري جيسكار ديستان الذي “حيجيب الديب من ذيله ويشبّع كلّ جيعان”، ومن الزيارة التي حاول إعلام النظام تصويرها وكأنها ستغيّر تاريخ مصر، و”التلفزيون حيلوّن، والجمعيات تتكوّن، والعربيات حتموّن بدل البنزين بارفان”، و”الفقرا حيكلوا بطاطا، وحيمشوا بكل ألاطة، وبدال ما يسمّوا شلاطة، حيسمّوا عيالهم جان”. وطبعاً، “ده كله بفضل صديقي ديستان الرومانتيكي”، الذي يبيع مع السادات المصريين سمكاً في البحر، فيما بلادهم تعاني الأمرّين اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
حدث هذا الأمر مع اللبنانيين حينما زارهم الرئيس الفرنسي الحالي إيمانوييل ماكرون مرتين، وخصّص مؤتمراً صحافياً بعد عودته إلى فرنسا للشأن الداخلي اللبناني. ثم بعد ذلك اختفى تماماً، بعد أن علّق مبادرته للإنقاذ إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. ولا يزال ماكرون غائباً تماماً عن الشأن اللبناني، بعدما بدا أنه غرق في الوحل اللبناني، وفشل في فرض إرادته على الطبقة السياسية التي وصفها بأنها “فاسدة واستحوذت على السلطة في لبنان”، متناسياً أنه جمع أفرقاء هذه السلطة في قصر الصنوبر في زيارته الأولى، والتقى بأقطابها، ووبّخها على عدم قدرتها على الحكم، وأعطاها فرصة لتدارك فشلها وإقرار ما أسماه “عقداً سياسياً” جديداً.
ثم في زيارته الثانية، كرّس لهذه الطبقة السياسية شرعيتها، عبر الاحتفال معها في الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، مستعيداً شيئاً من عنجهية “جدّ جدّه” الجنرال غورو. وفي مؤتمره الصحافي التوبيخي الأخير، أعطى فرصة وصفها أيضاً بـ “الأخيرة” للطبقة السياسية الفاسدة، والمستحوذة على السلطة، والتي يشعر بالخجل لما فعلته، وأمهلها من أربعة إلى ستة أسابيع “لتشكيل حكومة في إطار المبادرة الفرنسية”. لبنانيون كثر بعد هاتين الزيارتين، وهذا المؤتمر الصحافي الأخير، هلّلوا لماكرون واعتبروه المخلّص، وبدا أنّ الأزمة في البلاد تتجه إلى انفراج. وبعد أزمة محروقات كبيرة سبقت الزيارتين، تحلحلت الأمور، وعادت السيارات لتعبئة البنزين، وحلم كثيرون بأن “العربيات حتموّن بدل البنزين بارفان”. لكن قارورة “البارفان” الفرنسية، انكسرت بعد صراع عليها بين الأيدي التي تحاول أن تغطّي رائحة فسادها وفشلها بالعطر الفرنسي “الأخّاذ”، لتفحّ من القارورة رائحة فشل تزكم الأنوف.
لا يزال ماكرون غائباً تماماً عن الشأن اللبناني، بعدما بدا أنه غرق في الوحل اللبناني، وفشل في فرض إرادته على الطبقة السياسية التي وصفها بأنها “فاسدة واستحوذت على السلطة في لبنان”
ظنّ ماكرون أنه “حيجيب الديب من ذيله”، ولكنه فعلياً دخل في رقصة مع الذئاب في “غابة كلابها ديابة“.
أين ماكرون اليوم؟
ينظّم مؤتمرات عن بعد لمساعدة لبنان “إنسانياً”.
هذا افتراضياً. أما في الواقع؟
أكله الذئبُ اللبناني.
إقرأ أيضاً: عنترة بن باسيل: الإهانة المزدوجة!