لا أدري لماذا قفز إلى ذهني كارلوس إدّه عندما سمعت خبر هرب كارلوس غصن من طوكيو. بدون مقدمات بادرت صديقاً على الهاتف: “بماذا تجيب ابنك إذا سألك هل تفضّل أن يكون مثله الأعلى في الحياة كارلوس غصن أو كارلوس إدّه؟”.
جاوبني بسؤال حائر: “ما الذي يجعلك تفكر بكارلوس إدّه اليوم؟”.
لأنّ هذين الرجلين شديدا التشابه والاختلاف في آن واحد، قلتُ. دعك من أنّهما يحملان الاسم نفسه. كنت أخبرتك بعدما أُوقف رئيس “رينو” و”نيسان” في شباط الماضي في طوكيو عن اكتشافي مصادفة أنّ والده، جورج غصن، كان متورطاً في أعمال تهريب ذهب ومجوهرات أواخر الخمسينيات وأنّ أحد شركائه كان كاهناً في إحدى بلدات كسروان، ووقع بينهما خلاف إثر عملية تهريب قام بها رجل الدين وادّعائه لاحقاً أنّ عصابة سلبته المال في الهند. حكم القضاء اللبناني بعد أشهر على شخص من آل عبد الخالق بالسجن المؤبد بقتل الكاهن في محيط منطقة صوفر عام 1961، وعلى غصن بالسجن عشرين عاماً بجرم التحريض على القتل، بعدما اعترف القاتل بأنّه لم يكن يعرف الضحية وأنّ محرّضه أعطاه مالاً لقاء فعلته.
هل تعلم أنّ لكارلوس إدّه ابنة هي اللبنانية الوحيدة التي قبلت اليابان أن تكون موظفة بمرتبة مهمة فيها، غير كارلوس غصن طبعاً؟
لم يمضِ الوالد مدّة سجنه كاملة بل خرج بعد عشر سنوات بذريعة أنّه مريض ومصاب بأوجاع، وبعد نحو سنتين عاد إلى السجن بناء على حُكم قضائي بجرم بيع قطع أرض لمهاجرين إلى البرازيل بموجب وكالات مزورة. وبعد سنتين أو ثلاث خرج وغادر وعائلته لبنان إلى البرازيل وانقطعت أخبارهم إلى أن برز اسم كارلوس بتعيينه رئيساً لشركة “رينو” في فرنسا، فتذكّره رفاق مدرسة الجمهور وفرقة الكشّافة وجيرانه في صربا – جونية، حيث انتقلت العائلة للإقامة بعد انتقالها من مسقطها في عجلتون.
“هل تريد من هذه المقارنة القول إنّ الفارق في الأب؟” ، سألني صديقي.
-“الأب وما خلّف الأب” ، أجبته: “لاحظ أنّ كلّاً من الرجلين، كارلوس وكارلوس، يحمل ثلاث جنسيات، اللبنانية والبرازيلية والفرنسية، وكلّاً منهما يتكلم العربية والفرنسية والإنكليزية والبرتغالية، وكلّاً منهما خبير صناعي ومالي. يا لها مفارقات! هل تعلم أنّ لكارلوس إدّه ابنة هي اللبنانية الوحيدة التي قبلت اليابان أن تكون موظفة بمرتبة مهمة فيها، غير كارلوس غصن طبعاً؟
وهل ضروري أن أخبرك عن بيار إدّه والد كارلوس الآخر؟ كان والده إميل رئيس جمهورية ووالدته لودي سرسق وشقيقه العميد ريمون إدّه. إكتشفت أخيراً أنّ عمه ميشال إدّه، غير الوزير السابق الذي رحل أخيراً، كان أميرالاً في الأسطول البحري الفرنسي الذي كان يرابط في قاعدة أرواد خلال الحرب العالمية الأولى وكان له دور رئيسي في إيصال مساعدات المغتربين المالية التي أنقذت معظم مَن بقوا قيد الحياة زمن المجاعة في لبنان”.
– “إلى أين تريد الوصول؟”، سألني.
– لا أشكّ بأنّ كارلوس غصن عبقري في عالم صناعة السيارات، ونجاحه مذهل في “رينو” و”نيسان”. ولكن أتساءل هل يكون الابن صورة معدّلة لوالده أخلاقياً، والابنة لوالدتها؟
وكان رأيه: “ليس حتماً إنّما الاحتمال كبير”.
وقال بعد لحظة صمت: “جواباً عن سؤالك، رأيي أنّ ما أتيح لكارلوس إدّه لم يُتح لأحد غيره. مجد عائلة وزعامة وعزّ ومال وأملاك وصيتٌ ذهبٌ وحزبٌ سياسيٌ كان في ما مضى من أهم الأحزاب. لكنّه تخلّى وترك مكانه في السياسة لأنه لم يتحمّل عقلية الشعب اللبناني ووضاعة ثقافته ومعاييره. والده بيار إدّه هو أيضاً عندما خسر انتخابات بيروت عام 1960 طلّق السياسة 8 سنوات، وأنا أكيد أنّ كارلوس إدّه “إذا وقع نصفه على الأرض لا يلمّه”. ولا يمدّ يده إلى مال عام أو خاص ليس له. تربية عائلة “خواجات”، والناس في لبنان يحترمون الغنيّ الأزعر. لا يهمّ كيف حصلتَ على المال ولا كيف وصلت إلى المركز. يجذبهم مثال “النجم اللبناني العالمي الشبّيح المتألق”، فكيف إذا صرف مالاً على سياسيين ووسائل إعلام وصحافيين وإعلاميين يروجون له كما فعل رياض سلامة؟ ألم يكن حتى الأمس في نظر العامَّة أيقونةً، وضمان استقرار الليرة؟
– إذاً؟
أجاب بعد تفكير: “هل سمعت بسليم ميشال إدّه، صاحب شركة “موركس” للمعلوماتية ومؤسس متحف “ميم” للمعادن؟ أتمنى أن يكون ابني مثله”.