الدولار انخفض 2000 ليرة: لعبة صرّافين.. أو جوّ سياسي؟

مدة القراءة 5 د


انخفض سعر صرف الدولار في “السوق السوداء” 2000 ليرة في غضون أسبوعين. فبعد أن كان السبت ما قبل الفائت (10 تشرين الأول) يُتداول بـ8600 ليرة للشراء و8800 ليرة للمبيع، هبط اليوم إلى حدود 6800/7000 ليرة لبنانية. هذه الأسعار لدى الصرافين داخل المحلات، لكنّ الأرقام التي تُسجّلها تطبيقات الهواتف أقلّ منها.

الصرافون تنقسم آراؤهم حول هذه الظاهرة، وجلّهم يشتري الدولار ويأبى أن بيعه، فيما نقابة الصرافين الشرعيين عاجزة، تشتكي من “سجن المنصة” الذي احتجزها فيه مصرف لبنان، بعد أن ألزمها بتسعيرة (3850/3900) والتي لا تحاكي السعر الفعلي لصرف الدولار، وحرمها بذلك، من فوق الطاولة ونظامياً، من حرية التحرّك، بخلاف الصرافين غير الشرعيين والتطبيقات الالكترونية المطلقة يدها في السوق بلا أي وارع أو رادع قانوني أو أمني.

إقرأ أيضاً: سلامة يُخدّر الاقتصاد: أخفى الليرات ليسحب الدولارات

إذاً، تقرّ أوساط نقابة الصرافين بأنّ السعر الذي أًلزم الصرافون به غير منطقي أبداً، وبذلك تعترف النقابة ضمنياً بأنّ المصارف تنهب دولارات الناس! وهذا ما ينطلق منه يحيى، الذي يفضّل عدم الكشف عن إسمه كاملاً في حديثه مع “أساس”، وهو صراف من “الفئة – ب” في إحدى مناطق العاصمة بيروت.

يعتبر هذا الصراف البيروتي أنّ للمصارف مصلحة كبيرة في إبقاء سعر صرف الدولار مرتفعاً نسبياً لأنّها أكثر جهة مستفيدة من ذلك نتيجة “اللعبة” التي يمارسها التجار والناس العاديون في السوق، من خلال  بيع الشيكات المصرفية، والمحددة اليوم بقرابة 35% من قيمة سعرها الأصلي.

الطلب على الدولار متواضع، لأنّ الناس المحتاجة للدولار من أجل أي عملية تجارية أو للسفر أو لأي أمر غير اضطراري “متريّثة وتنتظر المزيد من الهبوط”

يشرح يحيى أنّ انخفاض سعر الصرف يخّفض حكماً هامش الربح. ولهذا تفضل المصارف أن يبقى سعر الصرف مرتفعاً، فإذا كنت بحاجة إلى دفع دين بالـ”دولار” قيمته 10 آلاف دولار، تقصد الصراف فتعطيه 3500 دولار فتحصل مقابل ذلك على شيك بقيمة 10 آلاف، تعطيه لجهتك الدائنة. أما إذا انخفض سعر الصرف أو اقترب سعر الشيك من قيمته الفعلية فتنتفي الحاجة إليه وإلى هذه العملية برمتها.

لكن كيف تستفيد المصارف من هذه اللعبة؟

يجيب يحيى: “المصارف تستفيد من خلال هذه الدورة النقدية لإفراغ ودائع الدولار من حساباتها، بهذه الطريقة هي تُبرّىء ذممها على جرعات، وتحقّق أرباحاً لن تستطيع تحصيلها في الظروف العادية”.

وعن سعر الصرف يقول يحيى أيضاً، إنّ هبوط الدولار “مرحلي ويتعلّق بالجو السياسي السائد منذ أسبوعين، وكذلك بالجو المريح الذي أرخته آلية إطلاق الاستشارات النيابية وما تبعها من تحركات التشكيل” فقط، رافضاً في الوقت نفسه الافراط بالتفاؤل، ومؤكداً أن “لا شيء إيجابي في الأفق”. ربما الحديث عن عرقلات تنتظر الرئيس المسمى سعد الحريري في طريق التأليف قد تكون السبب.

صراف آخر في بيروت يفضّل عدم نشر اسمه أيضاً، يكشف أنّ “العرض على الدولار كثيف هذه الأيام”، والسبب يعود إلى “الجو السياسي الإيجابي”. الناس متوجسة من تسجيل الدولار المزيد من الانخفاض ولهذا “هرعت صوبنا لصرف ما تحمله من دولارات”. أما الطلب على الدولار فمتواضع، لأنّ الناس المحتاجة للدولار من أجل أي عملية تجارية أو للسفر أو لأي أمر غير اضطراري “متريّثة وتنتظر المزيد من الهبوط”.

يضيف هذا الصراف المتواجد في منطقة المزرعة، أنّ التطبيقات الهاتفية التي تتناول أخبار الدولار، لعبت دوراً تفاؤلياً في هذا الخصوص. فسعر الصرف على هذه التطبيقات ما انفك ينحدر منذ أسبوعين، وكأن ثمة جهة خفية تحركه نزولاً عن بُعد، وتتماهى هذه الجهة مع الجو المطلوب سياسياً، من دون أن يُخفي توقعه بـ”تسجيل الدولار المزيد من الانخفاض في الأيام المقبلة، خصوصاً في حال نجحت مساعي تشكيل الحكومة سريعاً”.

لا يخفي حلاوي امتعاض الصرافين النظاميين من “تسعيرة المنصة” (3850-3900 ليرة) التي ألزمهم بها مصرف لبنان، معتبراً إياها “سجناً” لقدرة الصرافين النظاميين على التحرّك

أجواء التباين هذه، يُتوّجها عضو نقابة الصرافين محمود حلاوي، في اتصال هاتفي مع “أساس” بالتأكيد على أن هذه التطبيقات بالإضافة إلى “السوق السوداء” (الصرافون غير الشرعيين) “تتحكّم بسعر الصرف ويسجل الصّرافون أرباحاً طائلة”. يقول حلاوي إن هؤلاء “يركبون موجة الأحداث السياسية فيبيعون ويشترون وفق الجو الذي يفرض نفسه صعوداً أم هبوطاً، وذلك ضمن هوامش دراماتيكية قد تصل إلى 2000 ليرة و 3000 ليرة في غضون أيام، مسجلين أرباحاً كبيرة. مع العلم أنّ أنّ السوق النظامية يستحيل أن تُسجّل تقلّبات سريعة كهذه في الظروف الطبيعية”.

يكشف حلاوي ايضاً أنّ هذه التطبيقات هي التي تتحكم بعواطف الناس، وهي مجهولة المصدر: “نحن لا نعرف من يبرمجها ومن يُديرها أو من أي منطقة يُديرها. بداية وضعنا الأمن العام في أجواء المشاكل الناجمة عنها في السابق، وحاول تعقبها وفشل، لأنّ إقفالها وفتحها يبدو أمراً سهلاً من خلال وسائط تقنية لا علم لنا بها. يقال إنّ الأمر يتعلق بخادم الكتروني يُقفل من مكان ويُفتح من آخر لتستمرّ الخدمة”. 

ولا يخفي حلاوي امتعاض الصرافين النظاميين من “تسعيرة المنصة” (3850-3900 ليرة) التي ألزمهم بها مصرف لبنان، معتبراً إياها “سجناً” لقدرة الصرافين النظاميين على التحرّك، في مقابل ترك الساحة فارغة لأؤلئك غير الشرعيين، وكل هذا بسبب الفوضى وعدم قدرة الأجهزة على تعقّب هؤلاء وملاحقتهم، كاشفاً عن مطلب رفعته النقابة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الأيام السابقة، من أجل “إلغاء التعميم” وقد وعدهم بالنظر في الأمر “فور تشكيل الحكومة”، التي يقرّ الجميع ضمناً بقصر عمرها ويطالبونها بإيجاد حلول لأزمات بعمر وطن.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…