في إحدى غرف العزل المخصّصة لمرضى كورونا بمستشفى السان جورج، يرقد عبد الرحمن شبارو (77 عاماً)، أحد أفضل اللاعبين الذين أنجبتهم كرة القدم اللبنانية، والحارس الأسطوري الذي لقّب يوماً بـ”ياشين العرب”، بعدما تخطّت شهرته الملاعب المحلية وذاع صيته عربياً وقارياً، خصوصاً أنّه حارس المرمى الوحيد الذي دافع عن شباك ناديي العاصمة، النجمة والأنصار.
إقرأ أيضاً: محمد عطوي “الهدّاف الأنيق” ليس الأوّل.. هؤلاء غدرهم السلاح المتفلّت أيضاً
ابنة الحارس الدولي السابق، الإعلامية أسرار شبارو، كشفت لـ”أساس” أنّ وضع والدها حرج “إذ يعاني آلاماً رهيبة في أنحاء جسده لدرجة أنه لا يتحمّل مجرّد لمسه من أحد. والأطباء ينتظرون شفاءه من كورونا لمعالجة المشاكل الصحية الأخرى التي يعاني منها”.
وأضافت أنّ والدها موجود في مستشفى السان جورج منذ أسبوعين بعد أن جرى نقله إلى مستشفى المقاصد أولاً ثم إلى مستشفى الساحل حيث أجري له اختبار الـ “PCR” في طوارىء المستشفى، وتبيّن أنه مصاب بالكورونا، علماً أنّ نقله إلى مستشفى الساحل جرى بالتنسيق مع النائب الدكتور فادي علامة الذي أبدى تجاوباً كبيراً مع العائلة واضعاً إمكانات مستشفى الساحل بتصرّف اللاعب الدولي الكبير.
وتابعت أسرار أنّه بسبب عدم وجود قسم مخصّص لمعالجة مرضى الكورونا جرى نقل والدها إلى مستشفى السان جورج حيث تدهورت صحته وتضاعفت آلامه نتيجة التهاب رئوي حاد تسبّب له بضيق في التنفس وارتفاع في الحرارة.
قدّم الكثير لكرة القدم اللبنانية، إذ أفنى عمره في اللعب والتدريب، ورفع علم بلاده في كثير من المحافل العربية والدولية: “وأمثاله يستحقون كلّ الاهتمام والرعاية في شيخوختهم أو بعد اعتزالهم كرة القدم
وأشارت أسرار إلى تواصلها مع وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن الذي أبدى استعداده الكامل للمساهمة في العلاج، معتبراً أنّ شبارو من رموز الكرة اللبنانية، وهو يستحقّ كلّ الاهتمام والرعاية.
وقالت شبارو لـ”أساس” إنّ أفراد العائلة ليس بإمكانهم زيارة والدهم أو رؤيته، إذ يتعذّر ذلك حالياً لوجوده في قسم الكورونا داخل المستشفى. وأشارت إلى أنّ “بعض الأصدقاء المقرّبين من الوالد، وهم من قدامى اللاعبين، اتصلوا بالعائلة للاطمئنان عنه”، فيما لم يتواصل معهم “أيّ مسؤول في أيّ من الأندية التي لعب لها الحارس العملاق وكذلك من اتحاد كرة القدم”.
وأضافت أنّ والدها قدّم الكثير لكرة القدم اللبنانية، إذ أفنى عمره في اللعب والتدريب، ورفع علم بلاده في كثير من المحافل العربية والدولية: “وأمثاله يستحقون كلّ الاهتمام والرعاية في شيخوختهم أو بعد اعتزالهم كرة القدم”.
رئيس رابطة اللاعبين الدوليين القدامى عدنان بليق قال إنّ “الرابطة تتابع عن كثب تطوّرات الوضع الطبي للحارس الكبير عبد الرحمن شبارو”، كاشفاً عن “سعي الرابطة إلى الوصول لإقرار مشروع قانون في مجلس النواب يرعى الضمان الصحي والاجتماعي للاعبين الدوليين القدامى. وهي تنسّق في ذلك مع مرجعيات عدّة”.
واعتبر بليق أنّ شبارو “كان ظاهرة حقيقية في ملاعب كرة القدم، وهو لمع في كلّ الأندية التي دافع عن ألوانها إذ لعب بإخلاص في زمن كانت الماديات شيئاً ثانوياً أمام القميص التي يرتديها اللاعب، خصوصاً في المنتخب الوطني حيث بذل شبارو مع كثير من اللاعبين القدامى عرقاً وجهداً وتعباً لإعلاء شأن الرياضة اللبنانية. وهم يستحقّون من الدولة، ومنا جميعاً كلّ الاهتمام بعد اعتزالهم اللعب وتقدّمهم في السنّ”.
تعلّق شبارو بوطنه وأرضه كان وراء إضاعته فرصاً نادرة للاحتراف في الخارج، وتحقيق ما حقّقه سواه من بعض اللاعبين اللبنانيين الذين كان فاقهم مستوى فنياً وشهرة محلية وعربية
ويعتبر شبارو من أبرز حرّاس المرمى بتاريخ الكرة اللبنانية في الستينات والسبعينات ومطلع الثمانينات، إذ تألّق في الذود عن مرماه وتصدّيه لأصعب الكرات. وهو لعب لناديي النجمة والأنصار، ومثّل المنتخب الوطني في مناسبات عدّة، أبرزها كأس العرب وألعاب المتوسط، وتلقّى عروضاً خارجية كثيرة، أبرزها من فريق الأنتر الإيطالي ومن أندية في الخليج العربي، لكنه رفضها جميعها مفضّلاً البقاء في لبنان بالقرب من عائلته.
ولعب شبارو لـ”الأولمبي الاسكندري” المصري موسماُ واحداً (1966 – 1967)، وفاز معه بلقب الدوري. وكانت صفوف الفريق تضم اثنين من أبرز لاعبي الكرة المصرية هما بدوي عبد الفتاح وعز الدين يعقوب. لكنّه اضطرّ للعودة إلى بلاده بعد ذلك بسبب العدوان الإسرائيلي على مصر. ومن المفارقات اللافتة أنّ شبارو نجح في ذلك الموسم بصدّ ضربة جزاء أمام الإسماعيلي، كانت السبب في المحافظة على فوز فريقه 1 – 0 بالمباراة وبلقب الدوري، ونال مكافأة مقدارها 100 جنيه.
ولعلّ تعلّق شبارو بوطنه وأرضه كان وراء إضاعته فرصاً نادرة للاحتراف في الخارج، وتحقيق ما حقّقه سواه من بعض اللاعبين اللبنانيين الذين كان فاقهم مستوى فنياً وشهرة محلية وعربية. وفي إحدى المباريات التي خاضها منتخب لبنان مع المغرب وخسرها 0 – 3 على ملعب برج حمود قبل أشهر من مونديال “مكسيكو 70” عرض المسؤولون في المنتخب المغربي على رئيس نادي النجمة حينذاك عمر غندور تجنيس شبارو بقرار ملكي لخوض كأس العالم مع المنتخب العربي. لكنّ غندور رفض العرض حارماً شبارو من فرصة العمر.
والقدر شاء أن يحرم شبارو من شريكة عمره وأم ولديه هناء، وبعدها بأشهر فقد البصر في عينه اليمنى جراء ارتطام الكرة بوجهه في ملعب النجمة حيث كان يشرف على التمارين، علما أنّه درّب أندية عدّة بعد اعتزاله. وكرّمه الاتحاد الدولي الذي منحه جائزة تقديرية عام 2004، في حين لم يلقَ التقدير اللازم من الفريقين اللذين دافع عن ألوانهما، النجمة والأنصار.