سفينة “JaguarS” الغامضة ليست الأولى من نوعها التي ترسو في المياه الإقليمية اللبنانية. لكن هذه المرّة، و”بالصدفة”، تنبّه القضاء اللبناني. وبحسب الرواية الرسمية اشتبه، فتحرّك وحجز السفينة رافضاً السماح لها بالتوجّه نحو تركيا، بناءً على طلب وكيلها، بحجة منع تعريض لبنان للعقوبات الأميركية، بما أنّ وجهة الباخرة الأساسية كانت نحو سوريا.
إقرأ أيضاً: رفع الدعم التدريجي: وقائع فقر مرعبة خلال 6 أشهر
لكن فات القضاء المختص، ومعه المعنيون في الملف النفطي، أنّه في تموز الماضي وصلت السفينة”Transporter” إلى مرفأ الزهراني. وفي التفاصيل، كان من المفترض أن تكون “Transporter” محمّلة بما يقارب 4000 طن من مادة “الديزل أويل”. ظهرت هذه الشحنة بطريقة مباغتة وبالتزامن مع إطلاق وزارة الطاقة والمياه آلية الـ”Cargo Spot” لتأمين المحروقات في السوق المحلية بعد فشل الوزارة في إبرام عقود طويلة الأجل لشراء مشتقات نفطية، نظراً للأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة وأزمة المحروقات التي تمرّ بها البلاد.
مصدر شحنة تموز كان شركة أجنبية حصلت على مادة المازوت من نيجيريا من خلال ما يُسمّى بالـ”ship to ship transfer” ،أي التعبئة من سفينة إلى أخرى. وقد تمّت إجراءات نقل المادة البترولية الخضراء إلى الـ”Transporter” في المياه الدولية قبالة الشواطئ القبرصية – اليونانية، لتتوجّه الباخرة بعد ذلك مباشرة إلى المياه اللبنانية.
بحسب المعلومات التي حصل عليها “أساس”، فإن أحد المقرّبين من أحد الأحزاب المهيمنة في منطقة الزهراني، وهو ملقّب بـ”الزعيم”، قد أصرّ على إدخال الـ”Transporter” إلى مصفاة الزهراني
في البداية، ظنّ “عرّاب” الشحنة اللبناني أنّ بوسعه إدخال الشحنة بسهولة مستغلاً قيام الدولة اللبنانية بواسطة وزارة الطاقة – المديرية العامة للنفط – منشآت النفط بمناقصات لشراء “الديزل أويل”. أو أنه أَوْهَمَ المديرية العامة للنفط بذلك. فيومذاك، كانت السوق المحلية تعاني من أزمة غير مسبوقة ونقص حادّ في المازوت. وقد حاول “الوكيل” استعمال طرق شتّى لتفريغ الحمولة في خزّانات المنشآت وتسجيلها من ضمن الكوتا المحلّيّة، إلا أنّ الـ”Transporter” لم تكن مستوفية لشروط وزارة الطاقة والمياه لشراء “الديزل أويل”، عبر الآلية المعتمدة من خلال استدراج العروض وحجز الاعتماد عبر مصرف لبنان كما إبلاغ المديرية العامة للجمارك بكلّ تفاصيل الشحنة قبل وصولها. لذلك تمّ رفضها. وبعد مرور أكثر من أسبوعين على وجودها في المياه اللبنانية، طلب القبطان الاقتراب من الشاطئ لتزويد السفينة بالوقود. وبعد كشف الجمارك على السفينة تبين أنّها خالية من أيّ مواد نفطية كانت تدّعي أنها محمّلة بها.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها “أساس”، فإن أحد المقرّبين من أحد الأحزاب المهيمنة في منطقة الزهراني، وهو ملقّب بـ”الزعيم”، قد أصرّ على إدخال الـ”Transporter” إلى مصفاة الزهراني. ذلك يعني ببساطة احتمالَين: فإما أن الزعيم، كما يدعوه المهرّبون، كان يجهل أنّ السفينة لا تحتوي ولو على ليتر واحد من الديزل، أو أنّه حاول التمويه بعدما استغلّ منشأة الزهراني، وهو يدرك جيداً أنّ الحمولة قد أُفرغت في المصفاة ليلاً (بعد فشله بإفراغها بالطرق الشرعية) لتعود السفينة إلى نقطة وجودها، ولتُنقل بعد ذلك المواد في الصهاريج إلى سوريا أمام عيون القوى الأمنية المعنية، وبمؤازرتها.
بعد ذلك، استُكملت مسرحية إتمام المهمة وتسجيل وصول السفينة إلى الوجهة المصرّح عنها. وبعد التحقيق مع طاقم السفينة وتبيان قانونيّة مستنداتها الورقية، والتأكد من عدم إخلالها بالقوانين اللبنانية، سُمح لها بالمغادرة.
في هذا السياق، تتّهم مصادر مطّلعة عبر “أساس” المديرية العامة للجمارك بأنّها تواطأت مع المهرّبين. فالجمارك تتبع مباشرة إلى وزارة المالية (ما يشكّل مبرّراً إضافياً لتمسّك الثنائي الشيعي بهذه الحقيبة). عملياً، وبحسب المصادر عينها، يمكن لأيّ سفينة قريبة من المصفاة الجنوبية تفريغ حمولتها ليلاً (overnight)، ليُصار إلى نقلها إلى الأراضي السورية عبر المعابر غير الشرعية، بما أنّ نقل الحمولة إلى سفينة أخرى بحراً عمليّة صعبة بعض الشيء، أوّلاً بفعل انتشار قوات اليونيفيل جنوباً، وثانياً لأن البحر خاضع لرقابة مشدّدة.
من المحتمل كذلك توريط لبنان ومصفاة الزهراني في قضية دولية كونها مملوكة من الدولة. وعلى عكس سائر المرابط الخاصة للشركات التي تكون أكثر عرضة للمراقبة والمسائلة كوجهة نهائية “Final Destination”
وبالعودة الى قضيّة الـ “JaguarS” الآتية من اليونان والمحمّلة بما يقارب 4000 طن من مادة البنزين لصالح شركة “النِعَم” السورية التي تعمل في مجال استيراد النفط كما تشير المستندات، فهي قد وصلت قبالة الزهراني ورست هناك منذ 25 أيلول بانتظار الأمر بالتفريغ في ظلّ العقوبات الأميركية على سوريا عملاً بأحكام قانون قيصر. فمرفأ الزهراني هو أحد الموانئ المخصّصة لاستقبال الشحنات المحمّلة بالبنزين والديزل.
حتّى اللحظة، لا تزال ملابسات ملف “JaguarS” غير واضحة، على الرغم من إحالته إلى القضاء المختصّ، الذي حجز على البخرة وطلب الكشف على حمولتها. إلا أنّ اعتراف القبطان بالتواطؤ مع الوكيل البحري لإدخال السفينة إلى المصفاة الجنوبية من شأنه أن يعيد خلط كلّ أوراق السفن المشابهة ومَن وراءها، إذا عولج الملف بتجرّد.
من الممكن أن يقوم القضاء بالإفراج عن الباخرة وإعادتها إلى وجهتها الرئيسية، أي اليونان. ومن الممكن أيضاً أن تتأكّد المديرية العامة للجمارك من وجود المواد النفطية المزعومة على متنها، منعاً لتكرار حكاية الـ”Transporter”.
ومن المرجّح إثبات كيف تعمل هذه السفينة ومعها مئات البواخر الأخرى التي تعتمد الآليّة عينها في تهريب المحروقات إلى سوريا المُعاقَبة، مستغلّةً مرفأ الزهراني وهيمنة فريق أوحد عليه لتنفيذ المهام اللوجستية استناداً إلى قوانين البحار التي توجب على السفن تحديد مرفأ الوصول قبل الانطلاق من المصدر.
ومن المحتمل كذلك توريط لبنان ومصفاة الزهراني في قضية دولية كونها مملوكة من الدولة. وعلى عكس سائر المرابط الخاصة للشركات التي تكون أكثر عرضة للمراقبة والمسائلة كوجهة نهائية “Final Destination”.
المؤكد أنّ هذا الملف، على غرار الفيول المغشوش، قد يفتح حرباً “حزبيّة” جديدة، خصوصاً إذا فُضح أمر الجهة السياسية التي ضغطت و”فسّدت”، فأفسدت مصالح جهة متمرّسة بتهريب الملفات، وتهريب الحقائب، وتهريب الأموال، وأخيراً…تهريب النفط.