الحزب يرفض “تضحية” الحريري: من قال لكَ إننا نريد حكومة؟

مدة القراءة 5 د


لو كان حزب الله يرغب فعلاً في تشكيل حكومة جديدة، لكان تلقّف تجرّع الحريري “كأس السمّ”، وأعلن موافقته على أن يكون وزير المالية من الطائفة الشيعية، شرط أن “يختاره هو، شأنه شأن سائر الوزراء على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي”.

مصادر حزب الله قالت لـ”المنار”، تحت اسم “مصادر مطّلعة”، إنّها “لا تريد للحريري أن يتجرّع السم والثنائي الشيعي لطالما جنّبه تجرّعه”. كما لو أنّ حزب الله يقول للحريري: “من قال لكَ إنّنا نريد تشكيل حكومة؟”، أو: “من طلب منك هذا التنازل؟”.

إقرأ أيضاً: سعد الحريري المتخصّص بهزيمتنا

يبدو واضحاً أنّ “الثنائي” لا يقبل عرض الحريري، وتحديداً حزب الله، بتسهيله التشكيل “منفرداً بمعزل عن موقف رؤساء الحكومات السابقين، مع علمي المسبق بأنً هذا القرار قد يصفه البعض بأنًه بمثابة انتحار سياسي”.

قبل ساعات قليلة من إعلان الحريري، وصلت إلى هواتف بعض المتابعين في لبنان للحراك الفرنسي رسالة مختصرة من باريس مفادها: “il va bouger”، أي أنّ “الحريري سيتحرّك”. وذلك بعد اتصالات مكثّفة في الساعات الماضية مع الجانب الفرنسي حصراً تبلورت بشكل كامل نتيجة ضغط شخصي من الرئيس إيمانويل ماكرون، رفضها رؤساء الحكومات السابقين إلى حدّ التبروء منها واعتبارها “مبادرة شخصية من الحريري”، في بيان صدر فورإعلان بيان الحريري: ” نعتبر أنفسنا غير ملزمين بها… لأنّ الدستور اللبناني شديد الوضوح في أنّه ليس هناك من حقيبة وزارية حكراً لطائفة…”.

قد يراهن الفرنسي وغيره على تحرّك ما، إقليمي أو من جانب الايرانيين، لكن هذا الرهان خاطئ. فهناك سوء تقدير لدى اللبنانيين بخصوص موقف إيران التي لا تتعاطى كعادتها في التفاصيل خارج إطار التفاهم الشيعي

وفق مصادر مطلعة، “الثنائي الشيعي” وضع شرطين على تنازل الحريري الذي سمّاه هو نفسه “تجرّع السمّ”: “التفاهم والتعاون مع رئيس الجمهورية، وأن تصدر لائحة أسماء الوزراء الشيعة، بما في ذلك وزير المال، من جانب الثنائي الشيعي وللرئيس المكلّف، كما الحريري، الاختيار من ضمن هذه اللائحة”. وبالتالي هذا يتنافى كليّاً مع بيان الحريري وشرطه الوحيد “أن يختار مصطفى أديب وزير المال الشيعي، شأنه شأن سائر الوزراء على قاعدة الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي”.

وكانت بُذلت محاولات وفق المصادر، آخرها في لقاء بين الرئيس عون ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد يوم السبت. الماضي. وأساس “مبادرة السبت” انطلق من اقتراح ماكرون يوم الخميس الفائت على رئيس الجمهورية شخصياً تسمية وزير مسيحي للمالية، لكنّ جواب الحاج رعد كان حاسماً. طلب عون نقل اقتراحه مباشرة إلى السيد حسن نصرالله، فأتى جواب الأخير سريعاً: “قرارنا حاسم ببقاء المالية معنا وهو نتاج تفاهم شيعي شيعي”.

وفيما أتى الردّ الرئاسي واضحاً يوم الاثنين بطلب عون إلغاء التوزيع الطائفي في الحقائب السيادية، تقول أوساط الرئيس نبيه بري ردّاً على مبادرة بعبدا: “كان يفترض أن تشكّل هذه المبادرة عنواناً لنقاشات ساخنة تنشّط حركة المقرّات والرسائل المتبادلة، لكن لا صدى لهذا الاقتراح الذي لم يرتقِ إلى مستوى فتح ثغرة في جدار الأزمة، فيما مبادرة الحريري أتت ضمن سياق غير مرتبط بخطاب الرئيس، وإن كان الأخير شكّل دعماً لموقف رئيس الحكومة السابق، والدليل أنّ رئاسة الجمهورية انهمكت أمس في تأكيد عدم وجود جبران باسيل في القصر الجمهوري من ضمن فريق العمل الذي صاغ الخطاب وفي توضيح مقصد رئيس الجمهورية بقوله “رايحين على جهنم”.

وتوضح مصادر على خطّ “الثنائي”: “قد يراهن الفرنسي وغيره على تحرّك ما، إقليمي أو من جانب الايرانيين، لكن هذا الرهان خاطئ. فهناك سوء تقدير لدى اللبنانيين بخصوص موقف إيران التي لا تتعاطى كعادتها في التفاصيل خارج إطار التفاهم الشيعي. عملياً، الايرانيون تبلّغوا منا تمسّكنا بالحقيبة وليس العكس”.

إذا لم تتشكّل الحكومة بعد “كأس السمّ” الحريري، فهذا يعني أنّ إيران لا تريد حكومة، وستستمرّ في وضع العصي بالدواليب. والأكيد أنّ “بيّ التضحية” ستذهب تضحيته هباءً منثوراً

في المقابل، رصدت الكواليس بقاء الخطوط مفتوحة بين الثنائي الشيعي وبيت الوسط. والعارفون يجزمون: “رغم مساحة الخلاف مع عون وجبران وباسيل والحريري فلغة التواصل لم تنقطع. في بدايات تأليف الحكومة كان التنسيق والتواصل كثيفاً بين “الخليلين” والحريري حتى أن معاون أمين عام حزب الله الحاج حسين خليل التقى الحريري أكثر من مرّة قبل وبعد تكليف مصطفى أديب، بحضور النائب علي حسن خليل، لكن بعد تموضع القوى السياسية خلف مطالبها خفّ التواصل بين الثنائي الشيعي ورئيس تيار المستقبل مع تسجيل حركة مكوكية دائمة لعلي حسن خليل باتجاه طرفي النزاع رغم حدّة الخلافات بين الأخير وباسيل”.

وتضيف المصادر: “وصلت المرونة معنا ليس فقط إلى حدّ القبول بوزير شيعي يحمل الجنسية الفرنسية بل بوزير شيعي “على الهوية”، يختاره سعد الحريري من ضمن لائحة أسماء  ويرضى عنه ويكون له فيه أكثر من أي وزير سني آخر. بمعنى آخر أن نتآمر نحن وإيّاه على الاسم… غير ذلك لم يكن لدينا ما نقدّمه”.

لكنّ “مصادر المنار” عاجلت الحريري بالرفض، وتنصّلت من هذا “التآمر”، وأكّدت: “كيف يسمح الحريري لنفسه بأن يحدّد ويشترط في تسمية الوزير الشيعي؟”.

إذا لم تتشكّل الحكومة بعد “كأس السمّ” الحريري، فهذا يعني أنّ إيران لا تريد حكومة، وستستمرّ في وضع العصي بالدواليب. والأكيد أنّ “بيّ التضحية” ستذهب تضحيته هباءً منثوراً.

على كل حال ليست هذه هي المرة الأولى..

مواضيع ذات صلة

اغتيالات هزّت عرش الأسد (2/4): لبناني تسبب بقتل غازي كنعان؟

لم يكن 8 كانون الأوّل 2024 يوم سقوط نظام بشّار الأسد فعليّاً، بل كان التاريخ الرسميّ لإعلان وفاته. منذ عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق…

“الحزب” والجيش شمال اللّيطاني: “الميكانيزم” أم مواجهة؟

ثمّة خلاصة أساسيّة لزيارة الموفد الرئاسيّ الفرنسيّ جان- إيف لودريان، والموفدين الدوليّين الذين زاروا لبنان أخيراً، مفادها: “استاتيكو الضغط العسكريّ – السياسيّ مستمرّ على لبنان….

مفاوضات على نار حامية: هل تُنضج الاتفاق أم تحرق الجميع؟

انطلاق المفاوضات في جو الاحتقان السياسي المحلي والإقليمي لا يعد بالكثير طالما لم يتحقق النضج الكافي عند أطراف الصراع وذلك بحسب أهم مفاهيم حل النزاعات…

اغتيالات هزّت نظام الأسد (1/4): كيف قتل ماهر صهره؟

لم يكن الثامن من كانون الأوّل/ديسمبر 2024 تاريخ سقوط نظام بشار الأسد، بقدر ما كان لحظة إعلان الوفاة الرسمية لنظام ظلّ يتآكل منذ سنوات طويلة….