بات واضحاً أنّ شركات التأمين تتهرّب من تكاليف الاستشفاء وفحوصات PCR لمرضى كورونا أو المشتبه بمرضهم، وكذلك تتهرّب من التعويض على ضحايا تفجير مرفأ بيروت. ولكلّ تهرّب أكثر من سبب، لكن تصبّ كلّها في خانة خيانة الاتفاق المعقود مع المؤمِّن.
50 إلى 70 ألف مؤسسة وشركة ووحدة سكنية هدمت كلياً أو جزئياً في تفجير مرفأ بيروت، بحسب تقرير الأمم المتحدة. وقد طال الضرر 8000 مبنىً. وحتّى الآن لا يوجد جهة تكفّلت بالترميم، ما عدا المبادرات الفردية والجمعيات التي لا يمكن لميزانياتها أن تقترب حتّى من فكرة الترميم وإعادة الإعمار.
إقرأ أيضاً: 3.3 مليار دولار تعويضات التأمين على الخسائر تنتظر نتائج التحقيق
وما بين صدى صوت “الهيئة العليا للإغاثة” التي لا يجيب أحد على رقم الهاتف الذي وضعته بتصرّف المواطنين، وبين عدم وضوح الرؤية التعاقدية مع شركات التأمين حول ما إذا كانت هي من ستعوّض أم لا، عقدت الهيئات الاقتصادية لقاء مع رئيس جمعية شركات التأمين إيلي طربيه، لاستيضاح الصورة.
يوضح ماطوسيان أنّ الدولة في لبنان لا تلزم المواطن بالتأمين على المنازل ضد الحريق وضدّ بعض الحوادث
طربيه الذي انتظرناه 4 أيام من دون أيّ جواب حول موافقته على إجراء مقابلة من عدمها، قال في جلسة نقاش مع الهيئات الاقتصادية إنّ “القرار النهائي بالدفع أو عدمه هو رهن صدور التقرير الرسمي عن الانفجار لإظهار سببه وطبيعته. إذا كان مقصوداً كعمل إرهابي أو حربي، أو كان حادثاً عرضياً، لأنّه في حال كان الحادث مفتعلاً، أي أنه عملٌ إرهابي أو حربي، فإنّ شركات التأمين لن تدفع كلفة الأضرار”. وأوضح أنّ من لديه بوالص تشمل تغطية المخاطر كافة، وأخرى تشمل تغطية مخاطر الحرب والأعمال الارهابية، سيقبض بعد موافقة شركات إعادة التأمين عقب تسلّمهم التقرير الرسمي حول طبيعة الانفجار”.
رئيس مجلس إدارة وصاحب “شركة المشرق للتأمين وإعادة التأمين” النائب ألكسندر ماطوسيان، يقول إنّ أزمة تغير سعر صرف الدولار، لها انعكاسات كارثية على القطاع، لاسيما أنّ الشركات كانت سعّرت بواليص التأمين بالدولار الأميركي، لكنها ملزمة بموجب القانون بتقاضي ثمنها بالليرة اللبنانية. وهذا يعني أنّ الشركة لا يحقّ لها أن ترفض مستحقّاتها بالليرة إذا أراد المؤمِّن أن يدفع بالعملة المحلية. فهذا الأمر يعدّ مخالفة للقانون. ولكن بعد أن أرغمت بعض المستشفيات شركات التأمين على دفع نصف المبلغ المتوجّب على المؤمِّن بالدولار، حاولت بعض شركات التأمين سلوك هذا المنحى: “نسعى للحفاظ على أفضل العلاقات مع المستشفيات لمصلحة المؤمِّن”، يقول ماطوسيان. وفي ما يتعلّق باستشفاء المصابين بكورونا: “أخذت بعض شركات التأمين الأمر على عاتقها، وغطّت تكلفة الاستشفاء. واشترطنا أن تحاسبنا المستشفيات بحسب تعرفة الضمان الاجتماعي. لكنّ المستشفيات رفضت، إلى أن توصّلنا معها إلى تسوية حول تعرفة محدّدة باتت سارية المفعول. كما طرحتُ فكرة جمع تبرّعات بقيمة 6 ملايين دولار لتغطية تكاليف الاستشفاء من انتشار فيروس كورونا. لكن هذه المبادرة رفضها وزير الاقتصاد. وأنشأنا تطبيق application لكلّ الآتين من دول العالم لعقد تأمين إلزامي قيمته 20 دولاراً للمواطن اللبناني و50 دولاراً للأجنبي، بهدف التغطية الطبية في حال الإصابة بفيروس كورونا. وبعد إطلاق هذ التطبيق رفضه وزير الصحّة. وللأسف بعد كلّ هذا التعب، صُنّفنا في خانة السارقين، وهو أمر سبّب لنا الإحراج. واليوم عادت الدولة إلى محاولة تنفيذ سيناريو هذا التطبيق. لكن لا نزال نتوخّى الحذر من خوض هذه التجربة، إلا بشروط محدّدة، كي لا نتعرّض لما تعرّضنا له من اتّهامات”.
وفي ما يتعلّق بانفجار بيروت، والمتضرّرين منه، يوضح ماطوسيان أنّ الدولة في لبنان لا تلزم المواطن بالتأمين على المنازل ضد الحريق وضدّ بعض الحوادث: “وفي حال اشترى بوليصة تأمين ضد الاعتداءات أو الهجوم الإرهابي على سبيل المثال، فحكماً أيّ حادث ناتج عن هذا الأمر تغطّيه شركة التأمين. وكلّ سبب آخر تكون الدولة ملزمة بالتغطية. وتغطّي الشركات حوادث القضاء والقدر، لكن إذا كانت الدولة هي سبب الحادث أو مرفأ بيروت، فوجب على مسبّب الحادث دفع ما دفعته شركات التأمين”.
ويضيف ماطوسيان أنّ “شركات التأمين في حال تبيّن أنها ملزمة بالدفع، فهي قادرة على ذلك. لكنّ المشكلة اليوم هي النقص في مواد البناء ومستلزماته. وهذا يساعد شركات التأمين على الدفع بالتقسيط”.
المشكلة طبعاً هي أنّ شركات التأمين لا تعرف حتى الآن “نوعية المخاطر” التي ضربت لبنان في تفجير المرفأ، وتنتظر نتائج التحقيقات
كلّ أصحاب الشركات يقعون في المشكلة نفسها: شركات التأمين تتقاضى الاشتراكات بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف 1500 ليرة، بينما سعر الصرف في السوق السوداء لامس أحياناً 9000 ليرة للدولار. وطبعاً، لن تتمكّن الدولة من إنشاء منصّة للصرف خاصة بنا. لذلك، فإنّ إعادة النظر بسعر الصرف، وتثبيته هو الحلّ. أما بالنسبة لسعر البوليصة، فتسعى شركات التأمين إلى عدم رفع أسعارها. ولكن مثلاً، من لديه تأمين شامل وكامل على سيارة بقيمة 20 ألف دولار، و20 ألف دولار اليوم هي 30 مليون ليرة، في حال خسر سيارته، فقيمة 20 ألف دولار غير كافية لشراء سيارة جديدة. لذلك، عليه دفع أربع أضعاف أو أكثر من سعر البوليصة الأساسي، ليتمكّن من تغطية السيارة بشكل كامل”. يبقى الحلّ، حسب ماطوسيان، في تثبيت سعر الصرف.
استناداً إلى بيانات جمعية شركات التأمين في لبنان، يتوزّع المؤمنون على الشكل التالي: المؤمِّنون في فرع النقل 83 ألفاً. السيارات والمركبات التي تشملها التغطية التأمينية، تبلغ مليوناً و403 آلاف وحدة. عدد المؤمِّنين في فرع الاستشفاء 837 ألفاً. المؤمِّنون على الحياة 618 ألفاً. المؤمِّنون ضدّ الحريق 65 ألفاً. و321 مؤمِّناً في فروع مختلفة.
هي مشكلة كبيرة، لكن بحسب خبير التأمين مارون عبود، فهو يعتبر علم التأمين هو علم “الضمان” او ما يعرف بـ”RISK TRANSFER MECHANISM” أي عندما ينقل المخاطر التي يتعرض لها المؤمن إلى شركة التأمين، مقابل عقد تأمين يختلف طبعاً حسب موضوع التأمين، وهنا تتعهد شركة التأمين أن تعوّض على المؤمّن ما تعرّض له من مخاطر، شرط أن تدخل هذه المخاطر ضمن نصّ بوليصة التأمين، وتكون سارية المفعول. طبعاً هذه العملية تحصل مقبل بدل مادي يختلف بحسب طبيعة كلّ بوليصة. إلا تسعيرة الأضرار المادية ضدّ الغير، أو ما يعرف بالتأمين الالزامي فهذه سعرها موحّد إلى حدّ ما لدى معظم الشركات، وهي تختلف عن التأمين الشامل أو ما يعرف بالـTous risques.
المشكلة طبعاً هي أنّ شركات التأمين لا تعرف حتى الآن “نوعية المخاطر” التي ضربت لبنان في تفجير المرفأ، وتنتظر نتائج التحقيقات.