زيارة ماكرون: التغيير الحكومي مرهون باتفاق شامل

مدة القراءة 5 د


يوم الخميس الماضي، كان بامتياز يوماً فرنسياً في شوارع بيروت. شكلاً ومضموناً، فـ”الصفعة” التي وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الطبقة السياسية، الحاكمة، وإلى بعضها الآخر الجالس على صفوف المعارضة، لا تقلّ قساوة عن تداعيات مشهد الرابع من آب.

سار الرئيس الفرنسي في أزقّة الجميزة ومار مخايل التي لا تزال تحت أنقاض ركامها وأشلاء أبنائها وسكانها، حيث لم يجرؤ المسؤولون اللبنانيون أن يسيروا. بدا كمنقذ منتظر هبط فجأة على شعب مقهور ينشد الخلاص. لا شكّ بأنّ صورته يمشي سيراً على الأقدام بين الأبنية المتهالكة والناجين من “الزلزال المدمّر”، قد تصدّرت شاشات العالم الشاخص نحو بقعة جغرافية أحالتها لحظة إهمال أو إجرام إلى ساحة حرب…

إقرأ أيضاً: ماكرون يمدّ يده.. مبادرة أم ارتجال؟

يعرف فريق ماكرون، كما يقول لبنانيون معنيّون بالملف الفرنسي، كيف يستثمر الصورة والصوت جيداً. وها هو يتقنها في شوارع بيروت الدامية، وهي صورة قد تساعده كثيراً في داخله الفرنسي، وهو شقّ غير مرئيّ من زيارته اللبنانية التي أتت على غفلة، من دون أن يعني ذلك أنّ هذا الاعتبار هو الذي يتصدّر أجندة تلك الزيارة.

وفق المعنيين، فإنّ الرابط التاريخي والإنساني والثقافي وحتى الاقتصادي، بين فرنسا وبين لبنان، دفع ماكرون، وبلا تردّد، إلى التوجه سريعاً إلى “الأرض المحروقة” لمعاينة الأضرار بنفسه، والوقوف على رأي وحاجات شعب موجوع يئنّ ألماً وخوفاً وجوعاً… ولكي يسعى بالسياسة إلى استثمار تلك اللحظات الصعبة الاستثنائية لدفع القوى السياسية إلى مربّع تنازلات صار لا بدّ منها لكي يستقيم الوضع السياسي والمالي والنقدي والاقتصادي، من خلال ممرّ الإصلاحات الإلزامي.

حركة الرئيس الفرنسي ناتجة عن قناعته وقناعة إدارته في إمكانية تحقيق خرق ما

ولكن هل حمل ماكرون مبادرة متكاملة؟ ماذا عن مواقف الدول المعنيّة من هذه المبادرة؟ إيران والولايات المتحدة تحديداً؟ وهل تطبخ على نار هادئة؟ ماذا عن دعوته لتشكيل حكومة اتحاد وطني؟

يختصر المعنيّون جدول أعمال ماكرون السياسي في لبنان على الشكل الآتي:

–       لا تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت انطلاقاً من مبادرة معدّة سلفاً أو متفاهم عليها مع الدول المعنيّة، بدليل أنّ حزب الله بدا متفاجئاً بالدعوة التي وجّهت إليه للمشاركة في لقاء رؤساء الكتل النيابية مع الضيف الفرنسي، وبدا غير مطلع على عناوين المبادرة التي سيضعها ماكرون على طاولة البحث.

–       وفق هؤلاء، حركة الرئيس الفرنسي ناتجة عن قناعته وقناعة إدارته في إمكانية تحقيق خرق ما، انطلاقاً من مكانة بلاده، في لحظة انهيار أو فوضى لبنانية غير معلنة، قد تدفع بالممسكين بزمام القرار والنفوذ إلى تجاوز حساباتهم ومصالحهم الضيقة، وإقرار الإصلاحات الجوهرية الأساسية المطلوبة لاستقامة الوضع السياسي والنقدي.

–       لم يطرح الرئيس الفرنسي أيّ عقد سياسي جديد على طاولة النقاش، لا بل توجّه إلى من التقاهم بأنّ تفاهم اللبنانيين هو المعبر الإلزامي لأيّ تغيير صار لا بدّ منه، وبالتالي هو لم يعرض أيّ فكرة أو طرح، بل طلب من القوى السياسية أن تتفاهم فيما بينها لإعادة بناء جسر ثقة مع المواطنين من خلال أسلوب جديد في الإدارة السياسية للبلاد. المهمّ هو التوافق بشكل يعيد ثقة الناس بسياسييهم.

القوى اللبنانية ليست جاهزة بعد لمثل هذا التغيير، حيث لا تزال الحواجز منصوبة بين المقارّ السياسية

–       تعهّد ماكرون أمام القوى اللبنانية أنه على استعداد لترويج أيّ اتفاق قد يتوصّل إليه اللبنانيون أمام المجتمع الدولي، وتحديداً إيران والولايات المتحدة، في حال تمكّنوا من التفاهم وإقرار الإصلاحات المطلوبة.

–       ولهذا، يؤكّد المعنيّون أنّ مطلب التغيير الحكومي ليس هدفاً بحدّ ذاته، وإنما هو تعبير عن التضامن الوطني الذي لا بدّ منه في هذه اللحظات، وفي هذه المرحلة الحرجة لتجاوز المناكفات غير المجدية والتي تزيد من حدّة من الانهيار لا أكثر. ويشيرون إلى أنّ ماكرون ترك الكرة في ملعب اللبنانيين لكي يتفقوا على شكل التضامن السياسي الذي يرغبون به، لكنه شدّد أمامهم أنّ رهانات القوى السياسية على الصراعات الخارجية لن تزيدهم إلا انقساماً، ودعاهم وفق المعنيين إلى ترك الاصطفاف الإقليمي خارج حدودهم لأنّ أصحاب العلاقة لا يريدونهم جزءاً من هذا الصراع. وكلّ ما عليهم القيام به هو إصلاح بنية الدولة ومؤسساتها لوقف الانهيار بمعزل عما يحصل في الإقليم.

فهل هذا يعني أنّ التغيير الحكومي بات على الأبواب؟

يجيب المطلعون أنّ القوى اللبنانية ليست جاهزة بعد لمثل هذا التغيير، حيث لا تزال الحواجز منصوبة بين المقارّ السياسية. وإذا لم يكن التغيير مربوطاً بتغيير جذري شامل في السلوك السياسي وقادر على تنفيذ ما يطلبه المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان من أزمته ، فإنّ أي قرارات أخرى لن تكون ذات فائدة. الواضح حتى الآن أنّ أياً من القوى المعنيّة ليس متحمّساً لإجرائه.

 

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…